عاشوا كثيرا تحت الأرض حتى أصبحت رؤية النور تؤرق نظرهم.. حين تعتاد الظلام طويلا مع الوقت تستطيع رؤية الأشياء بوضوح وتعتاد عينيك على بصيص ضوء ينير لك المكان ويصبح نور الشمس بالنسبة لك حدثا جللا.. حين يعتاد قلبك على الخوف ويصبح الشعور بالأمان أمرا نادر الحدوث فلقد فقدت جزءا من آدميتك.. حين تكون أقصى أحلامك أن تسير أمامنا فى الطريق.. ثم تصبح أنت من يحكم من يسيرون فى الطريق.. ثم يصبح السير فى الطريق مرة أخرى حلما بعيدا.. هكذا كنت أفسر حالهم وأراه.. عن الإخوان أتكلم.. كنت أشعر بالشفقة على أى إنسان سلب عقله فكانوا فى نظرى مثلهم مثل أى مريض نفسى يحتاج إلى علاج.. حين اكتشفت أنها رؤية قاصرة.. وكان من الممكن أن أحتفظ بما عرفته لنفسى ولكن حين ترى أنها لم تكن رؤيتك وحدك وأن الكثير والكثير من الناسيرى ما تراه ويعتبرهم مرضى تعرف أنه من الواجب والضرورى أن تستعين بصديق خبير وحين تتحدث عن نفسيات البشر لن تجد أصدق نية ولا أوفر علما من د. يحيى الرخاوى الذى رفض وصفهم بالمرضى قائلا: أنا آسف، فلا يصح إدخال التفسيرات النفسية فى الأزمة الخطيرة التى نمر بها فى الوقت الحاضر، فلا هذا علم ولا هو مفيد، ثم إن التفسير النفسى يعطى تبريرا للجريمة أحيانا أكثر مما يعطى تعديلا للسلوك، ما فائدة أن يتهم طبيب نفسى، أو عالم نفسى عدة ملايين من الناس بالضلال مثلا (اعتناق أفكار خاطئة لا يمكن تصحيحها (Adelusion) إن هذا يفتح الباب أن يتهم كل صاحب دين أهل الدين الآخر بنفس الاتهام، وكذلك كل صاحب أيديولوجيا، ثم إن اعتبار أفكار الإخوان، أو غير الإخوان أفكارا مرضية، يعطيهم الحق بطريق غير مباشر أن يتمادوا فيما يفعلون، تحت عنوان عدم مسئولية المرضى، ما دخل النفسية فى جرائم الخيانة العظمى؟ وما دخل النفسية فى إنكار الوطن أصلا؟ وما دخل النفسية فى تشويه الدين لحساب الحياة الدنيا والعياذ بالله؟
∎ولكن ما مروا به فى خلال عام واحد فقط من تملك مقاليد الحكم ثم التهديد بالسجون مرة أخرى ألا يؤثر هذا على نفسية البشر؟
لماذا نحشر تعبير «التأثير على الحالة النفسية» هكذا وكأنها مفتاح السياسة، الأمر الذى إذا جاز فى مراحل كتابة التاريخ، أو دراسة بعض شخصياته، فإنه لا يصح أن يشغلنا فى مراحل أزمات الوجود التى يمر بها الشعب المصرى كله، أزمة «أن يكون أو لا يكون»، طبعا: إن أى فريق عاش تحت الأرض مضطهدا، إذا ما وجد نفسه جالسا فوق أعلى كرسى فى الدولة ، لا بد أن يصاب بالدوار، ويتخبط فى أغلب - إن لم يكن كل - قراراته، وخاصة إذا غاب عنه أن الله سبحانه وتعالى هو المحاسب الأول والآخر، وليست أوراق الصناديق التى يعرف هو كيف جمعها بخلط الأوراق، واحتكار العلاقة بالله عز وجل، واتهام الآخرين بالبعد عن الدين، ثم بمحاربة الدين، ثم اتهام كل المنافسين بالكفر والعياذ بالله.
∎هل من المتوقع مثلا تعرضهم إلى هلاوس أو اكتئاب أو محاولات انتحار أو ما شابه ذلك من أعراض نفسية؟
- يتعرضون لكل ما يتعرض له بشر فى مثل هذه الضغوط، ولكننى أحذر من استعمال مثل هذه الألفاظ التى هى صفات لأعراض لمرضى لهم تشخيصات محددة، أحذر زملائى وبناتى وأبنائى فى الإعلام من استسهال استعمالها هكذا، وكأنها علم وكأنها تفسير، إن المرضى الذين يصابون بالاكتئاب والهلاوس هم أرق، وأنبل كثيرا ممن يستعمل الأطفال، ويغسل العقول، ويخون الوطن، ويضرب تحت الحزام، ويكيل بمكيالين، ولا يعرف أن الله يراه حتى لو لم يكن هو يراه.
∎هل يختلف القيادى الإخوانى عن الإخوانى العادى الذى لم يسجن من قبل أم أنه من السهل تصدير مشاعر الخوف والهلع إلى الإخوانى العادى؟
- طبعا يختلف، والقائد الذى يفتى بما لا يرضى الله، مهما زعم أنه الوحيد الذى يمثل ما أمر به الله، سوف يتبرأ من الذين اتبعوه من الصغار والمنوَّمين يوم القيامة «إذ تبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبعوا...» وحين يطلب التابعون المغيبون الفرصة من رب العالمين ليتبرأوا منهم بدورهم، سوف يجدون أن الوقت قد فات، ومن البديهى أنه بعد ستين سنة من التهميش، وإعفاء الناس من المشاركة، يكون الأصغر والأضعف عرضة لأى لعب فى المخ يجعله أداة لتنفيذ أغراض غيره دون نقد أو تفكير.
∎هل من الممكن أن يشارك هؤلاء فى الحياة السياسية مرة أخرى برغم هذه الحالة المضطربة وهل كان من الخطأ دخولهم معترك السياسة من قبل قبل خضوعهم للتأهيل النفسى؟
طبعا يشاركون، أى مواطن يحمل رقما قوميا، هو مشارك فى الحياة السياسية ما دام لم يصدر عليه حكم قانونى يمنعه من ذلك، ولا يوجد شىء اسمه التأهيل النفسى لملايين الناس قبل أن نسمح لهم بإدلاء أصواتهم أو المشاركة فى المظاهرات.
∎ما الفرق بين الحالة النفسية لقيادات الإخوان اليوم وقيادات الحزب الوطنى برغم تعرض الطرفين لتجربة السجن بعد الحكم.
هناك وجه شبه طبعا فى الغرور، وتصور أن مصر عزبة خاصة، واستغلال كل المتاح للإثراء أو التميز أو سيطرة فريق بذاته على بقية أفراد الشعب، لكن الوسائل تختلف ، ففى حين كان الحزب الوطنى يركز على المكسب المادى فى الحياة الدنيا، يلوح الإخوان بالمكاسب بالدنيا والآخرة فى صفقة واحدة، وغير ذلك كثير، والله المحاسب.
∎هل تعتبر الحالة النفسية للرئيس السابق محمد مرسى لها خصوصية عن الحالة النفسية لباقى القيادات الإخوانية وهل تتوقع أنه يعانى من حالة إنكار للواقع أو إقبال على الانتحار؟
- هو ينكر الواقع حتى حين كان يجلس على أعلى كرسى، فما بالك الآن وهو وراء القضبان، لكن حكاية الإقبال على الانتحار لا قدر الله، وإن شاء الله هى غير مطروحة، وأدعوالله له أن يصبّره، وأن يتعلم من أخطائه، وأن يستغفر ربه، فإذا أفاق بفضله، فليرجع إلى هذا الوطن ورب هذا الوطن ورب الدنيا والآخرة، الذى أطعمهم من جوع، وأمنهم من خوف، وليأمر عشيرته أن يتوبوا إلى الله ويدفعوا دينهم لهذه الأرض الطيبة، وناسها المؤمنين الصابرين.
∎متى تتوقع حضرتك انتهاء هذه الحالة من الإنكار والعودة إلى صوابهم ومواجهة الواقع؟
- حين يطبق القانون بكل حزم، وتتوقف محاولات النفاق والتأجيل، ونواصل العمل طول الوقت حتى لا ينتحر الوطن كله بغباء الفرحة أو عمى قصر النظر.. وحين يتوقف وصفهم بالمرضى فهم ليسوا أكثر من فصيل سياسى له وجهة نظر مختلفة ومنحهم رخصة المرض يقلل من فحش أفعالهم فى نظر الناس فهم مسئولون عن كل أعمالهم التخريبية ولابد لكل المخطئين فيهم من حساب ويجب أن يتوقف الفريق الآخر أيضا عن التهليل والاحتفال ونعود إلى الحياة الطبيعية ونكمل مسيرة الإصلاح
∎ هل من الممكن توفير إخصائى نفسى فى السجون لتأهيلهم قبل عودتهم للمجتمع مرة أخرى أم أن هذا أمر لا يجدى؟؟
- يوجد مثل هذا التخصص فى الطب النفسى والعلاج النفسى، ليس فقط فى مثل هذه الأحوال ولكن فى كل الأوقات، وهو تخصص لم يزدهر بعد فى مجتمعنا، وهذا التخصص لا يرتبط فقط بالتأهيل للعودة للمجتمع ، وإنما يتناول كل الأحوال النفسية للمحجوزين بصفة عامة.
أعترف بأن رؤيتى اختلفت تماما وقررت ألا أراهم مرضى وألا أغذى هذا الشعور لدى أو لدى المحيطين بى لأنك وإن اعترفت بينك وبين نفسك بأنهم مرضى فأنت تعترف ضمنيا بأنه ليس على المريض حرج وهذا يعد تفويضا بالتخريب.. ولا أنسى يوما فى العام الماضى خلال مناقشة مع شخص إخوانى قلت له إنه من الظلم أن يخرج من المعتقل حيث الظلم والتعذيب إلى العمل السياسى بدون المرور على التأهيل النفسى وكان رده صادماً جدا حيث قال أتعتبرين اختباره لنا وابتلاءهيحتاج إلى علاج فالرجال تصنع بالشدائد والله دائما يحب أن يطلعنا على صلابة معدننا وقوة إرادتنا.. كيف نعترض على هذا البلاء الجميل ونعتبره مرضا يحتاج إلى علاج.. إذا فحتى شعورك بالشفقة عليهم هم يرفضونه ويشعرون بالفخر لما هم فيه إذا فلنكف عن تلك النغمة قليلا حتى نفسح مجالا للحديث عن العمل.