على صوت فيروز العذب وجدتها تكتب، داخل غرفة مكتبها منهمكة فى القراءة.. تصطف من حولها صورها مع ابنتها الوحيدة، لم يزدها الدهر إلا حكمة وأناقة. إنها نادية عابد الكاتبة الكبيرة التى عبرت عن مشاعر آلاف السيدات.. المرأة التى دخلت كل بيوت النساء وساعدتهن على مواجهة السلبية التى كن منغمسات فيها. إنها المرأة التى كتب بلسانها رجل، وظلت مختبئة بداخله لعقد طويل من الزمن.
حاورت المحاور الكبير مفيد فوزى والذى كشف لى الستار عن نادية عابد.. المرأة الجسور التى استطاعت هز عرش الرجال، ومواجهتهم، والتى ظلت مختبئة بداخل مفيد فوزى إلى أن باحت بالسر امرأة أخرى. شغف بداخلى دفعنى لمقابلة الكاتب الكبير الذى جسد مشاعر المرأة وعبر عنها بأدق التفاصيل، لأرى وأنا بنت العشرين كيف كانت المرأة منذ عقود، وهل اختلفت من جيل إلى جيل، أم المرأة هى المرأة فى مختلف العصور والأزمنة.
سألت المحاور مفيد فوزى: لماذا بالتحديد نادية عابد؟ وما السر فى اختيارك التحدث بلسان امرأة؟
- قصة نادية عابد تعود إلى فكرة أننى كنت عندما أقرأ فى صباح الخير زوجة أحمد، وكنت متيما بها ولا أدرى السبب، ولم أكن أعلم وقتها أن زوجة أحمد يكتبها إحسان عبد القدوس، وقد عرفت منها كيف تستطيع المرأة أن تبوح بما فى داخلها بدون أن تعلن اسمها، حيث يدل على أن المرأة بئر عميق ليس من السهل الوصول إلى قراره ولا من امرأة أخرى.
وفى مرة أخرى كنت مع أنيس منصور وعرفت أنه أيضا يكتب بلسان سيدة، فتابعته باهتمام، وكنت جالسا مرة مع نزار قبانى، فقال لى أن زوجته بلقيس قررت أن تكتب فى الصحافة بابا اسمه: أنا الرجل الشرقى،لكن نزار رفض ذلك.
وبدأت قصتى مع نادية عندما سافرت إلى أمستردام وكان عمرى وقتها حوالى 29عاما، وهناك تعرفت إلى أحد سفرائنا وكان مصطحبا معه ابنته واسمها نادية.
كانت البنت مصرية لكنها تلقت تعليمها فى الخارج، وكانت جميلة جدا وذكية، وكانت محاضرة فى السلوك العام وأحببت أن أتعرف عليها عن قرب فجلست معها من الساعة الثالثة عصرا وحتى الحادية عشرة مساء وقد كانت أطول مدة أجلس فيها مع امرأة فى حياتى، فالحقيقة أن نادية أثارت لدى الرغبة فى التفكير، وراقت لى كنموذج رائع من البنات وقد رأيت أمستردام بعينيها هى، وشاهدت أشياء لم أرها من قبل. عندما رجعت إلى المنزل مكثت على مكتبى، وكتبت خواطر بلسان فتاة، وبإمضاء نادية، وأسميتها: شىء ما.
وذهبت إلى إحسان عبد القدوس وعرضتها عليه لكنه طلب منى أن أؤجلها وأبدأ بالترجمة لأننى خريج آداب لغة انجليزية، وبالفعل كتبت شكلا من أشكال الترجمة لكنه فى النهاية مترجم، وفى إحدى المرات كانت هناك مقالة تتحدث عن ماذا تريد المرأة من الرجل؟ فكتبت ماذا تريد نادية من الرجل، وجعلتها تكتب رسالة تقول فيها للرجل: أنت تنفق كثيرا فى البيت، فاجعل نص نفقاتك فى المنزل والنصف الآخر معنويات، وكانت مقالة جميلة فجاء إحسان عبدالقدوس وطلب منى أن أكتبها، وكان فتحى غانم قد صار رئيسا للتحرير.
∎ ألم تخف من تجربة الرجل الذى يكتب بلسان امرأة، ويعبر عن مشاعرها؟
- إطلاقا، فقد كنت أكتب وأكتب ثم أقرأ ما كتبته، فأذهل من طريقة الكتابة، وأتساءل: من الذى كتب هذا الكلام؟! وقليلون جدا من يعرفون أن مفيد فوزى هو من يكتب نادية عابد، فقد خلقت لها شكلا بأنها تأت لتسلم مقالاتها يوم الخميس وتذهب لتعيش عند حماتها فى السويس.
ومرت الأيام ووجدت أن الناس فى مصر متعلقون بنادية عابد، والتوزيع فى روزاليوسف قد ارتفع جدا. ∎ وماذا عن ردود الأفعال من القراء، وخاصة السيدات؟
- لقد كانت خطابات الحب والتقدير والإعجاب من السيدات كثيرة جدا، ومن الرجال أيضا فقد وصل الأمر إلى أنه قد جاء أحد سكرتير عسكرى لأحد الشخصيات المهمة يريد الزواج بنادية عابد، وعندما علم بالحقيقة صدم جدا وأخذها بمحمل شرقى بحت، وقال: إنه خداع فى الصحافة ولا يجوز أن يفعل الأستاذ مفيد ذلك، فقد رتبت حياتى على الزواج من نادية عابد لأنى أحببتها وأصبحت متيما بها، وأعجبتنى كثيرا طريقة تفكيرها.
والحق أقول أننى كنت أكتب بلسان البنت الرقيقة الذكية التى تفهم الرجل جيدا، فمثلا كتبت عندما خرجت نادية عابد مع زوجها لزيارة أحد، وعندما لم يجدوه يطلب منها زوجها الرجوع لكنها ترفض وتقول فى مذكراتها: كان ضروريا أن بعد كل ذلك المجهود الجهيد من الرميل والماكياج أن أجلس فى مكان لكى يرانى الناس، فكان يحدث عند الناس درجة من الذهول.
ومع الوقت كان أصحابى فى العمل يستغربون من المشاعر الدقيقة التى أشعر بها كنادية عابد، فكان د. مصطفى محمود يقول لى: البنت نادية تتحدث بطريقة فتاة بالفعل، وكان الأستاذ فتحى غانم يسألنى: كيف تكتب هذه الأشياء.
∎ هل هناك امرأة أثرت فى حياة مفيد فوزى وهو يكتب نادية عابد؟
- لم أكن وقتها قد تزوجت بعد، لكنى كنت شديد الملاحظة ومراقبا جيدا، فعندما أجلس فى مكان أتابع ما تفعله النساء، ولذلك كان حسين كمال يقول لى دائما: كيف خسرتك السينما فى السيناريو، لأننى كنت معنيا بتفاصيل دقيقة جدا عند النساء،وكنت أكتبها بشكل تلقائى جدا.
لكن أنا فى حياتى كان لى حب خاص، وكانت شخصية لم يكن لها علاقة بالسينما أو المسرح، وكان من سخرية القدر أنها جميلة جدا، وكانت هناك عبارة أرددها: ضع امرأة جميلة بجوارك تأتى إليك كل النساء، فعندما كنت أذهب إلى صباح الخير ولم يكن لدى غرفة كانت تجلس معى وكان كل الناس يتجمعون حولى ويتحدثون.
وكما راهنت على آمال العمدة وأنا لم أكن قد أصبحت وقتها مفيد فوزى،كانت معى هذه الفتاة.
∎ أكثر ما أوجعك عندما كنت نادية عابد؟!!
- عندما جعلت نادية عابد تسكن فى عمارة بمفردها فى جسر السويس، وتترك بيت والدها وهذه العمارة يسكن فيها طالب جامعة، وضابط على المعاش، وزوجان يحبان بعضهما كثيرا، وأيضا يسكن فيها شيخ، وسيدة بمفردها، أى نماذج المجتمع وبالمعنى الأدق مصر فى عمارة.
فهناك من كان يطرق على بابها ويطلب منها أن يشربوا معا فنجان قهوة لكنها كانت ترفض، واستمررت فى الحلقات حتى وصلت إلى الشيخ، وكتبت: فى الحلقة القادمة الشيخ على الدهشان يطرق على بابها، وهنا تدخل الأزهر وامتنعت ثلاثة أسابيع وأنهيت قصة جلوسها بمفردها.
لكن المجتمع وقتها صدم بفكرة أن تجلس المرأة بمفردها، فوقتها لم يكن يتقبل المجتمع فكرة جلوس المرأة وحدها، لكن أنا ما كان يهمنى هو التركيز على فكرة أن المراة إنسان.
وأنا أيضا فى حياتى كانت هناك صداقات قوية، فقد كانت نادية لطفى ترسم البهجة على الناس وكانت صديقتى ونخرج معا لكن كانت صداقة لا تتخللها أية نظرة جارحة أو أى شىء خارج.
والحقيقة أنه أوجعنى جدا موضوع الوقف، لدرجة أن مصطفى محمود قال لى بعدها: نفسى أعرف الشيخ كان هيعمل إيه، وأنا نفسى لم أكن أعرف بعد ماذا سيفعل الشيخ على الدهشان.
وبعد ذلك أدخلت نادية فى قصة حب مع مهندس متزوج من إنجليزية، طلقها ثم تزوج بها وكان أشرف السقا الذى علمت مصر كلها به، وتناولت معهما البيت المصرى من الداخل ومشاكله، وصورت الحياة الكاملة بينهما بأدق التفاصيل، التى من الممكن أن تفرج عنهما، وصورتهما كما عشت أنا مع آمال العمدة.
∎ كيف كانت تنظر زوجتك آمال العمدة لنادية عابد؟
- كانت تنظر إليها نظرة احترام، وتستغربين عندما تعلمين أنها كانت تقرأ لنادية عابد قبل مفيد فوزى لترى ماذا كتبت اليوم، وكانت تناقشنى فى أسلوب التفكير وتقول لى: هل تعتقد أن منطق تفكير الفتيات كلهم بهذا الشكل، فأرد: أعتقد أن الأغلبية كذلك.
∎ لقد طلب نزار قبانى شاعر المرأة لقاء نادية عابد، فماذا فعل عندما اكتشف الحقيقة؟
- اندهش جدا عندما علم بالحقيقة، فقد أخبرته زوجته بلقيس بأن نادية عابد هى مفيد فوزى، وذهل جدا.
بعدها ذهبت إلى فاتن حمامة وكتبت خمس صفحات بقلم نادية عابد، وفاتن كانت كتومة جدا وعندما سألوها عن نادية عابد، قالت: بنت جميلة جدا وراقية، وطريقة سؤالها متحضرة، وليت جميع الصحفيات يتعلمن منها.