حلم الثراء السريع هو ذلك التطلع لمستقبل افضل، والذي ينتهي دائما بالسقوط في هوة النصب والاحتيال تحت مسمي توظيف الاموال، وكأنها معادلة تنتهي الي نفس النتيجة، وان اختلفت الحالات والظروف دون ان يتعلم اطرافها. فالمجني عليه يعلم انه معرض لفقدان رأس ماله، ورغم ذلك يغامر به طمعا في المزيد، والجاني يعلم انه سيسقط في النهاية، إما سجينا او هاربا من مطاردة المودعين والقضايا، الا انه يستمر في جمع المال ، والأمن يضبط القضايا ويستجيب للبلاغات، لكن رجاله لم يمنعوا جريمة لتوظيف الاموال قبل ان تستفحل وتخلف ضحايا بالمئات فما حدث في الايام القليلة صفعة في وجه رجال الشرطة وشاهد عيان علي ان الشرطة لاتمنع الجريمة قبل وقوعها، ولكنها تتصدي لها بعد سقوط آلاف الضحايا، ووقوع مئات الكوارث ، ووسط هذا وذاك لم تشفع القوانين ولا الاجراءات في محاصرة الظاهرة والقضاء عليها بل زادت اكثر. ففي العام الماضي تم ضبط 123 قضية توظيف اموال بقيمة 200 مليون جنيه ، بينما في شهر ابريل فقط ضبطت 4 قضايا بما يقرب من المبلغ نفسه الي جانب ضبط شريكي رجل اعمال هارب استوليا علي 45 مليون دولار من اموال 800 ضحية تحت زعم المضاربة في البورصات العالمية بنظام " الفوركس" ، اي ان معدل جرائم توظيف الاموال في ازدياد، ومازالت تتكرر والامن ينتظر البلاغات. ولعل قضية رجل الاعمال احمد المستريح دليل صارخ علي ترك مافيا توظيف الاموال تلتهم مدخرات المصريين دون رادع ، فالمتهم لم يلق بالا للقانون رقم 146 لسنة 1988، والذي جرم تلقي الاموال من الجمهور لتوظيفها واستثمارها خارج اطار الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال والمقيدة بهيئة سوق المال ، وانطلق في جمع اموال ابناء الصعيد ليخرج منهم مئات الملايين طيلة 5 سنوات تحت دعوي توظيفها، بينما كانت اجهزة البحث الجنائي والامن العام والاموال العامة بعيدة عن المشهد ، فلم تتوصل لمعلومة واحدة طوال هذه السنوات رغم ان المتهم اكبر تعاملاته كانت في دائرة ضيقة بمحافظة قنا ، ولم يسقط الا بعدما احتشد مودعوه امام النيابة ومجمع التحرير للبلاغ ضده لتنطلق الاجهزة الامنية لضبطه بعدما نجح في جمع مئات الملايين من ضحاياه الذين كان من بينهم رجال امن رغم علمهم اكثر من غيرهم ان هذا النشاط مخالف للقانون ، وهي القضية التي تشابهت مع اخري كان بطلها هاني لطفي عواد صاحب شركة ستار كابيتال، والذي جمع 400 مليون دولار للمضاربة في البورصات العالمية نظير ارباح وهمية قبل ان يهرب الي الخارج، ويتم ضبط والده واثنين من شركائه، وهو ايضا كان يمارس نشاطه منذ سنوات قبل ان تفضحه بلاغات العملاء. ولعل ظاهرة توظيف الاموال تحتاج الي حلول غير تقليدية لمواجهتها مثل رعاية الدولة مشروعات تستثمر مدخرات شعبها فيها، وكذلك تعديلات علي النظام المصرفي للدولة، والنظر الي تخفيض البنوك لاسعار الفائدة ، ولكن لابد ايضا ان يشمل التعديل الجهود الامنية الموجهة للقضاء علي هذه الظاهرة ، فهل يجدي معها انتظار رجال الشرطة بلاغات الضحايا ؟ ام سيستمر المصريون يهربون من فتات البنوك الي انياب المستريحين؟ وصف اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الاسبق عودة ظاهرة توظيف الاموال بالصفعة للنظام المصرفي من جهة وللامن من جهة اخري، فكلاهما يحمل مسئولية كبيرة لعودة مثل هذه العمليات لالتهام مدخرات المواطنين ، ورفض نور الدين وصف المودعين بالطمع الكامل، ولكنهم فقدوا الثقة فيما تقدمه البنوك من شروط، فاصبحت فوائدها بالنسبة لهم بمثابة الضحك علي الذقون، ولا يخفي ان هناك نماذج في المجتمع لا تفقه في مسائل التجارة وادارة اعمال خاصة بهم فلا يوجد امامهم الا البنوك، ولكن مع نظامها العقيم وفوائدها القليلة تبدأ هذه النماذج في الانصراف عنها، واللهث خلف احلام الثراء السريع، وماتقدمه شركات توظيف الاموال من فوائد تصل لنسبة 100% سنويا . اما من جهة الامن بفروعه مثل الامن العام والبحث الجنائي و مباحث الاموال العامة فهي الاخري تلقت صفعة من خلال شركات توظيف الاموال فما ظهر خلال شهر واحد كان بمثابة الطامة الكبري ، فكيف لاجهزة الامن، وما تمتلكه من قدرة علي جمع المعلومات ان يقوم اشخاص بجمع مئات الملايين من المواطنين دون ان تتوافر معلومات لدي هذه الاجهزة تكون كفيلة بإسقاط محترفي توظيف الاموال والحد من جرائمهم قبل استفحالها. واشار اللواء نور الدين إلي ان اعتماد الشرطة علي البلاغات بمفردها من قبل المواطنين ليس بالامر الكافي، فرغم اهمية البلاغ الا انه في قضايا توظيف الاموال لا بد من اتباع اسلوب التحريات، وجمع المعلومات، ورصد النشاطات غير المشروعة لجمع الاموال من المواطنين، وتوظيفها للتعامل السريع معها لمنع هذه الجرائم المتكررة بنفس الاسلوب والطريقة منذ عشرات السنين . والشئ الأكثر غرابة من ارتكاب الجريمة هو العقوبة التى وضعها المشرع والتى لاتتناسب من حجم الجرم الذى يرتكبه من يستولى على أموال الشعب حيث أن المادة (1) من القانون رقم 146 لسنة 1988 في شأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها قد حظرت في فقرتها الأولي علي غير الشركات المقيدة في السجل المعد لذلك بهيئة سوق المال أن تتلقي أموالاً من الجمهور بأي عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمي لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحاً أو مستتراً ، ثم نصت المادة 21 من هذا القانون في فقرتها الأولي علي أنه " كل من تلقي أموالاً علي خلاف أحكام هذا القانون ، أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها ، يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد علي مثلي ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها ، ويحكم علي الجاني برد الأموال المستحقة إلي أصحابها.