فى الساعات الأخيرة لسنة 2013، كنت أمشى فى شوارع القاهرة أتأملها فى هدوء.. أتمنى أمنيات لسنة جديدة.. لكن هذه السنة لم تكن أمنياتى شخصية.. بل كانت عامة.. لاستقرار هذا البلد.. والقضاء على الإرهاب والإرهابيين.. وإذا بى أجد أمامى شخصًا مألوفًا.. بلحيته البيضاء وبدلته الحمراء المعروفة «سانتا كلوز» هكذا ناديت اسمه بحماس. فإذا به يلتفت لى فى تخاذل واضعًا يده على خده قائلاً: «نعم.. عايزة إيه أنت كمان.. هتشتمى ولا هتحدفينى بحاجة.. بجد المصريين بقت أخلاقهم صعبة بعد الثورة».
تعجبت من رد فعله.. فسألته «فى إيه يا بابا نويل.. مالك بس؟!»
سانتاكلوز: جرى لكم إيه يا مصريين.. دمكم الخفيف.. ضحكتكم الحلوة.. طيبتكم وهدوءكم.. رضاكم بالحال.. كل ده راح فين؟!
أنا: أنت ماجتش مصر من إمتى؟!
سانتاكلوز ناظرًا لى بغيظ: «2010»
أنا: آه عشان كده.
سانتاكلوز: طيب مش خلاص.. عملتوا ثورتين.. والدستور خلاص اتعمل.. وبعدها انتخابات مجلس الشعب وبعدها الرئاسة أو العكس.. عايزين إيه تانى.
ثم يتابع: عديت على بيت بيت أسألهم عايزين إيه اتمنوا.
اللى يقفل فى وشى الباب.. واللى يقولى غور بدقنك دى من هنا.
فقلت له: تعالى معايا يا سانتا.. أنا هوريك حاجة تخليلك تعذرهم.. الثورتين اللى أنت بتتكلم عنهم.. فات على الثورة الأولى سنتين.. والثانية سنة تقريبًا ومفيش ولا هدف اتحقق لغاية دلوقت.
تعالى أوريك.
خدنى على كتفه ورحنا نلف البلد فمن فوق فى السما رأينا مدينة من المدن الجديدة وقد ملأها الثلج وجلس الشباب والأطفال يلعبون به ويقذفونه على بعضهم البعض.
فنظر لى مبتهجًا.. قائلاً: الله.. شوفى الناس أخيرًا بتلعب ومبسوطة إزاى.. طيب نزلنى هنا أسألهم عن أمنياتهم وأوزع عليهم هدايا.
فنزلنا.. ومع اقترابه للشباب جرى البعض منه خائفين والآخرون بدأوا يحدفونه بالطوب.. وصرخ أحدهم اندهوله البوليس ده يشوف اللى فى ايده ده متفجرات ولا إيه بالضبط؟!.
فصعدنا مرة أخرى.. وقد أصابته صدمة.. فقلت له.. معلش أهى دى حاجة من الحاجات اللى خسرناها الفترة الأخيرة.
فرد على متعجبًا: إيه نسيتوا سانتاكلوز.
فأجبته: لا.. نسينا الأمان والثقة فى الناس.
مررنا بعد ذلك على مكان قريب من الكومباوند لكنها عشوائية، كان سكانها يزيلون آثار الأمطار من داخل بيوتهم ويحاولون إصلاح ما خربته، ويحاولون معالجة السقف الخشبى الذى أتلفته المياه.. ويبحثون عن غطاء يسترون به أطفالهم الذين امتلأت ملابسهم بالماء.. فنزلت دموع من عينه قائلاً: «إزاى!! إزاى بعد ثورتين وفى ناس مش لاقية سقف يحميهم»؟! فسألته: تحب تنزل نسألهم تطلبوا إيه ويتمنوا إيه؟! فنظر لى غاضبًا: لأ.. أكيد لأ.
طرنا مرة أخرى.. وكان هناك طابور طويل جدًا.. فسألنى: ده طابور إيه ده.. شغل ولا إيه.. فجأة وجد الناس يتقاتلون.
الله.. الله الله.. فى إيه ليه كده طابور إيه ده.. بيتخانقوا على إيه.
ضحكت قائلة: «طابور العيش».
«عيش» صرخ متعجبًا.. أنتى أكيد بتهرجى.
تحب تنزل.
صارخًا: لأ.. لأ.. لا.....أ.
ثم ذهبنا فوجدنا أما تبكى.. وترفع يدها للسماء.. قائلة:
يارب.. أنت اللى حاسس بيا.. يارب أنت المنصف.. أنت اللى هتجبلى حق ابنى يا عدل يا منتقم يا جبار.. يارب دم ابنى عندك.. انتقم يارب.
تركه بابا نويل دون أن ينطق بكلمة وهو يعض على شفتيه..ثم مررنا برجل جالس على قهوة يشرب شيشة ويلعب طاولة.
فذهب إليه مبتسمًا.. قولى بقى تتمنى إيه؟!
نظر له الرجل: أتمنى.. يعنى إيه؟!
فرد عليه: تحلم بإيه؟
حلم؟!.. مابقاش عندى غير كوابيس.
اطلب طلب.. رجعلى عمرى اللى راح منى.. شبابى اللى ضاع فى الانتظار.. رجعلى الأمل اللى اتوأد بعدما اتولد بعد الثورة.. أنت عارف أنا عندى كام سنة.. 37 سنة.. اتخرجت من كلية التجارة وكان عندى 22 سنة.. 15 سنة بحاول أبقى إنسان عنده أبسط الحقوق..
أشتغل.. أتجوز.. لكن للأسف كله حلم مستحيل.. تعرف تحققلى المستحيل فى بلدنا؟! يتركه ويذهب دون أن يتكلم.. فأسأله.. إيه.. مالك؟!
سانتا كلوز: يا بنتى.. أنا عندى هدايا.. أمنيات ممكن أحققها.. لكن اللى بتدوروا عليه فى بلدكم حقوق مسلوبة مقدرش أنا أرجعها أو أجيبها لكم!!
ويتركنى ويذهب.. فأسأله: رايح فين يا بابا نويل؟
يرد وهو حزين: رايح أحلق دقنى.. وأقف فى طابور الأنابيب.. وأستنى معاكم وأشوف 2014 مخبية لكم إيه.