أظن أن كوكب الشرق أم كلثوم هى أول من تنبأ بما سوف يكون عليه الحب هذه الأيام عندما قالت فى أغنيتها الشهيرة (حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه.. أنت عارف قبله معنى الحب إيه؟!.. صحيح لقد تحول الحب إلى مشاعر مزيفة وعلاقات كاذبة واصطبغ بالتمثيل وأصبح كله من باب التسالى وتسللت لغة البيزنس إلى الحب وتحول إلى صفقة ودخلت الانتهازية فيه أيضًا فأصبح ينشأ من أجل تحقيق مصلحة ما أو تبادل مصالح.. سمة الحب هذه الأيام هى الهجر والغدر والخيانة والتلاعب بالمشاعر!! لم يعد الحب الحقيقى عملة متداولة فى هذه الأيام بل أصبح فى حياتنا مجرد عملة منقرضة مثل المليم والقرش.. ومن النادر أن تسمع عن قصص حب تدوم وتستمر لسنوات أو إلى الأبد كما كان من قبل بل أصبح الشائع إن قصص الحب صارت تنافس الوجبات السريعة سمة العصر الحالى!! لا نرى الآن حبيبًا يتعذب فى هوى المحبوب كما كنا نقرأ فى روايات إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى وكما نقرأ فى أشعار نزار قبانى.
فلم يعد أحد يحتمل أحدا فمع أول مشاجرة أو مشكلة تحدث ما بين حبيبين تسقط الأقنعة ويظهر الوش التانى الأنانى العنيف والهش أيضًا، فلم تعد مرايا الحب عمياء كما كنا نراها فى الماضى!!
الماضى زمن الحب الجميل الصادق الذى عاشه ورواه لنا آباؤنا وربما لحق بعض منا بعضًا من هذا الحب.. الحب الذى رأيناه فى أفلام الأبيض والأسود وأغنيات أم كلثوم ككلماتها: «أمل حياتى يا حب غالى ما ينتهيش.. خلينى جمبك خلينى فى حضن قلبك خلينى.. وسيبنى أحلم سيبنى.. وياريت زمانى ما يصحنيش»؟!
وكلمات حليم فى موعود: «وتقابلنا والحياة قدام عنينا حلوة.. وتقابلنا والكلام فوق الشفايف غنوة.. كل حاجة فكرت فيها فى لحظة واحدة ردت عليها بنظرة حلوة من عينيها... الأمان فى عينيها حسيت إنى عديت للأمان فى عينيها»
وقال أيضًا: «وخدتنى ومشينا.. والفرح يضمنا.. ونسينا يا حبيبى مين أنت ومين أنا؟؟»
∎ الحب الانتهازى!!
إن أغلب علاقات هذه الأيام التى يسمونها قصص حب هى ليست كذلك بل هى تؤمن بالمبدأ الانتهازى الذى وصفه (ميكافيللى) فى كتابه (الأمير) «الغاية تبرر الوسيلة» فهذه فتاة فى بداية الثلاثين من عمرها تعمل بإحدى الشركات الكبرى وكانت تحت التمرين ولم تُعين بعد ونظرًا للظروف الصعبة التى عانت منها البلاد مؤخرًا خشيت أن يستغنوا عنها فى العمل.. ففكرت فى فكرة شيطانية من أجل التعيين والتثبت ووضعت هدفها المدير العام للشركة وظلت تشاغله وتوهمه بحبها الشديد له وبالغت فى الاهتمام وأقنعته تمامًا إنها الملاك البريء فى حين كانت لها علاقات كاملة مع رجال قبله وكلهم كانت علاقات من أجل المصالح أيضًا.. والمدهش أن مديرها لم يأخذ معها غلوة لأنه كان فى منتصف العمر فى حوالى الخمسين من عمره وهو العمر الذى يحاول فيه الرجل أن يثبت لنفسه أنه مازال شابًا مراهقًا ومع أنه كان متزوجًا ولديه أبناء إلا أنه وقع فى فخها وبراثنها بسهولة.. وتزوجها «عرفى» فى السر.. وتم تعيينها بالطبع بمميزات ضخمة.. ولما حصلت على كل ما أرادت بدأت تتغير معه وتظهر على حقيقتها وعرف ماضيها الأسود وعرف الوجه الآخر لها وحقيقتها.. وفاق بعد فوات الآوان وطلقها ولكنه ان قد خسر أيضًا زوجته وأم أبنائه لأنها علمت بزواجه السرى فخسر فى لحظة كل شىء من أجل نزوة واعتقد أنها الحب الحقيقى!!
∎ الدولار يهزم الحب!!
فتاة ارتبطت بقصة حب عنيفة مع زميلها فى الجامعة لمدة 5 سنوات وكان الاثنان من أسرة متوسطة الحال وكانت راضية به وبظروفه.. إلى أن جاءها عقد عمل فى إحدى دول الخليج بمبلغ كبير حوالى 5 آلاف دولار شهريًا.. أقنعته بأنها ستسافر للعمل سنتين أو 3 سنوات على الأكثر لتستفيد من هذه الدولارات فى جهازها وتكوين نفسها.. سافرت ومع أول زيارة لها لمصر بعد عام واحد تبخر الحب وتلاشت المشاعر أمام الدولارات التى جرت فى يديها وطلبت منه أن يفترقا.. فلم يعد له مكان فى قلبها.. فطموحها ازداد سقفه ولم تعد ترضى بظروفه البسيطة فهى تريد فيللا فى الرحاب أو التجمع وتريد مستوى معينا لم يستطع هو أن يحققه لها.. افترقا وسط ذهول الأهل والأصدقاء ولكنه حمد ربنا أنه اكتشفها واكتشف حقيقتها ومشاعرها الزائفة الهشة تجاهه فى الوقت المناسب قبل ما الفاس ما تقع فى الراس!!
∎ هذا الواقع المؤلم هل يمكن أن يتغير ذات يوم وتعود قصص الحب الملتهبة والصادقة المليئة بالنقاء والشفافية؟. أحلم بهذا!!.