رحل «ممدوح الليثى»، رجل أصبح اسمه أيقونة فى عالم الإنتاج الدرامى والسينمائى، وفى عهد رئاسته لقطاع الإنتاج خرجت للنور روائع الأعمال الدرامية والأوبريتات الغنائية الوطنية، كتب السيناريو لمجموعة من أروع الأعمال السينمائية فى تاريخ السينما المصرية «ثرثرة فوق النيل- ميرامار- الكرنك- أنا لا أكذب ولكنى أتجمل» وغيرها من العديد والعديد من الأعمال، ممدوح الليثى كان عقلية فنية بحتة، إدارية عبقرية انطلق بالدراما المصرية لأوسع الأفق وصاحب فضل على العديد من الوجوه الفنية الموجودة على الساحة والتى آمن بموهبتها. وفى أكتوبر الماضى ذهبنا إليه لطرح تساؤل، رغم خروج أعمال كثيرة عن حرب أكتوبر للنور تبادر إلى أذهاننا لماذا حتى الآن لم يتم تجسيد أعمال أكتوبر، فى عمل فنى بشكل واقعى، وكانت الإجابة لدى «الليثى» بأنه لكى تنفذ فيلماً عن حرب أكتوبر فهذا قد يكلفك ماديا قدر ما تكلفت حرب أكتوبر كلها وهذا يستدعى تحضير كل أنواع الأسلحة والجيوش والأفلام التى تتناول هذه النوعية من الحروب والجانب المصرى من ناحية الدراما والأفلام التى تستعرض الحروب وعرض الجوانب الاجتماعية.
وهذه النوعية من الأفلام الاجتماعية عرض منها أكثر من نموذج، ولا نستطيع تصوير هذه المعارك لأنها تحتاج تكلفة كبيرة والعديد من الخبراء، فكانت النتيجة أننا قدمنا هذه النوعية من الأفلام بشكل متواضع، وكل ما قدم حتى الآن كان بهذا الشكل ما عدا فيلم واحد تقريبا وهو «الرصاصة لا تزال فى جيبى»، هذا الوحيد الذى ظل محتفظا برونقه بقدر الإمكان، واستعرض لنا ما تم تقديمه بأنه تم تقديم فى فترة من الفترات «فيلم حكايات الغريب»، حاولنا بعدها أن نقدم فيلم تأليف «جمال الغيطانى» اسمه «الرفاعى»، والرفاعى هو أحد أبطال أكتوبر الذين استشهدوا فى الحرب ووراءه قصة كبيرة جدا، واشتركنا فى هذه القصة وتعاقدنا مع جمال الغيطانى واتفقنا مع القوات المسلحة على احتياجاتنا من العساكر والأسلحة والطائرات وحضرنا تكلفة نهائية للفيلم، الرفاعى قدم بطولة خارقة فى سيناء، ولكن فى آخر لحظة قالوا لنا: إن حرب أكتوبر ليست بطولة فردية لشخص واحد فقط ولكن قام بها أفراد كثيرون وقوات كثيرة، وتركيز البطولة على الرفاعى معناها أن من قام بالبطولة هو الرفاعى، والرفاعى هو واحد من آلاف الأبطال لحرب أكتوبر، وهذا بعد أن عملنا بالموضوع ثلاث سنوات، وبصوت هادئ استعرض لنا المزيد من تلك الأعمال وكأنه عاد للذاكرة فى لحظات، بدأ على وجه الفخر والسعادة لما تحلمه تلك الأعمال من قيمة فنية ستظل علامة فى تاريخ السينما المصرية فسرد لنا أنه فى خلفية حرب أكتوبر كان هناك حرب الاستنزاف وقدمنا فيلم «الطريق إلى إيلات».. مؤكداً أن تقديم فيلم عن حرب اكتوبر والمعارك بشكل واقعى يحتاج إلى إمكانيات مادية رهيبة.. ولم يكن «الليثى» بالشخص البعيد عن متطلبات السينما الحالية وطبيعة الجمهور الذى يقبل على السينما، فشرح: إنه لو توافر الإنتاج الضخم والموضوع والإخراج ، فإن مسألة الإيرادات قد تأتى غالبا عكس التوقعات ولا نستطيع التوقع بشأنها، ودلل على ذلك بأنه عندما تم تقديم «ناصر 56»، لم نتوقع أن يحقق أى مكاسب مادية ولكنه حقق إيرادات عالية جدا ومشاهدة كبيرة ونجاحاً مستمراً حتى الآن. وحول دور الجيش وتجسيده فى الدراما وكيف يمكن تجسيده دون مبالغة أو تطرف ودور السيناريو والممثلين فى ذلك ، كان للراحل «ممدوح الليثى» رؤية خاصة فى ذلك فأكد أن اختيار الموضوع نفسه هو الأهم، وأن مصطفى بكرى أرخ للمرحلة التى نمر بها منذ 28 يناير حتى يومنا هذا فى ثلاثة كتب، ومن الممكن أن ننفذها كفيلم أو مسلسل فى الفترة القادمة، فمنذ ثورة يناير حتى الآن هناك إيجابيات كبيرة جدا للقوات المسلحة وفى المقابل هناك سلبيات أيضا، خاصة فى المرحلة الانتقالية التى تولى فيها السلطة المجلس العسكرى والتى أدت إلى هتاف «يسقط حكم العسكر»، هذه الفترة أكيد كان بها سلبيات أدت إلى خروج هذا الهتاف، وجاء الفريق السيسى وقال إنه قام بما أملاه عليه ضميره وغير نظام الحكم وأعطى السلطة للشعب وانسحب من الصورة وهذا الموقف جعل من السيسى بطلاً فى عيون الشعب والجماهير.
عن مشروع «وبدأت الضربة الجوية»، آخر موضوع توقفنا عنه هو مشروع اسمه «وبدأت الضربة الجوية» وكنا نستعد له من سنوات والميزة فى هذا الفيلم أنه يستعرض كيف خطط الرئيس السادات لحرب أكتوبر ومع من؟ مع سوريا، وهذه أول مرة يكون فيها سر بين دولتين عربيتين، وكيف خططنا لحرب أكتوبر، كله يتناول الخطط والكواليس لا يحمل تفاصيل حرب أو ضرب ولا معارك، وكيف أنشأنا الكبارى للعبور، وأقمناها بعيداً عن سيناء لأننا لو أقمناها فى سيناء كان سيفتضح أمر التجارب، وكيف اختبرنا الاختراق هل بالماء أم بالهواء أم بأى وسيلة أخرى، وتوصلنا إلى أن خراطيم الماء هى أفضل وسيلة لاختراق الحصن الترابى برليف، وتجارب عديدة فشل بعضها ونجحت فى النهاية وتجارب فى الفيوم، وعملية كلف التحضير لها مصر كثيرا جدا، وكان الفيلم سيحمل كل هذه التفاصيل استعددنا لها بالقراءة فى العديد من الكتب وجمعنا معلومات مهولة، ومثلا الأستاذ «صلاح قبضايا» وهو كان مراسلاً عسكرى فى الجبهة وأفادنا بمعلومات كثيرة جدا وكتب أفادتنا فى الإعداد للفيلم، والفيلم كله عبارة عن التحضير بين مصر وسوريا وحالات الاختبارات وإجراءات السرية وعمليات التمويه لمفاجأة العدو، الفيلم اسمه «وبدأت الضربة الجوية» بمعنى أن الفيلم سينتهى بمجرد استعداد الطائرات للانطلاق، ولكن بعد انطلاق ثورة يناير انطلقت شائعات أننا نقدم فيلماً لتمجيد مبارك ووضحنا الأمر وأبدينا استعدادنا لتغيير اسم الفيلم وتغييره إلى «وبدأت المعركة» والحقيقة أن الفيلم ليس له علاقة بمبارك وأن الفكرة قائمة على الكواليس التى سبقت الحرب، ولكن عندما استوعبوا الفكرة كان قد تم حل جهاز السينما ومازلت أسعى لحل أزمة هذا الفيلم، لأنه عبارة عن مشروع جاهز للتنفيذ.. وعندما سألناه عن مصير سيناريو «الرئيس والمشير» الذى قام بكتابته منذ عدة سنوات، صرح لنا بأن هذا الفيلم كتبه منذ خمس سنوات تقريبا وهو عن الصراع الخفى أو صراع السلطة بين الرئيس عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر، منذ بداية علاقتهما عام 38 والتى امتدت حتى 68 وانتهت مع انتحار أو «قتل» المشير، ونتيجة الثقة المتناهية بين الصديقين لا شك أن هناك تفاصيل كثيرة أثرت على أحوال البلد، مثل حرب 56 والوحدة بين مصر وسوريا، ومثل حرب اليمن، ومعركة 76، إن كل هذه التفاصيل تم تأريخها فى فيلم سينمائى كبير ولكن الدولة لم توافق عليه باعتباره من الأسرار العسكرية، وقمنا برفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، واستندنا إلى مادة فى الدستور تنص على حرية الإبداع، وربحنا القضية، بعدها كانت الثورة، ولكن للأسف أصبح الجيش متردداً فى تنفيذ الفيلم وتم تأجيل المشروع.. وأنهى «الليثى» حواره معنا بتوقعه لنهاية افتراضية للوضع الحالى من وحى خياله ومشهد تنهى به، بأن هناك قوتين تتصارعان حول إقصاء الآخر وإزاحته، فإذا افترضنا عودة الإخوان فهم سيلجأون للإنتقام، أما الفريق الآخر فيدافع عن البلد وعن رقابهم ورقاب الشعب فلا شك أن البلد تراجع كثيرا خلال عام واحد وهو مدة حكم مرسى، مؤكدا لنا أن النهاية الوحيدة التى ستحدث هى ما يحدث الآن على أرض الواقع وهى القبض على كل رءوس الإخوان التى أفسدت الحكم خلال الفترة الماضية ومحاكمتهم وخلق نظام ديموقراطى وإعلان دستور جديد وانتخابات جديدة.