لم يعد خفياً على أى متابع ذلك الدور الفج الذى لعبته الإدارة الامريكية بقيادة باراك أوباما فى مساندة اليمين الدينى المتمثل فى جماعة الإخوان للوصول لسدة الحكم فى مصر، وربما ينسحب هذا الدعم الآن على جماعة السلفيين التى قدمت نفسها أخيراً للإدارة الامريكية كبديل للجماعة التى أسقطها الشعب المصرى من حساباته، بل من المحتمل أن تكون ثورة 30 يونيو بداية انكسار للمشروعين، الأمريكى فى المنطقة وللتيار المتأسلم ممثلاً بصورة أساسية فى جماعة الإخوان ومن والاهم من الجماعات الجهادية المتطرفة. قد يتصور البعض أن الإدارة الامريكية الحالية قد بدأت تغير من توجهها بأن ما حدث فى مصر كان انقلابا عسكرياً وأنه ثورة شعبية، إلا أن التقرير الأخير الذى نشره الصحفى الأمريكى دانيال جرينفيلد فى جريدة (فرونت بيجز) يوضح أن الإدارة الامريكية لاتزالتفكر فى خطة بديلة لمحاولة منح الإخوان قبلة الحياة وإعادتها لواجهة المشهد السياسى فى مصر.
وربما تعود بداية خطة الإنقاذ الأساسية مع اندلاع الثورة يوم 30 يونيو من خلال محاولة البيت الأبيض حث الرئيس الإخوانى على وضع خطة لإجراء انتخابات مبكرة وائتلاف أوسع نطاقا... تلك الخطة التى لم يكتب لها النجاح مع توالى الأيام وصولا إلى الموعد النهائى المحدد من جانب الجيش المصرى قبل 48 ساعة من عزل الدكتور مرسى.
ثم كان أن قام وزير الدفاع تشاك هيجل بالاتصال بقيادات الجيش المصرى فى ظل قيام وزير الخارجية جون كيرى بإجازة على متن يخته فى نانتوكيت .. ويعلق الكاتب على شخصية الاثنين بأنهما يتراوحان بين «شخص غير كفء وآخر غير فعال».
فكيرى لا يملك إلا القليل فى صنع القرار فى السياسة الخارجية كما كان حال سلفه هيلارى كلينتون، وبالتالى فإنه يتم التعامل مع القرارات الحقيقية فى السياسة الخارجية من قبل الدوائر المقربة من مستشارى أوباما .. «أى أن هيجل وكيرى ليسا سوى (المهرجين) اللذين يحصلان على اللوم»، على حد قول الكاتب.
ويؤكد كاتب التقرير أن «أمريكا فى عهد أوباما لديها نفوذ سياسى ضئيل إلى حد ما، ربما يكون لها نفوذ حقيقى على مصر من خلال المساعدات.. لكن مهما كانت التهديدات التى مارسها كل من هيجل وكيرى على القاهرة، فإنها لم تكن كافية لوقف الجيش المصرى ليكون حكما بين الأطراف المختلفة على الساحة للمرة الثانية خلال عامين، ولكن دون إذن واشنطن».
ويوضح أن الخطة «A» التى وضعتها الإدارة الأمريكية للحفاظ على مرسى فى السلطة تتمثل فى إجراء انتخابات جديدة وتشكيل حكومة ائتلافية مع بعض الشخصيات الليبرالية.
أما خطة«B» التى تحددت لإعادة الإخوان مرة أخرى إلى السلطة، باستخدام سلاح المساعدات الخارجية والاستثمارات الدولية للضغط على الحكومة الحالية للإسراع بإجراء انتخابات جديدة فى أقرب وقت ممكن، من خلال إجبار السلطات المصرية على أن تفعل شيئين.. أولهما الدعوة لإجراء انتخابات فى أقرب وقت ممكن وتجنب اعتقال أو مقاضاة المسئولين من جماعة الإخوان على جرائمهم.. حيث نجد فى كل مرة قيام فريق أوباما أو وزارة الخارجية بإصدار بيان للإعراب عن قلق الإدارة الأمريكية إزاء الاحتجاجات فى مصر، والحث على الانتقال إلى الديمقراطية مع إدانة اعتقال الشخصيات الإخوانية.
ويذكر الكاتب (قراءه) بأن هذه الخطة استخدمتها الإدارة الامريكية خلال الأيام الأخيرة من مبارك، وكان هناك انقسام حول ما إذا كانت هذه الخطة لدفع الرئيس المصرى الأسبق للدعوة إلى انتخابات مبكرة أو لإجباره على الاستقالة فورا؟!.. لكن مع مرسى، كان اختيار البيت الأبيض لطريق الانتخابات التى كانت قد رفضتها مع مبارك.. والآن وبعد أن أصبح مرسى خارج السلطة فإن البيت الأبيض يعود إلى خطة الدعوة الى إجراء انتخابات «سريعة»، والنقل السريع والفورى للسلطة... وهذه الدعوة إلى انتخابات سريعة يستفيد منها مرة أخرى الإخوان»، وفقاً لرؤية الكاتب.
ولكن هل اقتصر الأمر فى الخطة «B» على الدعوة لانتخابات مبكرة.. الإجابة التى سطرها الكاتب تقول: «أصدر أوباما بيانا دعا فيه - ليس فقط - للانتخابات بسرعة، ولكنه أيضا حذر الجيش المصرى من (تجنب أى اعتقالات تعسفية للرئيس مرسى وأنصاره).. وعلى ما يبدو فإن السلطة القضائية والشرطة المصرية أظهرت تجاهلاً إلى حد كبير لكلماته، ولكن هذا التحذير هو جزء من استراتيجية الخطة «B» لحماية قدرة الإخوان على المنافسة والفوز فى جولة جديدة من الانتخابات».
وتعتمد الخطةٓ «B» على تخويف السلطات المصرية من ازدياد العنف فى الشارع أو بالأحرى الفوضى - وهو نفس ما ذكره مبارك - فى آخر كلماته قبل التنحى، فقد قامت الميليشيات الإخوانية - خلال فترة حكم مرسى القصيرة - بانتهاك والاشتباك مع المعارضين السياسيين .
وردا على الاعتقاد السائد و(الصحيح) - وفقاً للكاتب - بين عدد كبير من المصريين من أن أوباما يدعم جماعة الإخوان، فقد أصدر كيرى بيانا قال فيه، «إن الولاياتالمتحدة ترفض رفضا قاطعا الادعاءات الكاذبة التى يروجها البعض فى مصر أننا نعمل مع أطراف سياسية محددة أو حركات لإملاء كيف ينبغى المضى قدما للتحول بمصر .. «لكن بيان أوباما - فى وقت سابق - دفاعا عن الإخوان إلى جانب الإيحاء بربط المساعدات الخارجية لمصر بوضع الإخوان.. يكذب تماماً ما قاله كيرى».
والثابت أن البيت الأبيض لا يزال - حتى الآن - من خلال الخطة - «B» يحاول إنقاذ الإخوان سواء بالتهديد بالمعونات - فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر - أو من خلال استثمار احتجاجات الإخوان وأنصارهم، وبذلك يتم وضع الحكومة الجديدة بين المطرقة والسندان.. وهذه التكتيكات تم استخدامها من قبل مع الصين وإيران.. وباتت هى الأمل لإعادة الإخوان فى مصر إلى الساحة السياسية.
أياً كانت الخطط الأمريكية «A» و«B» و ... 3 قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى وأيا كانت نوعية القبلات، فالمصريون قلبوا الطاولة على الجميع وأجبروا القوى الدولية والإقليمية على إعادة حساباتهما من جديد، ولن أكون مغالياً إذا قلت إن الحزب الديمقراطى فى أمريكا قد فقد الكثير والكثير من النقاط فى سباق انتخابات الكونجرس المقبلة، وربما ينسحب ذلك بالضرورة على فرص المرشح الديقراطى فى انتخابات الرئاسة القادمة ولتكن كلمة السر هذه المرة: مصر.