حالة من الجدل القائم يشهدها الوسط القبطى بعد الدعوة التى قام بها بعض النشطاء الأقباط لتخصيص كوتة تمثلهم فى مجلس الشعب القادم، وعلى الرغم من ذلك فقد خلقت الدعوة جدلاً كبيرًا فى الوسط، فانقسموا بين مؤيد ومعارض. البعض يريد الكوتة لضمان تمثيلهم فى الحياة النيابية، والبعض يراه نوعًا من أنواع التمييز الطائفى والانتحار المحقق للأقباط، وما بين هذا وذلك نعرض تلك الآراء، ونطرح عدة تساؤلات: هل ستكون الكوتة هى الحل، وما رأى الأقباط فى لجنة الخمسين؟!، وهل صحيح أنهم سيحشدون للتصويت ب(لا) ضد الدستور القادم؟!
كانت البداية عندما خرج علينا المستشار نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، ليقول: لابد من وجود كوتة للأقباط، وذلك بسبب ما تعرضوا له من ضغط شديد واضطهاد خلال الفترة الماضية، ما أدى إلى هجرة معظمهم للخارج، ودعاهم للعودة إلى وطنهم - مصر- بعد اختلاف الوضع الذى سافروا لأجله، وقيام ثورة 30 يونيو.
وأكد أن الأقباط لا يريدون تطبيق نظام الكوتة لتمييزهم عن باقى أفراد المجتمع، بل لتشجيع الأقباط على العودة لمصر بعد الاضطهاد الذى تعرضوا له.
∎ غير مناسب
يعقب على هذا الموضوع الراهب باسيليوس المقارى- راهب دير مقار بوادى النطرون، فيقول: نظام كوتة الأقباط المقصود به هو تحديد حصة انتخابية للأقباط، وذلك على ضوء قراءتى للتاريخ ومعايشتى لمصر ما قبل ثورة 1952.
فأنا أرى أن مصر لا يناسبها نظام الكوتة. فمصر شعب واحد يعيشون معاً جنباً لجنب ويعملون معاً فى أماكن العمل، ويشتركون معاً فى التجارة والاقتصاد، فهى ليست مثل لبنان أو العراق أو غيرها بما فيها من كانتونات يتمركز فى كل منها أتباع الأديان والطوائف الدينية المختلفة، بل سيكون وبالاً على مصر كلها وخراباً على شعب مصر كله وأولهم الأقباط.
وللتوضيح فإن نظام الكوتة يقترحه البعض لعلاج ما وصلنا بعد 60 عاماً من الشرخ الكبير الذى حدث بعد ثورة 1952: بإلغاء النظام البرلمانى الذى كان يضاهى النظم البرلمانية الأوروبية، ثم إلغاء الأحزاب بجرة قلم، ثم بامتهان رجال السياسة آنذاك الذين كان لهم تاريخ فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى كشركاء للمناضل البطل سعد زغلول، ثم باستبدال كل هذا بنظام الحزب الواحد والحكم الفردى لشخصيات ليس لهم تاريخ فى النضال السياسى ولا ذوو ثقافة وخبرة فى السياسة.
فكل هذا التغيير الجذرى الذى حدث قسراً فى طريقة الحكم أدى إلى تغيُّر التركيبة السياسية كالآتى: فبعد أن كان كل مصرى ينتمى إلى حزب عن اقتناع بمبادئه وبتاريخ نضال رجاله، أصبح المصرى لا يجد أمامه خياراً سياسياً ينتخب نائبه لمنظمة التحرير ثم للاتحاد الاشتراكى ثم لمجلس الشعب، سوى الخيار الطائفى البغيض: مسلم أو مسيحى.
وقد استمر هذا النظام حتى ثورة 30 يونيو 2013، وكأن النية كانت مُبيَّتة منذ ذاك الوقت للقضاء على التركيبة الوطنية الرائعة فى مصر القائمة على الولاء للدولة، لا للطائفية، ذلك السُّم المعسول الذى يريد أصحاب الكوتة أن يُجرِّعوه قسراً مرة أخرى لشعب مصر، ولذلك فالذين ينادون بالكوتة لعلاج الطائفية إنما هم يثبِّتون الطائفية ويكرسون النزعة الإخوانية فى مشروع التقسيم الطائفى الذى أعدَّه الذين يريدون إخضاع مصر (ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد) إخضاعها للخراب الطائفى الذى لن ينتفع منه سوى دول الاستعمار الجديد فى أمريكا وأوروبا وهم هانئون بحياتهم اليومية هناك، وسيكون وبالاً وخراباً على المصريين وأولهم الأقباط. وقد وصلنا هذا الشرخ الكبير على مدى 30 عاماً من الحكم الشمولى الفردى وكان آخره الحكم الدينى الإخوانى.
∎ العلاج فى الديمقراطية
ويرى أن العلاج يكمن - لا فى استسلامنا للشرخ الكبير ومعالجته بكمادات لتخفيف الأذى، بل فى رجوع النظام الديموقراطى لمصر كما هو فى الدساتير المتقدمة، مع تنحية رجال الدين وفئات المجتمع من الاشتراك فى وضعه، اتركوا رجال القانون والدساتير المتخصصين يُخرجون دستوراً يحفظ لكل الأديان والأجناس والفئات حقَّها وحريتها فى الوجود والحياة والحركة والنمو والتقدم والطموح والرقى.. إلخ، مع مراقبة أى انحراف طائفى أو انحياز دينى أو فئوى أثناء إعداد الدستور يتعارض مع المبادئ الأساسية للدساتير.
ويرى الراهب باسيليوس أن القادة إذا كانوا تركوا إعداد الدستور لأهل القانون والخبراء فى الدستور فكان يمكن أن ينتهوا سريعاً من إعداد أروع دستور لأرقى وأروع شعب فى العالم شعب مصر صاحب حضارة الخمسة آلاف سنة (فى كتاب العهد القديم توجد قصة النصيحة التى قدَّمها الحكيم المصرى القديم للنبى موسى العظيم الذى كان يقود بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر، حيث علَّمه مبادئ الحكم الديموقراطى الشعبى ما لم يعرفه العالم الحديث إلا منذ 300 سنة فقط، لذلك قيل عن موسى النبى فى الإنجيل أنه ''تهذَّب موسى بكل حكمة المصريين»).
فكان يجب ألا يدخل رجال الدين ضمن رجال القانون والدستور لإعداد الدستور، وذلك لنتفادى الرؤى الدينية النفعية المتعارضة بين رجال الأديان، لأن الأديان وُضعت للأفراد وليس للدول.
وأرى أن المجهود الذى بُذل سيُضيِّعه المطالب المتعارضة لرجال الأديان وسنعود لنقطة الصفر مرة أخرى، فإن فكرة الدستور التى قامت فى العصر الحديث كانت ليحمى الحقوق الشخصية للأفراد وينظِّمها ليحيا الجميع فى أمان ورفاهية وعيش كريم، ولكى يثبِّت أيضاً أركان الدولة العصرية باعتبارها الهيئة العليا لحماية هذه الحقوق وتوفير كل مصادر هذه الحياة الكريمة، وليس لحماية ومصالحة المصالح المتعارضة لرجال الأديان المتعددة. ففكرة الدستور نشأت فى العصر الحديث لإقامة دولة تحمى حقوق الأفراد، بعد أن فصلت بين سلطة رجال الدين وبين سلطة الدولة، وذلك بعد اندلاع الثورة الفرنسية (1789-1799).
∎ انتحار للأقباط
ويعلق الراهب المقارى باسيليوس على من ينادون للتصويت بلا فى الدستور، بأنه انتحار للأقباط لأنه بناءً على هذا المبدأ سيقوم الطرف الآخر بنفس الحشد وستقوم معركة طائفية لا أساس سياسياً لها، بل على أساس طائفى قائم على عدد المنتمين لكل طائفة. وسنكرِّس الطائفية التى سيكون الأقباط فيها هم أول الضحايا ثم الشعب المصرى كله سيكون هو الضحية العظمى، لأنه فى كل دين هناك طوائف وشيع متعددة متخالفة متناحرة بعضها مع البعض. وليس لأحد من حق دينى أو سياسى أن يقسم الوطن على أساس الدين أو الجنس أو الطائفة أو الفئة. ليس من رخاء أو سلام أو أمان أو حقوق أو رفاهية إلا لشعب مصر الواحد بلا انقسام أو تصنيف أو تحكُّم بناءّ على نوع الدين أو الطائفة أو الفئة.
وإذا صيغ دستور هكذا فسينعم كل شعب مصر بلا استثناء. ثم إننى لم أجد فى بنود الدستور اهتماماً كافياً ما يُرجع للتعليم (من الحضانة إلى الجامعى)، والصحة، والاقتصاد، الاهتمام اللائق بهم. شعب جاهل، مريض، عاطل عن العمل لن يقيم دولة تتسابق مع باقى الأمم فى ساحات التصارع العالمى فى عصرنا الحالى.
∎ الحشد بلا
أكد الأنبا أنطونيوس عزيز ممثل الكنيسة الكاثوليكية بلجنة الخمسين أن اللجنة تمارس عملها فى إطار توافقى سعيًا لإرضاء الجميع.
وأعلن استياءه الشديد من الأصوات التى تنادى للتصويت ب«لا للدستور»، وأكد أنه ليس من حق أحد الحديث باسم الأقباط، والتلويح برفض التعديلات.
وأكد أن مسألة الكوتة لم تناقش داخل اللجنة.
وأشار الممثل الكاثوليكى إلى أنه ستتم مناقشة تمثيل جميع الفئات بالمجالس النيابية بعيدًا عن الكوتة وفقا لإجراء انتخابى يضمن تمثيل الأقباط والمرأة والشباب، ونفى وجود المادة 219 بالدستور، لافتًا إلى أن حزب النور يحشد للضغط على اللجنة من أجل إقرار المادة 219 شأنه شأن الأقباط الذين يحشدون لإقرار الكوتة.
∎ دعوة للتمييز
يقول المفكر القبطى كمال زاخر- رئيس جبهة العلمانيين الأقباط: أرفض وبشدة الدعوة إلى وجود كوتة للأقباط، وهذا لأنه فى حالة حصول الأقباط على الكوتة سنعالج العرض وليس المرض، فمشكلة الأقباط ليست فى التمثيل النيابى فقط، لكن فى طريقة التعامل الهامشية التى تحدث عندما يتعرضون لأى مشكلة، فحتى لو حصل الأقباط على كوتة بنسبة 10 ٪، فهل سيستطيعون بهذه النسبة مواجهة التيارات الإسلامية التى لم تنته مع الإخوان، فهناك الجماعات الجهادية، والسلفيون وغيرهم.
فما أريد قوله هو أن الكوتة ليست هى الضمان لحصول الأقباط على حقوقهم، لكن الضمان الفعلى هو الرهان على مدنية الدستور، فإذا خرج الدستور بشكل مدنى سيضمن المجتمع كله، وليس الأقباط فقط حقه.
ويرفض المفكر القبطى كمال زاخر من يعترضون على مواد الأقباط فى الدستور معللاً أن الأقباط إذا ارتكزوا فى اعتراضهم على الدستور بسبب مواد الأقباط فقط، فهم بذلك يخلقون هم الآخرون دستورًا دينيًا يقوم على أساس طائفى.
فرهاننا الآن جميعا على دستور مدنى يساوى بين الجميع فى الحقوق، والواجبات، بعدها علينا أن نبنى الدولة عن طريق التعليم والثقافة، فالتعليم سيغير طريقة التفكير والمعتقدات لدى الأجيال، والثقافة بمفهومها الواسع وما تشمله من علوم وفنون ستغير وطنا بأكمله.