قد يختفون قليلا.. ويزحف الضوء المراوغ بعيدا عن تلك الوجوه المسكونة بالعشق، وقد تهاجر عصافير الأحلام فى زحمة الدنيا لبعض الوقت.. لكنهم يظلون طوال الوقت.. حالة فنية مدهشة لا تغادر الذاكرة.. ونقطة ضوء فى عتمة الليالى الفارغة.. يظلون دائما.. صاحب حالة فنية خاصة جداً، يقول عن نفسه :«أنا لا أعتبر نفسى ممثلا كبيرا»، ورغم ذلك يضيف قائلا: «لكنى راض عما قدمته من أعمال فنية سواء قلت أو صغرت» إنه الفنان الذى أثنى على وصفى له بالحالم، واستقبلنى بنفسه فى منزله الراقى والهادئ كطباعه، مبتسما ومرحبا بى كضيف عزيز جاء زائرا له ولزوجته الجميلة، فدخلت وأنا أشعر بالهدوء والسكينة، وأرى البساطة والذوق فى كل ما تقع عليه عينى، مما جعلنى أشعر كأنى فى حضرة قديس من عالم آخر، له فلسفته الخاصة وطموحه وأحلامه وعزة نفسه التى منعته يوما أن يسأل أحدا دورا. حوار خارج دائرة الزمن الحديث إلى زمن الفن الأكثر من جميل، مع الفنان رشوان توفيق • أنا الحالم الشرير منزل يحتويك.. كان هذا هو شعورى الأول عندما دخلت إلى منزل الفنان رشوان توفيق، بعض الجوائز يشغل حيزا من غرفة الاستقبال مرصوصة على أحد الأرفف المعلقة إلى جانب صورة زفافه وكأنه دولاب خاص للذكريات، والجزء الباقى من الجوائز كانت فى أماكنها محفوظة فى الدولايب كما أوضح لى الفنان رشوان توفيق ثم علق متذكرا: أكون سعيدا جدا بأى تكريم، كذلك حب وتقدير الناس واعتبره فضلا ونعمة من الله. أكملت حديثى قائلة: أراك شخصية محترمة - قديرة - حالمة فيرد ضاحكا: لقد أجدتِ فى وصف شخصيتى، وقد كافحت كفاحا مريرا على مدى حياتى الفنية، ومع أننى شخصية رومانسية جداً، إلا أننى وقت الجد أكون فى منتهى العملية والجدية، لأن لكل شخص أحلامه التى يسعى لتحقيقها وهذه كانت الشخصية الحالمة لدى، فكنت وأنا صغير، وتحديدا فى المرحلة الثانوية كثير الأحلام والآمال، وأهوى قراءة الروايات مثل روايات يوسف السباعى وغيره من الروائيين الكبار، وأتخيل الشخصيات وأوزع أدوار الممثلين واكتشفت نفسى كمجنون تمثيل. • هل هناك أحلام فشلت فى تحقيقها؟ - ليست هناك أحلام كاملة، فكنت أعتقد أنه يكفى أن تكون ممثلا جيدا، ولكن اكتشفت أنه لم يكن كافيا لأنه من الممكن «مثل حالتى» شخصية انطوائية، وغير اجتماعى بشكل كبير فى مجال لا يتناسب معه هذه الصفات. فلم يكن يناسب الفن أن تفكر فى شيء آخر سواء بيتك أو أبنائك، أو حتى أن تنتهى من التصوير، ثم تعود إلى بيتك وهذا السيناريو الذى حدث معى، حيث اعتبرت بيتى وأبنائى أهم من أى شيء كذلك أحاول أن أكون عبدا صالحا، وما دون ذلك أحاول أن أتقنه وأهتم به، لذلك فالوصول إلى النجاح الكامل فى حاجة إلى جهد وتفرغ أكبر وهو ما كان من الصعب تحقيقه. • خيول انطلقنا فى سباق الفن هكذا بدأ اتجاهى نحو الفن وأنا طفل صغير فى الصف الرابع الابتدائى، وكان مدرس فرقة التمثيل فى المدرسة اختارنى - رغم عدم اشتراكى بفرقة التمثيل فى المدرسة - فى دور سيدنا عمر بن الخطاب وهو يتعسس على الرعية، وكان هذا أول دور أمثله فى حياتى، وكنت عندما يدق جرس المدرسة لا أدخل إلى الفصل، إنما أذهب إلى السينما لحفلة 10، وكاد أن يضيع مستقبلى بهوسى بالتمثيل حتى علمت أخيرًا أنى أستطيع دخول المعهد العالى لفنون التمثيل بالثانوية العامة، فبدأت لهذا الهدف أذاكر فى الثقافة «ثانية ثانوى»، ونجحت من أول دور وسط ذهول الجميع لأنى لم أكن أذاكر من قبل ثم تقدمت للمعهد العالى للفنون المسرحية كما التحقت بكلية الحقوق فى نفس الوقت، ولكن الحقوق لا تحب شريكا وهو ما وجدته بالفعل هناك من فايدة كامل التى ظلت بها لعشر سنوات، وغيرها من الفنانين والمغنين الذين ظلوا بالجامعة لسنوات لانشغالهم بالفن، وكان خريجو المعهد العالى للفنون المسرحية بيشتغلوا بالشهادة المتوسطة، لذلك كان فضل الله علينا أنه بمجرد تخرجى كان التليفزيون قد فتح أبوابه. فبدأت رحلتى الفنية، ولم أكمل دراستى بالحقوق، لأن مواعيد المحاضرات كانت تتعارض مع مواعيد المعهد، فكنت اختار بالطبع الذهاب إلى المعهد رغم أنه لم يكن له مستقبل بعد. وعملت أنا و15 من خريجى المعهد كمساعدى مخرجين، وكان ممنوعا علينا التمثيل، لذلك فكرت أنا وأحمد توفيق وعزت العلايلى فى عمل فرقة داخل التليفزيون، ونعمل مسرحية ونمثلها وتعرض على شاشة التليفزيون دون انتظار أى عائد مادى. واجتمعنا وكتبنا مذكرة إلى وزير الإعلام الدكتور حاتم الذى اعتبره فاتحة خير على مصر، حيث أعجبته الفكرة وتطورت إلى عمل مسرح التليفزيون، وبدأت الاختبارات للمتقدمين وعملنا ثلاث فرق، وكل فرقة بها 15 ممثلا وكان كل ممثل فى نشاطه واستعداده كالخيل فى انتظار صافرة انطلاق السباق، وأذكر منهم يوسف شعبان وعزت العلايلى وحمدى أحمد وصلاح قابيل وحسن مصطفى وفؤاد أحمد، وكان والدى رحمه الله يحب الفن والفنانين، لدرجة أن أحد الأشخاص قال له: «إحنا افتكرناك ضمن فرقة الكسار» من كثرة معايشته الفنانين. • كنت مجهولا أمام زيزى البدراوى شخصيات كثيرة فى حياة رشوان توفيق، حيث عاصر مختلف العصور الفنية فيحلل هذا المشوار قائلا: كل الشخصيات التى مثلت معها جديرة بالاحترام مثل سعاد حسنى «الطيبة» ونادية لطفى الجميلة خلقا وتمثيلا»، نيللى مثلت أمامى وهى صغيرة، كذلك أعتز كثيرا بتمثيلى أمام الفنانة زيزى البدراوى ولها دور فى مشوارى الفنى وأول مسلسل كان أمامها وجاء عن طريق الصدفة وكنت وقتها مساعد مخرج، وكان هناك خبير أمريكى يقوم بتدريبنا، وقد قام بعمل مسلسل من النجوم فى التليفزيون، وهذه كانت أول مرة يدخل نجوم التليفزيون فاختار زيزى البدراوى وأحمد رمزى ومحمود المليجى وصلاح نظمى وزوزو ماضى. • أصعب أدوارى وأنا سكران كان من أصعب أدوارى فى فيلم جريمة فى الحى الهادى، وأخدت جائزة عن دورى فى هذا الفيلم الذى قال لى الأستاذ محمد توفيق عنه كان يجب أن تأخذ الجائزة الأولى، كذلك أحب دورى فى فيلم الأنثى والذئاب بطولة عادل أدهم وميرفت أمين ونور الشريف وكان دورى صعبا، وهو طبيب يسيطر عليه رئيس العصابة عادل أدهم، ويأمره لإجهاض الفتيات وتم سحب رخصته كطبيب، وتحول للعمل فى شقة دعارة وإعطاء حقن مورفين للمدمنين فى الوقت الذى يتذكر فيه مستقبله قبل هذا الانهيار والانحراف، وكان هناك مشهد صعب وأنا أريد أن أنسى الماضى فأمثل دور السكير ووقتها جلس الأستاذ نيازى مصطفى قائلا: «تعالوا اتفرجوا على رشوان توفيق وهو عامل سكران». وفى إحدى المرات قال لى عادل أدهم «على فكرة أنت بطل الفيلم»، فتعجبت لهذا الكلام لأن هناك أبطالا مثله ونور الشريف فقال لى إن دورى هو أصعب دور بالفيلم. فى المسرح مع تمثيلى دور حاكم جان دارك وكان شخصية متغطرسة، على عكس شخصيتى المتواضعة، وكان للدور مقدمة موسيقية فكنت أقف على المسرح مستعدا، ولكن بشخصيتى الطيبة المتواضعة وما إن تبدأ الموسيقى الخاصة بالمشهد واستقبال الحاكم حتى وجدت نفسى أقف بشيء من العنجهية، وكأن الشخصية تتلبسنى فى هذه اللحظة. • أين قلبى؟! أما عن تلبسى بإحدى الشخصيات، فكان من الطبيعى أن يحدث حيث إننى أحببت مهنة الممثل بشكل جنونى وأغلب الأدوار التى قمت بها يكون فيها مشهد لا ينسى، وعندما أقوم بدور يعجبنى أشعر بمتعة غير عادية، كما فى دورى فى «الليل وآخره»، الذى اعتبره الأقرب إلى قلبى أما عن الدور الذى جسد شخصيتى وأستطيع أن أرى فيه رشوان توفيق فكان فى دورى فى مسلسل «أين قلبى». • منفعش واعظ دينى يحدثنى بين الحين والآخر عن الرضا والقناعة والخير، واتقاء الله، فدفعنى هذا إلى سؤاله لماذا كانت بوصلته نحو الفن ولم تكن كداعية دينى؟ فيرد ضاحكا «ليس لدى موهبة إعطاء درس دينى ولكنى أحب أن أتكلم بتلقائية، أما عن ما يجمع بين تدينى والفن فليس هناك ما يناقض بينهما، وكما قال الإمام الشعراوى أن كل شيء خلقه الله فيه الخير والشر، فالسكين تستطيع أن تستفيد بها وتستطيع أن تقتل بها، فكذلك الفن ممكن يكون رسالة حقيقية راقية وقد يكون فسادا لا نهاية له. • دعوة أمى لم أكن دائم الصلاة وأنا شاب رغم أن أمى كانت من النساء الصالحات، ودائمة الدعاء لى، أنى أتزوج بامرأة تشبهنى، وبالفعل كانت دعوة أمى هى ما رزقنى بها الله فى زوجتى وتزوجت وأنا طالب فى الجامعة، ولم أعرف حتى الآن كيف وافقوا على زواجى لابنتهم وهم أسرة عريقة، وأنا كنت لاأزال طالبا بالجامعة.•