تسبب التعدى على الأراضى الزراعية، فى زيادة حصة الاستيراد الغذائى من الخارج، فأصبحنا نستورد 60٪ من احتياجاتنا الغذائية، بتكلفة تتجاوز 7 مليارات دولار سنويا، فى ظل زيادة سكانية سريعة، ما يعنى زيادة الفجوة الغذائية، وتؤدى هذه التعديات إلى خسائر تبلغ نحو 20 مليار جنيه سنويا .. الأمر الذى يؤكد أنها قضية «أمن قومى». وأكد الخبراء أن استمرار الظاهرة يعنى اختفاء الرقعة الزراعية بالكامل خلال أربعين عاما، وأنها تؤدى إلى زيادة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على أراضى الدلتا، ويرفع من معدلات التصحر فى هذه المناطق.. وأن السبب هو إهمال الدولة المتعمد للفلاح وتهميشه وتركه فريسة للفقر واستغلال التجار، وعدم توفير مساكن بديلة متكاملة الخدمات لأبناء الريف بالظهير الصحراوى، ما يعنى أن تغليظ العقوبة عليهم، مع عدم وجود بديل يعد ظلما شديدا.
وبذلك تبرز أهمية العمل على تضافر الجهود بجميع الوزارات والهيئات للقضاء على هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية على الاقتصاد القومى.
فقد كشف تقرير الإدارة المركزية لحماية الأراضى بوزارة الزراعة، عن ارتفاع عدد حالات التعدى لمليون و117 ألف حالة، على مساحة 48 ألفا و225 فدانا من الأراضى الخصبة منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى الآن، وأن عدد المنازل والمنشآت التى أقيمت على المخالفات تجاوزت مليونا و400 ألف حالة. وأن مصر تفقد أكثر من 23 فدانا يوميا.
وأوضح التقرير، أنه تمت إزالة 125 ألف حالة، بلغت 7 آلاف و340 فدانا فقط. وأن هناك مخالفات صارخة ممثلة فى إقامة أبراج سكنية ضخمة مخالفة على الأراضى الخصبة، وصل عدد ما تم حصره فى محافظاتالقاهرة الكبرى إلى 2000 برج منها 200 على النيل بالقليوبية. فى البداية يقول الحاج على السيد: لم أجد سبيلا لزواج أبنائى إلا ببناء منزل على أرضى وزوجت اثنين منهم فى يوم واحد، وبعدها تم تحرير محضر ضدى وأخذت غرامة، ثم قمت بإيصال كل المرافق من مياه وكهرباء .. فما لا يفعل بالقانون يتم بغير القانون. ويضيف الحاج سعيد إبراهيم: بنيت مزرعة دواجن على فدان لأضمن لأبنائى حياة كريمة، بعدما أصبحت الزراعة بالخسارة.. وهناك من قام بالبناء على أرضه لتحويلها إلى مبانٍ وباع القيراط بمئات الآلاف من الجنيهات لو فضل طول عمره يفلح فيها مش هيجيله المبالغ دى.. وقد قام المسئولون الكبار ببيع الأراضى وأصبحوا يمتلكون المليارات ولا أحد يحاسبهم ونحن من لا نجد قوت يومنا يصدرون ضدنا القوانين ويحرمون علينا ما يفعلونه هم.
المحامى أحمد صالح قال: مسئول حماية الأراضى يحرر محضر تعدى ويتم استخراج قرار إزالة ثم عمل محضر آخر بعدم تنفيذ قرار الإزالة ثم يأخذ المحضر مجراه القضائى.. ومسألة البراءة أو الغرامة شبه أكيدة بسبب الثغرات الكثيرة فى المحاضر المحولة إلى المحكمة، ويستغل المعتدون ظروف البلد السياسية فى فرض الأمر الواقع وسرعة إتمام عملية البناء.
وقد أكدت دار الإفتاء المصرية أن التعدى على الأراضى الزراعية لا يجوز شرعًا؛ لأن ذلك يؤدى إلى ضرر عظيم، قد يهلك به الإنسان والحيوان.
وأوضحت الفتوى، أن هذا التعدى هو عكس مراد الشرع الذى حث على الزرع والغرس، وأن هذا الأمر يؤدى إلى ضرر عام بالمجتمع فهو حرام، ولو تضرر صاحب الأرض من عدم البناء وجب عليه أن يتحمل الضرر الأصغر مقابل دفع الضرر الأكبر.
وأضافت الفتوى أن للحاكم تقييد المباح للضرورة العامة، فإذا منع ولى الأمر البناء على الأراضى الزراعية فله ذلك، لما جاء فى الحديث أن الصحابة الكرام قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: «يَا رَسُولَ اللهِ نَهَيْتَ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِى دَفَّتْ عَلَيْكُمْ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا».. فإذا منع ولى الأمر مثل هذا كان هناك معنى زائد فى المنع؛ إذ ولى الأمر منوط به أن يتصرف بما فيه مصلحة الرعية.
وقال اللواء مصطفى هدهود، محافظ البحيرة: رغم أن محافظة البحيرة تسهم بنحو 60 ٪ من إنتاج الخضر والفاكهة على مستوى الجمهورية، إلا أنها أصبحت تحتل نصيب الأسد فى حالات التعدى، بنحو 125 ألف حالة، على مساحة 4 آلاف و745 فدانا، تمت إزالة 8 آلاف حالة على مساحة 506 أفدنة. مشيرًا إلى استمرار حملات الإزالة الموسعة من قبل الأجهزة المعنية بالمدن والمراكز، وقد تم تشكيل لجان متفرغة فى كل مركز تضم نائب رئيس الوحدة المحلية وأعضاء من الشرطة والزراعة والرى والجهات المعنية لإزالة أى تعديات ئمن المهد.
وأكد المحافظ، أن البراءات المزعومة كانت قبل ذلك نتيجة خطأ فى تاريخ أو ما شابه لكن لابد من إزالة كل التعديات ولا تصالح فيها، وهذه البراءات تكون فى تبوير أرض زراعية أو استئناف أعمال لكن بعدها يكون لكل دور قرار مخالفة وقرار إزالة، وآجلا أو عاجلا لابد من التنفيذ، ومن المؤكد سيتم تغليظ العقوبة فى المستقبل القريب.
وقال الدكتور سعيد سليمان الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق: الظاهرة ترجع إلى غياب الرقابة والمتابعة، والتجاهل.. ولأن حملات الإزالة التى تقودها وزارة الزراعة حبر على ورق، ولكسب الشو الإعلامى، فكل ما يتم هو إزالة سور، دون المساس بالمبنى الرئيسى. وفى كل الأحوال من الصعب أن تعود الأرض للزراعة مرة أخرى.
مؤكدا أنه لابد من تغيير السياسات «الغبية» فى الوزارة. فهى لم تنتهج سياسات قادرة على حماية الفلاح ورفع الظلم عنه، فتركت القطاع الخاص يتحكم فى مدخلات الإنتاج والتقاوى، مما أدى لارتفاع أسعارها عدة أضعاف وتردى إنتاجية المحاصيل، فإنتاج العدس والفول أقل من طن للفدان، فى حين يصل فى الدول المجاورة إلى 2.5 طن، لذلك أصبحنا نستورد نحو 90٪ و70٪ على التوالى من احتياجاتنا، مع تركه فريسة للتجار، يحصلون على المحاصيل بأسعار زهيدة ويبيعونها بأسعار فلكية.
كذلك يحصل بنك التنمية الزراعية على قروض دولية بفائدة أقل من 1٪ ويعطيها له بأكثر من 15٪- فيبيع أرضه لسداد الديون والفوائد.. وفى الوقت الذى تركت الدولة فيه الأغنياء يحصلون على الأراضى الصحراوية بسعر 200 جنيه للفدان، ويحولونها إلى منتجعات سكنية دون أن تزال أو حتى يدفع أصحابها غرامات، وكذلك المخالفين ببناء عدد ضخم من الفيلات على الأراضى الخصبة فى القرى والمراكز، دون إزالتها، بلا مبررات مشروعة أو قانونية.. نجدها تلاحق صغار الفلاحين قضائيا وتهددهم بالسجن 15 عاما وغرامة نصف مليون جنيه، لبناء أى منهم نصف قيراط لتوفير سكن لأسرته، كما أن 70٪ من الأراضى لصغار المزارعين الذين تقل حيازتهم عن فدان وبالتالى لا تكفى أو تلبى احتياجات أسرة، فيقوم بتبويرها بتشجيع من السماسرة ثم بيعها للتجار لتحويلها إلى مبان.
أضاف سليمان أن الزراعة مهملة منذ سنوات طويلة رغم أنها تمثل 25 إلى 30 ٪ من الاقتصاد المصرى وصادراتها تتعدى 20 مليار جنيه، موضحا أن منطقة توشكى والسد العالى من أهم المناطق الزراعية ولو اهتمت بها الحكومة ستحتكر مصر أسواق التصدير فى العالم، مشيرا إلى أن الإنتاج الزراعى انخفض لأكثر من النصف وتراجعت الاستثمارات الزراعية بشكل كبير لعدم حسم الدولة فى القرارات الخاصة بملكية الأراضى والتعديات عليها، حتى إن كل ساعة تفقد مصر ثلاثة أفدنة وفقا لتقرير صادر عن وزارة الزراعة وهذا يعنى أننا نفقد 30 ألف فدان فى السنة، من 5,8 مليون فدان بما يمثل حوالى 3.5 ٪ من إجمالى مساحة مصر، التى منها 6.2 مليون فدان أراضى قديمة و2.3مليون فدان أراضى جديدة وكلها لا تكفى احتياجاتنا الغذائية. رغم وجود مساحات شاسعة فى الساحل الشمالى والغربى فى سيناء وشمال الدلتا والظهير الصحراوى بالمحافظات، بخلاف حوالى 3.1مليون فدان متوفر لها مياه من الآبار والصرف الزراعى بحوالى 12 مليار متر مكعب تفقد فى البحر نتيجة لقصور الإدارة الحقلية للمياه فى الزراعة.
مؤكدا ضرورة استصلاح واستزراع تلك الأراضى وغيرها، وتمليك الأرض المستصلحة لمن قام بذلك بالمجان، فالأرض لمن أحياها، فنحن نحتاج إضافة 70 ألف فدان سنويا لمواجهة معدل الاستهلاك الذى يصل إلى 180 كيلو قمح للفرد فقط وهذا ينطبق على محاصيل زراعية أخرى تعانى فجوة غذائية.
كذلك إعادة الزراعة مهنة مربحة، بتوفير تقاوى ذات إنتاجية عالية ومبيدات جيدة وأسمدة، بأسعار عادلة، واستخدام تقنية النانو تكنولوجى، ووجود إرشاد زراعى وتسويق إنتاجية بعائد مجز، وحل مشكلة ملكية الأراضى، ورفع ميزانية وزارة الزراعة. والاهتمام بالريف والحد من الفقر لأن 57٪ من فقراء مصر فى الأرياف بنسبة تصل إلى 78٪ طبقا لتقديرات البنك الدولى، فى حين أن نسبة الفقر فى المدن والعشوائيات 44٪.
وقال اللواء أحمد فيصل سكرتير عام محافظة الشرقية السابق: من أسباب هذه الظاهرة، انتشار لوبى إنشاءات قاعات الأفراح ومحطات البنزين والمولات التجارية على الطرق الزراعية وذلك بمساعدة موظفى الإسكان الفاسدين، وكذلك عدم فعالية العقوبات المفروضة على المخالفين والتى تنص على فرض غرامة لاتقل عن 005 جنيه للمخالف ولا تزيد على ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه عند تبوير الأرض وفى حالة البناء المخالف دون ترخيص فعقوبته الحبس والغرامة التى لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه. مشيرا إلى أن الحد من هذه الظاهرة ببعض الإجراءات منها:-
1- تحديد «كردونات» القرى والمدن والتوسع العمرانى بإنشاء قرى ومدن جديدة متكاملة الخدمات وتيسير إجراءات تخصيص الأراضى فى المناطق الصحراوية لإقامة مساكن مجاورة لمناطق الاستصلاح الجديدة، وتقدير مساحات للبناء فى كل عام، لاستيعاب الزيادة السكانية.
2- تطهير المجالس المحلية والتنسيق بين الجهات المعنية لمواجهة التعديات من المنبع وإنشاء شرطة متخصصة لإزالتها.
3- إجراء تعديلات على اللائحة التنفيذية لقانون البناء الموحد للسماح بزيادة الارتفاعات فى البناء فى القرى رأسيا.