أرنالدو دانتى مارينتشى الشاعر الإيطالى الذى ترشح لجائزة نوبل للآداب مرتين.. شاعر يعانق الحب وأشرعة الفكر والاختلاف والتمرد، ويحلم بأن تحل الثقافة مشاكل العالم.. ويرى أن الشعر يفتح النوافذ بين البلدان والثقافات ويسهم فى اتساع الفكر والرؤية. وحيث تشهد القاهرة عدة مؤتمرات احتفاء بدور الشعر فى التبادل الثقافى تبدأ بمؤتمر عن الشعر الإيطالى فقد كان حوارى مع الشاعر مارينتشى المستشار الثقافى لسفارة إيطاليا بالقاهرة ومدير المعهد الثقافى الإيطالى بالقاهرة، وكان الحوار حول التبادل الثقافى والشعر والحوار مع الآخر.
∎الكون داخلنا
رشح مارينتشى مرتين لنيل جائزة نوبل للآداب كشاعر مرة عام 2006 ومرة العام الماضى 2012، فقلت له: إن شاء الله تنالها هذا العام.
فقال باسما: «لا أريد أن أتكلم عن ذلك!»
فسألته: لماذا؟
قال: «ألبرتو مورافياونجيب محفوظ رشحا لنفس الجائزة فى عام واحد، وقال محفوظ لمورافيا: أتمنى أن تأخذها فنالها محفوظ».
سألته عن أسباب ترشيحه للجائزة من وجهة نظره.
فقال: «أسباب الترشيح تظل سرية لمدة خمسين عاما، وقد رشحت من السويد والمجر وإيطاليا». قلت له: فى شعرك يتبدى احتفالك بالطبيعة وفى نفس الوقت يتبدى إحساس عارم بوطأة تفاصيل الحياة اليومية على الإنسان أرى ذلك فى قصيدتك «الكون داخلنا».
فقال: «بالفعل.. إننى أتحدث عن الكون الذى لا تتجاوز معلوماتنا عنه 5٪ من أسراره، إن 95٪ من أسرار الكون لا نعرفها، بعد عشرات السنين يمكننا أن نعرف أكثر».
كانت معنا د. نجلاء والى التى ترجمت إلى الإيطالية أسئلتى وهى أيضاً التى ترجمت مارينتشى إلى العربية فقرأنا له معا قصيدة «الكون داخلنا» ومنها: قطرات مضيئة تهدهد النجوم / قد تعود بعد مضى آلاف السنين / إلى بهاء الآلة الأسطورى / إلى قداسة النجوم / فمن حشا الماضى / تولد حكمة المستقبل / وأثناء ذلك / نهوى فى الشكل الخارجى الذى لم يعد / لنا / فى الهوة السحيقة للحياة اليومية / إلى وجودنا المؤلم / ويتبدد العالم بقسوة من حولنا.
∎صراع الحضارات
قلت له: «التقينا يوم الاحتفال بيوم الشعر العالمى بدار الأوبرا المصرية وأسهمتم فى الحفل الخيرى الذى أقيم لصالح أعمال مستشفى سرطان الأطفال حلمنا جميعاً بأن الشعر يمكنه أن ينقذنا لنواجه أزماتنا بشجاعة فهل يمكنه ذلك؟».
قال: «نعم الشعر له قيمة اجتماعية، الشعر يقدم لنا فرصة لإعادة النظر فى حياتنا، ونحن نحتاجه الآن أكثر من الماضى لنعيد حساباتنا مع كل ما حولنا، فى علاقاتنا العاطفية، فى الجوانب الإنسانية، بإمكانه أن يقف ضد القهر فهناك كاتبة هولندية تم حبسها فى معسكرات النازية كانت تقول فى صلاتها اليومية: «يا إلهى.. أعطنى أو ألهمنى قصيدة كل يوم»، الشعر كان عونا لها لتحتمل الحياة، الشعر يمكنه أن ينقذنا والتعاطف مع الآخرين أيضاً فقد نظمنا حفلا خيريا فى المجر بسبب إعصار تسونامى للأطفال اليتامى عام 2006 بمشاركة 215 فنانا وحصدنا تبرعات بقيمة 25 ألف يورو، وكانت أكثر مما استطاع جمعه الصليب الأحمر لمدة عام» قلت: هذه التبرعات والإسهامات أراها لونا من الشعر، قصائد غير مكتوبة فى محبة الإنسان، ولكن فى الوقت الذى نتحدث فيه عن ذلك هناك من يتحدثون عن صراع الحضارات، واختفى هذا البعد الإنسانى المهم.
قال: «الصراع بين الحضارات يأتى من سوء التفاهم فالمرء عدو ما يجهل».
سألته: ما رأيك فيما طرحه هنتنجتون فى كتابه «صدام الحضارات»؟ الذى يطرح فيه أن الهويات الثقافية أى الحضارات بالمفهوم الأوسع ستشكل أنماط الصراع والصدام، وفسر البعض رؤية هنتنجتون على أنها بحث عن عدو جديد يوحد الغرب، وهو فى هذه الحالة الحضارات غير الغربية.
قال: «إنه لا يريد التعليق على ما ورد فىكتاب «صدام الحضارات» لهنتنجتون ولكنه يرى أن رسالة الثقافة تهدف إلى إزالة الحواجز بين الدول، وكل الدكتاتوريين الدمويين كانوا أعداء للثقافة، والصراع بين الحضارات يأتى من سوء التفاهم فالمرء عدو ما يجهل، وحاليا نحن أحوج ما نكون إلى الحوار والالتقاء وتبادل الأفكار لكسر الحواجز والتقريب بين الشعوب» قلت: ولكن هناك كما قلت: بعض الحواجز، وربما بعض المخاوف والشكوك التى ينبغى مواجهتها ليتحقق الحوار الثقافى مع الآخر.
قال: «من لديه الشكوك فإنه حقا يملك المعرفة فالشك يأتى من العلم «أنا أشك إذن أنا موجود»، لقد كان فيرونزى - أكبر أطباء إيطاليا فى معالجة السرطان- يقول: «عندما كنت صغيراً كنت فى أسرة كاثوليكية وأنا أعتقد فى الكاثوليكية وقرأت كثيراً فأصبح عندى كثير من الشكوك، المعرفة تعنى كثيرا من الشكوك.. هذا طبيعى، سقراط كان يقول: «أعتقد أننى لا أعلم شيئاً».
∎مفهوم التبادل الثقافى
قلت له: فى مقالة لى فى صباح الخير كتبت أقول إننا كشعراء وكتاب لا نريد احتضان الشعر فى مصر بل نريد المشاركة على أساس الندية بين شعراء أوروبا التى لاتزال موطنا للشعر وشعراء مصر التى ظلت دائماً مهدا للشعر منذ آلاف السنين.
قال: «الموضوع ليس ندية أو مساواة، المسألة أن الشعر رسالة عالمية إنسانية، شعراء أمريكا على سبيل المثال حضارتهم حديثة فهل نهملهم، الفكرة هو مضمون الرسالة وهل الشعر لايزال يحتفظ بنفس المكانة التى كانت له فى الماضى أم لا؟».
قلت: احترام إسهام الآخر ومكانته فى الثقافة الإنسانية هو الذى سيضمن وصول رسالة الحوار والتبادل الثقافى.
قال: «مفهومى للتبادل الثقافى أنه اتجاه مزدوج لنشر الثقافة وعلى سبيل المثال: يمكن نشر الثقافة الإيطالية فى مصر ونشر الثقافة العربية فى إيطاليا».
وأضاف: «الثقافة تحل كل المشاكل، فالناس فى الحقيقة يتناقشون ويتبادلون الخبراتوالثقافات والمعرفة وتغيير الأفكار».
∎مشروعات ثقافية
سألته عن تفاصيل المشروعات الثقافية التى يقوم بها الاتحاد الأوروبى بالاشتراك مع المعهد الثقافى الإيطالى فى مصر.
فقال: «هى مشروعات تستهدف تحسين الأوضاع الاجتماعية والثقافية فى الدول التى تستضيف الوفود الأوروبية، فهناك مؤتمر عن الشعر الإيطالى تناقش فيه إبداعات الشاعر الإيطالى دانونسيو (1863- 1938) وهو من أكبر شعراء إيطاليا فى القرن العشرين وكذلك مناقشة أعمال الشاعرين مارينتى (1876- 1944) وأونجاريتى (1888- 1970)، وتعقد الاحتفالية ببيت الشعر فى القاهرة.
وفى نفس الوقت سيتم الاحتفاء بشعر شوقى وحافظ وناجى حيث ترجمت إلى الإيطالية مسرحية «مصرع كليوباترا» لأمير الشعراء أحمد شوقى بالإضافة إلى سلسلة من اللقاءات مع كبار الشعراء تبدأ بلقاء مع الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى إذ يلقى قصيدته «مرثية لاعب سيرك» التى ترجمتها إلى الإيطالية د.نجلاء والى، وتعقد الاحتفالية بالمعهد الثقافى الإيطالى.
«قد سميت/ أيها الشيطان المسكين باسم/ قصم ظهرك/ وأرجف عروقك ونبضات قلبك/ عبء ثقيل تنوء بحمله/ وقد قضيت أياما طوالا من دربك/ ترمق من بعيد بإعجاب/ إلى الجبل السعيد لمؤلفك/ يتملك ضوؤه الوهاج/ وحكمة الفلاسفة/ تتخيل نفسك وسط أوهامه العجيبة/ وأسطورة رحلة أخرى مجهولة/ من فكر فى تسميتك بهذا الاسم/ بنية حسنة/ كرر بحب الخدعة/ مع أرنو الغريب الآثم/ السابح ضد التيار/ من غدا لسائر الشعراء نبراسا/ ومن نبع واحد صور للحب خيالات شتى/ وأضفى على ينابيعه الأخرى الجدة والعذوبة/ ثم توارى فى النار يتطهر/ لم يفكر عندئذ/ من سماك بذلك الاسم/ إنه يلهو بحنان أبوى/ بالغابة المقفرة أو الوحوش».
∎الحياة جميلة مهما حدث:
قلت: عبرت فى قصائدك عن ألم ووحشة أشعر بهما فى قصيدتك «فى ظلمة الكلمات» (يقول فيها: فى الليل تغرق فى/ عتمة كلمات/ لم تقل تتوه/ وفى جليد/ الروح/ لن تعود/ الأيام المضيئة/ للعبث/ أو للعنف المجنون).
قال: «حتى القصائد الحزينة أو المأساوية هى تعبير عن سعادة عاشها الإنسان كما يقول باسترناك، الحياة جميلة بكل أحداثها ومهما حدث يا دنيا يا غرامى كما يقول مطربكم محمد عبدالوهاب، والإنسان يصبح عجوزا عندما يتوقف عن التعلم والدهشة والفضول وتعلم الجديد.
هكذا تحدث مارينتشى مؤكدًا أن الشعر يقدم لنا فرصة لإعادة النظر فى حياتنا وأننا نحتاجه الآن أكثر من أى وقت مضى.