تهل علينا نسمات الربيع بكل ما فيها من عذوبة وألوان براقة مع رقة الطيور والعصافير بغنائها وصوتها المبهج وتفتح الشجر والزهور وإشراقة الكائنات الأليفة.. حالة شعورية استطاعت أن تجسد موسيقياً من خلال بعض المؤلفات الموسيقية العالمية عبر العصور المختلفة فنجد المؤلف الموسيقى الإيطالى أنطونيو فيفالدى كواحد من أهم مؤلفى عصر الباروك كتب كونشيرتات للفيولينة والأوركسترا تتناول الفصول الأربعة، وبدأها بكونشيرتو الربيع فى سلم مى الكبير والذى يتكون من ثلاث حركات سريع، بطىء ثم يختتم برقصة الحقول.. تتميز ألحان الكونشيرتو بجمالها وبساطتها وقدرتها فى التعبير ووصف هذه الأحاسيس وكيف تغور فى النفس البشرية عن طريق إيقاعاتها المنسابة الراقصة التى تعمل على تأرجح الجسد وتمايله مع الألحان صعوداً وهبوطاً للحد الذى يجعل هذه الكونشيرتات تقترب مع كل من يحاول التواصل مع الموسيقى الكلاسيكية لما تتسم به من خفة ورشاقة وبساطة، لذا نال هذا العمل شهرة موسيقية كبيرة فى جميع الأوساط بل ويعتبر من أكثر مؤلفات فيفالدى ذيوعاً وانتشاراً.
ويعتبر لودفيج فان بيتهوفن همزة الوصل بين اثنين من أهم العصور الموسيقية وهما الكلاسيكية والرومانتيكية ومن خلال صوناتا الربيع للفيولينة والبيانو رقم 5 مصنف 24 فى سلم فا الكبير والتى كتبها عام 1801 تحرر من قواعد الكلاسيكية وبزغ نجم الرومانتيكية عبر الحركات الأربع للصوناتا. ثم انتقلنا للعصر الرومانتيكى ذاته والذى حوى عدة أعمال موسيقية تعبر عن جمال الربيع وروعته فمثلاً المؤلف النرويجى إدوارد جريج اهتم بالربيع وكتب مقطوعات للبيانو المنفرد أو للصوت الغنائى بمصاحبة البيانو منها الربيع وللربيع ووقت الربيع والربيع الأخير ،أيضاً المؤلف الروسى سيرجى رخمانينوف فأبدع عملاً سمى بمياه الربيع مصنف 14 رقم 11 للغناء والبيانو ويوحى البيانو بحالة تدفق المياه ببهجة وفرح موحية بالربيع وفيضاناته، والألحان منسابة فى حالة من الحب والتداخل بكثير من المشاعر والعواطف المعبرة عن السعادة ويشعر المستمع بالهدوء فى بعض الأجزاء قبل تفاعلها وكأنها الهدوء الذى يسبق العاصفة.
أيضاً فالس أصوات الربيع مصنف 410 للأوركسترا والسوبرانو الصولو والذى كتبه يوهان شتراوس الابن عام 2881 على نص ريتشارد جينيه، يتميز بدخول رائع فى سلم سى بيمول الكبير وبعد المقدمة يستدعى مباهج الربيع باستخدام آلة الفلوت برشاقتها وحيويتها بتقليد أصوات العصافير ومحاكاة لمشاهد الرعوية، ويليها إيحاء بالاستحمام فى فصل الربيع مع انتقال المقام إلى سلم فا الصغير ثم فواصل للخروج من الحالة المزاجية وتليها الألحان المرحة المبهجة فى سلم لا بيمول الكبير، واعتمد المؤلف على صوت السوبرانو ليحاكى أصوات الطيور والطبيعة من خلال الصوت البشرى مع التناوب فيما بين الغناء والآلات الموسيقية لتقليد تغريد الطيور. كذلك نجد سيمفونية الربيع للمؤلف الألمانى روبيرت شومان والتى كتبها عام 1840 مصنف 38 من أكثر أعماله حيوية واحتفالاً بالحياة ومباهجها.. أما العبقرى البولندى فريدريك شوبان فكتب أغنية الربيع فى سلم صول الصغير للغناء المنفرد والبيانو مصنف 74 رقم 2 كما كتب فالس الربيع الراقص للبيانو الصولو وفيها انعكاس للحالات الشعورية الحالمة والمتدفقة الباعثة على البهجة والتفاؤل فى فصل الربيع.
وحينما نتحدث عن الربيع فلا يمكن أن نغفل واحداً من أهم الأعمال الموسيقية على الإطلاق والذى كتبه المؤلف الروسى إيجور سترافنسكى فى القرن العشرين حيث يمثل ثورة هائلة على التقليدية المتبعة فى المرحلة الرومانتيكية بكل رومانسيتها وألحانها الحالمة، فظهرت الوحشية والتى تعتمد على التنافرات الغريبة والإيقاعات المتوترة والأصوات الطرقية العنيفة ووضع سترافنسكى بعض لمحات من الألحان الروسية الشعبية داخل هذا النسيج المتنافر، واعتمد على الهيتروفونية وهى مصاحبة اللحن بهارمونيات غير متوافقة وغير متزامنة.. ولذلك فإن طقوس الربيع هو الربيع فى ثوبه الجديد.