رمضان هذا العام ليس كأى رمضان، فهو يأتى بعد ثورة شعبية بهرت العالم. الاحتفالات غير الاحتفالات، وموائد الرحمن غير الموائد التقليدية، وأسواقه ولياليه بدت أيضا مختلفة عن كل عام، حتى طوابير الكنافة والقطائف كانت كلها بطعم الثورة.
ولم تنقطع الكهرباء كما حذرت حكومة الإخوان قبل أن تسقط، على غرار ما عانته مصر خلال رمضان الماضى، والشهور الماضية، كما لم تتجدد أزمات البنزين ولا السولار.
واضطرت الثورة الكثير من منتجى برامج التوك شو فى القنوات الفضائية، إلى أن يكتبوا تعليقا واحدا طوال الحلقة هو «سجلت هذه الحلقة قبل 03 يونيو»، بينما دارت الكثير من أحداث مسلسلات رمضان حول الفترة من ثورة يناير وانتهاء بما حدث فى ظل حكم الإخوان.
وبقيت مشاهد لن تنسى من ذاكرة المصريين فى رمضان الذى جاء بأنوار مختلفة.
أكثر ما يلفت النظر فىرمضان هذا العام هو اختفاء زينة رمضان التى كان يشارك الأطفال والشباب فى صنعها، لتزيين الشوارع، استقبالا للشهر الكريم، فتكاد تخلو منها الشوارع، خاصة شوارع وسط القاهرة، واكتفت بعض الأسر بتزيين بلكوناتها بالفانوس المضىء، ذى العشرين جنيها، بدلا من الفانوس الكبير الذى كان يصنعه الشباب ويزينون به الشوارع الكبيرة وسط أفرع اللمبات الكهربائية، التى تتشارك بيوت الشارع فى شرائها.
فالشباب منشغلون بدعوات النزول لمليونيات الحفاظ على الثورة، خاصة مع بقاء المعتصمين المؤيدين لعودة الرئيس المعزول محمد مرسى للحكم، فى ميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر، وتحرك مسيراتهما هنا وهناك، مما يجعل الجميع دائما فى حالة ترقب، حاصة بعد المواجهات والاشتباكات التى تخلفها هذه المسيرات فى الأماكن التى تتجه لها.
فهاهى شوارع وسط القاهرة التى يسهر الشباب على مقاهيها الشهيرة، كجواد حسنى وهدى شعراوى وغيرهما لم تتزين بفوانيس ولمبات رمضان التى كانت تضاء ليلا كل عام والشىء نفسه فى الأحياء الشعبية التى تتميز بأجوائها الاحتفالية فى رمضان، فقليلة هى الزينة فى شوارع شبرا.
ويعلل محمود درويش من شباب الحى على ذلك بقوله: إن الجميع كان منشغلا بالأحداث السياسية، فأهل شبرا ظلوا أياما كثيرة قبل رمضان يخرجون فى مسيرات ضخمة للتحرير والاتحادية، للتأكيد على مطالب ثورة يونيو، والمطالبة برحيل نظام الإخوان، مؤكدا أنه لن تعقد دورات رمضانية فى لعب الكرة فى ساحات الحى، كما هى العادة فى رمضان، لأن السياسة تشغل الجميع.
∎طوابير الكنافة ومقاطعة البضائع التركية
حالة من الركود سيطرت على محال بيع الكنافة والقطايف، خلال الأيام الأولى من رمضان.. كما يؤكد عم فتحى السيد صاحب محل لبيع الكنافة فى روض الفرج بشبرا قائلا: من قبل بداية رمضان والبضاعة التى نصنعها من كنافه ورقاق لا تجد من يشتريها بعد أن كانت طوابير الزبائن تملأ المحل فى الأعوام السابقة، وبصراحة الأسعار ارتفعت، كيلو الرقاق أبيعه بعشرة جنيهات والكنافة البلدى ب8 جنيهات ده غير السمن والسكر والمكسرات التى تحتاجها ربة المنزل علشان تعمل صينية كنافة.
لكن الطوابير لم تختف من المحل الشهير فى ميدان السيدة زينب، خاصة قبل الإفطار، مما يعطى الكثير من الواقفين الفرصة للحديث أيضا عن السياسة، ويؤكد الحاج إبراهيم عرفة صاحب المحل أن الأحداث السياسية أثرت على حجم المبيعات وعلى عدد الزبائن، قائلا:الموسم بالنسبة لنا قبل رمضان بأسبوع وأول ثلاثة أيام فى رمضان، لأن المصريين يقسمون رمضان إلى ثلاثة أجزاء عشرة أيام للحلويات، وعشرة للملابس وعشرة للكحك، لكن الموسم هذا العام اقتصر على الأيام الثلاثة الأولى من رمضان فقط.
ولتجنب الخناقات السياسية فى الطابور خصص الحاج إبراهيم موظفا لتنظيمه، بعد أن نشبت عدة مشاحنات بين المؤيدين للرئيس السابق مرسى، والمؤيدين للفريق السيسى.
وفى الطابور وقفت نوال عبدالرحيم -48 سنة من سكان المنيل، قائلة: تعودت على شراء الكنافة كل سنة من هنا، وكنت آتى بعد الإفطار، لكن الأحداث التى شهدها المنيل، والاشتباكات التى وقعت بين الأهالى وأنصار الرئيس مرسى المعتصمين بميدان النهضة، أعاقت خروجى فى المساء.
ومما يلفت النظر أيضا فى اسواق المناطق الشعبية كما تقول أسماء محمود، ربة منزل من بولاق الدكرور بالجيزة، هو أن محال بيع الأسماك قد فتحت أبوابها من أول يوم فى رمضان، ويفترش باعة السمك الأسواق، حيث أخذ العرف على أن الناس تقبل على شراء الطيور واللحوم فى أوائل رمضان، وعلى الأسماك قرب نهاية الشهر وفى العيد، لكن سوء الحالة الاقتصادية دفع الصيادين الى العمل منذ بداية الشهر.
وفى الوقت الذى شهدت فيه حركة بيع وشراء الياميش واللحوم والطيور والخضروات، حالة من الركود بسبب ارتفاع الأسعار، وتكدست المحال بالبضاعة طوال النصف الأول من رمضان ، شهدت بعض فروع السوبر ماركت الشهيرة حالة من الارتباك التى صاحبها نقص فى توافر بعض السلع ، خاصة الألبان والزبادى وغيرها.
والسبب جاء على لسان بعض العاملين الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم هو أن هذه المحال يمتلكها رجال أعمال من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وتأثرت تجارتهم بعد 30 يونيو، فى الوقت الذى مازالت فيه كميات كبيرة من «شنط رمضان» مكدسة فى المحال فى انتظار من يشتريها ليوزعها على الفقراء.
الحال نفسه حدث فى سلسلة سوبر ماركت ''بيم'' التى افتتحتها حكومة الإخوان برأس مال واستثمارات وبضاعة تركية، لتعانى هذه الفروع من نقص فى المعروضات وتخفيضات لأسعار الياميش التركى الذى يباع فى عبوات بالجرامات، كما أنها تواجه الآن دعوات على مواقع التواصل الاجتماعى وبعض وسائل الإعلام، لمقاطعتها وعدم شراء البضائع التركية، بسبب موقف تركيا الداعم لعودة حكم الاخوان.
∎موائد الرحمن انتقلت لميادين الثورة
موائد الرحمن التى كانت تملأ الشوارع قبل الإفطار بساعتين، اختفى معظمها هذا العام أيضا، بعض الأسباب جاءت على لسان الشيخ عادل إمام وخطيب أحد مساجد الخلفاوى بشبرا، قائلا: إن الكثير من المتبرعين فضلوا أن يوصلوا زكاتهم إلى الفقراء القريبين منهم، بعد أن فقد بعضهم الثقة فى المنتمين لجماعة الإخوان، الذين كان بعضهم يشرف على هذه الموائد، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من رجال الأعمال المتبرعين خسروا أعمالهم، منذ ثورة يناير بسبب الأوضاع السياسية وارتفاع سعر الدولار.
فى المقابل كانت مشاهد الإفطار الجماعى فى ميدان التحرير، مع المعتصمين والمتظاهرين، هى الأشهر خلال الأيام الأولى من رمضان، والتى تمتد فيها الموائد إلى مالا تستطيع العين الوصول إليه فى الميدان.
وأطلق الشاب عبدالله عبدالرحمن دعوةعبر فيس بوك الى تنظيم إفطار عالمى فى كل جمعة من رمضان فى ميدان التحرير، بطريقة المشاركة، على طريقة «دش بارتى»، حيث يأتى كل شخص بطبق فيه أى نوع من الطعام، ويتشارك الجميع الإفطار.