ازدادت أعداد الطلاب الليبيين الدارسين فى الجامعات المصرية بشكل ملحوظ منذ أن توترت الأوضاع الأمنية بها، حتى أنشأوا لأنفسهم اتحادا يجمعهم تحت مسمى «اتحاد الطلاب الليبيين»، ورغم وجودهم بمصر لفترات طويلة، فإنهم لا ينقطعون أبدا عن متابعة أخبار بلدهم، ليس فقط بسبب العشق الفطرى الذى يضعه «الله» فى قلب البشر تجاه أوطانهم، بل لأن الكثير منهم ما زال أهله يعيشون فى قلب مناطق الصراع، فالطلاب ليسوا جميعهم جاءوا لاجئين مع أسرهم إلى مصر، فهناك عدد لا بأس به أوفدته الحكومة الليبية فى بعثة دراسية مدفوعة التكاليف. وبما أن الشباب هم الرئة التى يتنفس من خلالها أى مجتمع، والوقود الذى يقوم عليه أى تغيير فقد حملت السطور المقبلة قراءة للمشهد الليبى وما آلت إليه الأوضاع هناك بعيون هؤلاء الطلاب.
• أثلجت الصدور البداية مع «حسين الشارف» رئيس اتحاد الطلاب الليبيين فى مصر، والأكاديمى والسياسى الليبى البارز، الذى يقسم الطلبة الليبيين إلى نوعين، هما الموفدون للدراسة على حساب المجتمع والدولة الليبية، وعددهم حوالى 2100 طالب، أما النوع الآخر فهم من يدرسون على نفقتهم الخاصة وعددهم يصعب حصره، ورغم زيادة عدد الطلاب، واختلاف توجهاتهم فإنه لاحظ وقوفهم جميعا على قلب رجل واحد مع الضربات المصرية على معاقل داعش، التى يأتى وجودها فى الأساس كأحد تداعيات وجود جماعة «الإخوان المسلمين» فى مصر، والجماعة الليبية المقاتلة فى ليبيا، بتمويل قطرى وتركى يصل إليهم عن طريق السودان، برعاية رسمية أمريكية، وذلك لأنهم يريدون انتشار الفوضى فى شمال أفريقيا لتصبح الملاذ الآمن للإرهاب، ورغم أن تلك الفوضى تحدث داخل حدود ليبيا، فإن المستهدف من هذه العمليات الإرهابية هو الأمن القومى المصرى، أما عن رد فعل الشارع الليبى على ما تقوم به مصر من ضرب لمعاقل الإرهابيين فى ليبيا فيقول إنها قد أثلجت صدور الليبيين، خاصة أنها أصابت أهدافها بدقة، ومن المؤكد أن تلك الضربات الدقيقة هى ترجمة لعمل المخابرات المصرية على أرض ليبيا، حتى المنازل التى ضربت فى المناطق الآهله بالسكان تتبع الإرهابيين والدواعش، حيث عثر على أسطح منازلهم على أسلحة ثقيلة مضادة للطائرات، ومن المؤكد أن ما تقوم به نسور الجو المصرية بضرب معاقل الإرهاب فى سرت ومصراتة وطرابلس سيكون فى صالح عمليات الكرامة التى يقودها اللواء «خليفة حفتر» من أجل الحسم السريع، لأن الطائرات الموجودة لدى الجيش الليبى هى طائرات الميج القديمة التى لا تستطيع أن تصمد فى حربنا ضد الإرهاب، لذلك فالاعتماد سيكون على طيران مصر المتقدم لدك معاقل الإرهاب بشكل سريع. ويتمنى حسين ألا يحدث تدخل برى من قوات تابعة للأمم المتحدة لأن الجميع يتكالب للحصول على خيرات ليبيا، وإن كان لابد من التدخل البرى فنتمنى أن يكون على يد جيش عربى موحد مكون من مصر والسعودية والإمارات. • عقاب جماعى ومن جانبه يرى حسن بن عيسى الذى يعد رسالة دكتوراة فى التاريخ الإسلامى بجامعة القاهرة أن الوضع فى ليبيا أصبح مأساويا، خاصة بعد حدوث تلك الجريمة النكراء التى هى أبعد ما تكون عن الإنسانية، مستبعدا أن يكون أحد من المنفذين ليبى الجنسية، لأن الليبيين على اختلاف توجهاتهم لا يستطيعون إنكار فضل المصريين عليهم حيث يقول، منذ سنوات دراستى الأولى وأنا أتلقى تعليمى على يد معلمين مصريين، فقد كانت ليبيا قطعة من مصر، وكان جيراننا المصريون يعيشون معنا سنوات طويلة حتى نصبح عشرة، ولدينا مقولة مشهورة فى ليبيا بأن المنطقة الشرقية «أخوالهم مصريين»، نظرا لعلاقات النسب الممتدة بين الشعبين، فمصر فى نظر أى ليبى هى الأم التى يحتمى بها وقت الشدائد، ورغم ذلك فقد حزنت عندما وجدت الطيران المصرى يطير فى سماء ليبيا، وتمنيت لو تأنت الحكومة المصرية قبل الإقبال على تلك الخطوة، لأنى أشعر من خلالها بعقاب جماعى سيواجهه الليبيون فى الأيام القادمة، فما حدث من قبل داعش للعمال المصريين لم يكن يرضى الليبيين، لأنه سبق أن قامت داعش بمثله تجاه الضباط والمدنيين هناك، ومن المؤكد أن الرد لن يصيب معسكرات داعش وحدها، وسيصل لمدنيين لا ناقة لهم ولا جمل. وعن الرد المثالى من وجهة نظره يقول: دعم الجيش الليبى لوجستيا وعسكريا ليقوم بتلك المهمة كان سيحقق الغرض دون أن تصبح مصر طرفا مباشرا فى الصراع، فالجيش المصرى آخر خطوط الدفاع المتبقية للعرب. • وقوف مع الشرعية صعوبات كبيرة واجهتنى فى رصد آراء الطلاب الليبيين فيما شهدته أرضهم مؤخراً من ذبح واحد وعشرين مصرياً بسكين الخسة، والرد المصرى بضربات جوية حاسمة، وقد تجلت الصعوبة مع الطلاب الوافدين من غرب ليبيا تحديدا، حيث يتفاقم الصراع، وتسيطر الميليشيات على مفاصل الدولة هناك، ومن السهولة أن تفتك تلك الجماعات بذويهم إذا ما جاءت الآراء مخالفة للهوى، هذا ما وضحه «إبراهيم» الطالب بكلية التجارة جامعة بورسعيد، حيث يقول: مشكلة أغلبية الطلبة الليبيين فى مصر أنهم يخشون الظهور الإعلامى خصوصا من يعيش أقاربهم فى المنطقة ما بين سرت وحتى حدود تونس، لذلك أنا موافق جدا على الضربات الجوية المصرية لمعاقل الإرهابيين فى ليبيا، لأن أى خطر يهدد ليبيا هو بالأساس يهدد الأمة كلها، وليبيا الآن لا يوجد بها سوى نواة جيش لا يستطيع مواجهة تلك الجماعات بمفرده، لذلك أنا أطالب السلطات المصرية بأن تكثف من تلك الضربات، لأنها تعنى بالنسبة لنا وقوفا مع الجيش والسلطة الشرعية التى انتخبها الشعب الليبى ويريدها أن تمثله، فنحن لدينا يقين بأن القضاء على داعش فى ليبيا لن يكون إلا على يد المصريين، وياحبذا لو قامت الجزائر بعمل ذات الموقف المصرى فى المنطقة الغربية، التى تقع على حدودها، وعن رأيه فيما يشاع حول استهداف الطيران المصرى لمدنيين يقول: طالعت الصور التى بثتها بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى، وتحدثت هاتفيا مع أصدقاء بمنطقة درنة التى تم قصفها، وقد أكدوا لى أن المنزل الوحيد الذى يسكنه مدنيون وتم ضربه تابع لأحد أعضاء الجماعات الإسلامية والذى كان يخزن أسلحة فوق منزله، أما عن الوضع فى طرابلس حيث يعيش أهله فيقول: «الدواعش موجودون داخل طرابلس حتى لو لم يقوموا بعمليات صريحة تدل على وجودهم»، ومع الأسف يوجد فى ليبيا حتى الآن من يعتقد أن داعش هى اختراع إعلامى صرف لا وجود له على أرض الواقع، ولكننى أتوقع بعد بث الفيديو البشع لقتل المصريين هناك أن يفيق الجميع ويدرك خطورة الموقف. • أكثر إرهاباً وعلى العكس، يرى «أنور المبروك» الذى يعد لرسالة الدكتوراة فى الهندسة المعمارية بجامعة بنها أن الصراع على السلطة بين الأطراف المتناحرة فى ليبيا هو ما سمح لداعش بأن تقوى ويشتد عودها خصوصا أن الجيش الليبى قد كثف جهده لفترة فى محاربة فجر ليبيا والشروق وغيرهما بحجة أنها ميليشيات إرهابية، وفى المقابل ترك الحبل على الغارب للدواعش الذين هم أكثر إرهابا وتطرفا!! أنور الذى يتلقى تهديدات عبر هاتفه وحسابه الشخصى على الفيس بوك حتى يكف عن انتقاد الأوضاع فى ليبيا لا يملك سوى أن يتحسر على أيام خلت كانت حرية الرأى مكفولة فيها - جزئيا - للجميع، حيث يقول: من سرت حتى رأس جدير لا يستطيع كائن من كان أن يعترض على ما تقوم به الميليشيات هناك، أو يخرج فى مظاهرة، أو حتى يعلق لافتة، فللأسف يبدو أن ماضينا أفضل من مستقبلنا. •