بنوتة صغيرة لم تتعد السادسة أو السابعة عشرة من عمرها، كانت مصدر تفاؤل للكثيرين على تويتر فكانت تكتب يوميًا «تويتات» من شأنها بث الأمل والسعادة حتى ولو فى أحلك الظروف من هذه التويتات«ماتكتئبش وتقول أنا زهقت من الدنيا وعايز تموت لأنك ببساطة مش ضامن الجنة.. بالعكس تفاءل كده وجهز لآخرتك وقول يارب أنا مستعد أقابلك فى أى لحظة». وقبل ما تنزل من بيتك خذ قرار أنك هتكون سبب فى سعادة ناس كتير وأنك مش هتخلى حاجة تضايقك أبدًا وبنيتك الحلوة دى ربنا هيخليك مبسوط طول اليوم. - اضحك أنت لسه فيك نفس وعايش.. قدامك فرصة تقوم وتصلى وتدعى ربنا من قلبك وتقوله سامحنى وتفضفض معاه غيرك يتمنى يكون مكانك فاضحك أنت فى نعمة. هذه الفتاة المتفائلة الحكيمة اسمها فريدة وكتبت عن نفسها «أعانى مع الثانوية العامة و«السرطان» مع بعض.. مافيش حاجة تستاهل.. ابتسم وسيبها على الله».
مع بساطة وتلقائية كلماتها تظهر سمات الصبر والإيمان والتفاؤل والأمل والإرادة وهى سمات غابت عن كثير ممن يكبرون فريدة بسنوات عديدة ومنذ أسبوعين فارقت فريدة الحياة بعد صراعها مع سرطان الكبد.. ذهبت فريدة ولكن عاشت كلماتها على حسابها الشخصى على تويتر كلماتها المليئة بالأمل والصبر والتفاؤل وعندما قرأت لها تويتة تقول: «أنا عندى أم عظيمة هى اللى علمتنى يعنى إيه ثقة فى ربنا وأمل وشفتها وهى بتعانى من نفس المرض وصمدت وخفت علشانى أنا وأخويا ربنا يخليها ليا».. أدركت البطل الحقيقى فى قصة فريدة.. أمها قدوتها التى أعطتها القوة والأمل وربتها على حسن الظن بالله والثقة فى النفس والتحدى، ورأت فريدة كيف أن قوة الإنسان قد تصرع مرضًا كالسرطان وانعكس ذلك على نظرتها للحياة وتمسكها بالأمل.
حاولت الاتصال بوالدة فريدة لتعزيتها والتأمل فى تجربتها كأم صلبة ربت ابنتها فأحسنت تربيتها، وتستحق فى عيد الأم أن نتذكرها.. ولكن للأسف فلم ترد على رسائلى وأقدر حالتها الآن، ولكنى وجدت حولى أكثر من أم فريدة، فالأم المصرية عظيمة متفانية وتعرفت على أمهات فريدات يستحققن التحية فى عيد الأم.
بطلة فى الخير
هى امرأة قوية مكافحة موظفة فى إحدى الوزارات أصيبت بسرطان الثدى لها ثلاثة أولاد فى المرحلة الابتدائية كانت تعلم كثيرًا عن المرض لإصابة والدتها به وملازمتها لها إلى أن توفاها الله وقد يكون هذا الموقف هو ما أعطاها القوة والصلابة والصبر، فلم تجزع وإنما تقربت من الله واحتمت بزوجها وأولادها ولم تكن تلك النهاية وإنما البداية تحكى ل.م قصتها فتقول: «كان عمرى 33 سنة عندما أصبت بالمرض ولازمنى زوجى وكان لى خير معين عند الدكاترة ولإجراء الفحوص والأشعة والعلاجات المختلفة وأولادى كانوا صغارًا جدًا أكبرهم فى الصف الرابع الابتدائى، فحاولت أن أغرس فيهم معانى الصبر والتحمل والاعتماد على النفس حتى يستطيعوا أن يحيوا فى هذه الدنيا وكان للعلاج أثر قوى على فى سقوط شعرى وإصابتى بالوهن، وقتها زوجى تعمد أن ينقص من وزنه وأن يحلق شعره حتى لا أشعر بأنى مختلفة، وأذكر إنه قال لى «أنت مش لوحدك» هذه الجملة هى ما أعطتنى قوة وتحديا وثقة فى نفسى وفيمن حولى ووجهت كل طاقاتى لأولادى وللخير فذهبت لأكثر من جمعية خيرية لأشعر كل محتاج «أنه مش لوحده»، وعندما أجريت عملية استئصال الثدى شفيت ولكن ابتلانى الله وامتحننى فى ابنتى الصغرى فأصيبت بمرض خطير اضطررنا لاستئصال كليتها، وهنا شعرت بأن عندى صحة «تهد جبال»، وأشعرتها أنها هى الأخرى قوية وسليمة وجعلت أولادى يشتركون معى فى الأنشطة الخيرية فنذهب لجمعية رسالة لمساعدة المحتاجين وزيارة اليتامى ونذهب لنتصدق فى جمعية الأورمان وكثير من الجمعيات الأخرى لأننا عندما نرى مصائب غيرنا تهون علينا أى مشكلة ونشعر بكرم ربنا علينا، فهناك من يعانى المرض والوحدة وقلة ذات اليد وتكاتفنا معًا كبشر هو ما سيهون أى شىء .
ماما نشوى
السيدة نشوى أو كما يناديها الكثير من الأطفال المرضى واليتامى «ماما نشوى» تعرضت لتجربة أليمة عندما فوجئت بمرض ابنتها وهى فى العاشرة من عمرها بالسرطان وظلت هذه الصدمة تلازمها طوال فترة مرض البنت وهى ترى حلمها يتلاشى أمام عينيها والمرض يقضى على جسد ابنتها الصغير، وهى تقف مشلولة لا تستطيع مساعدتها وما هى إلا بضعة شهور حتى فقدتها.. أصيبت باكتئاب شديد وكره للحياة ولكن حدث تحول جذرى فى حياة السيدة نشوى لتصبح ماما نشوى فتقول: «بعد عام من وفاة ابنتى وجدت أنى لدى من الحنان والحب أن أعطيه للعديد من الأطفال وأن أترجم حبى لابنتى لطاقة إيجابية يستفيد منها من هم مثل ابنتى فتوجهت لمعهد الأورام ومستشفى سرطان الأطفال والجمعيات الخيرية المهتمة باليتامى ورميت همومى وآلامى فى أحضان هذه القلوب الصغيرة فشعرت بالدفء والسعادة ولم أبخل بمجهود أو مال أو وقت لإسعاد طفل مريض، وفى حقيقة الأمر فإن هذه الأيادى الصغيرة هى التى انتشلتنى من بئر الاكتئاب ورأيت فى كل طفلة صغيرة ابنتى التى أفتقدها وفى كل بسمة على وجه طفل البسمة التى أشتاق إليها على وجه ابنتى، وعوضنى الله خيرًا بكل هذا الحب الصافى النقى، فبعد أن كانت حياتى صلبة لأنى أعمل فى الأرقام كمحاسبة أصبحت حياتى لها معنى مليئة بالمشاعر الجميلة والدعوات التى أسمعها من كل والدين يعانيان من الألم والحسرة وقلة الإمكانيات لمعالجة ابنهما.. وقد كانت نقطة التحول فى حياتى عندما ذهبت بعد وفاة ابنتى لطبيب نفسى ونصحنى بمحاضرات فى كيفية استعادة التوازن النفسى وتقبل الأمر الواقع والتفاعل مع الأحداث التى تصيبنا، وأصبحت الآن أنا من أقوم بهذا الدور عندما أجد أمًا يائسة أو أبًا فاقدًا للأمل لأن حالتنا النفسية تظهر على وجوه أولادنا وفى مرضهم وضعفهم هم أحوج ما يكونوا ليستمدوا منا نحن الأهل وخاصة الأم القوة والصبر والتحدى وأصبحت بفضل ابنتى رحمها الله أمًا لكثير من الأطفال ومصدر سعادة وأمل لهم.. فنحن للأسف من الجهل والوعى ما يجعلنا عند إصابتنا أو إصابة قريب أو حبيب لنا نقف مكتوفى الأيدى بدلاً من أن نكون سندًا وعونًا لهم.
أولادى الخمسة
أم فريدة أخرى السيدة ن هى أم لخمسة أطفال وزوجها سائق تاكسى كانت تعيش فى هدوء ورضا إلى أن شعرت بورم صغير اعتقدت أنه من الرضاعة لأنها كانت لم تكمل عامين من ولادتها لابنتها الصغرى وذهبت للطبيبة فطلبت منها أشعة وتحاليل وكانت الصدمة كما تقول السيدة «ن»: «عندما علمت بإصابتى بسرطان الثدى اسودت الدنيا فى وجهى أول الأمر فعندى خمسة أطفال من سيربيهم من سيهتم بابنتى التى لم تتجاوز العامين ولكنى تمسكت بالإيمان وكنت واثقة فى لطف ربى فوقف بجانبى زوجى ولم أخبر أولادى وكانوا فى المراحل الثانوية والإعدادية والابتدائية ولم أجعلهم يشعرون بمرضى وإنما ظهرت سعيدة ومتماسكة أمامهم وساعدنى زوجى فى كل شىء وأعطانى الأمل فى أننا سنمر هذه المحنة معًا ولم يدخر أى مجهود لأظهر أمام أولادى سليمة ومعافاة حاولت مع أولادى أن أقضى معهم أحلى وأفيد الأوقات فلا أعلم سأعيش لمتى؟! وكنت أتعامل معهم بصورة طبيعية وأشاركهم كل لحظات حياتهم وعندما كنت أذهب للعلاج الكيميائى كنت أشعر بآلام وتعب كبيرين فكنت أتحجج بأنى مريضة من برد أو أنفلونزا ويقوم زوجى عنى بكل واجباتى ويساعدنى أولادى فى البيت وفى كل شىء وسبحان الله وجدت فى هذا الابتلاء فرصة للتقرب من أولادى أكثر لشعورى بأنى قد أفقدهم فى أى لحظة وحمدت الله على كل ما لدينا وعلى زوجى الحبيب الذى يساندنى وعشت أحلى فترات حياتى فى حضن أسرتى، والغريب أن الله وفقنى كثيرًا فقد قابلت الدكتور محمد شعلان رئيس جمعية سرطان الثدى بالمصادفة فى معهد الأورام وهو شجعنى وساندنى وأجرى لى العملية لاستئصال الثدى وشفيت الحمد لله.
عقل الطبيب وقلب الأم
أما الدكتورة «س» فهى أم لابنة فى الثانوية العامة وابن فى الصف الثالث الإعدادى للأسف أصيب ابنها أيضا بهذا المرض الخبيث ومع أنها طبيبة إلا أنها لم تستطع تصور أن يكون المرض بهذا القرب منها فى زهرة حياتها على حد تعبيرها وهو ابنها وتقول: أصبحت ما بين نارين عقل الطبيب الذى يفهم آلام المرض العضوية والنفسية وقلب الأم الذى ينفطر على ابنها وتخاف من فقده حاولت بشتى الطرق إخفاء الخوف والقلق وظهرت صلبة وقوية ولأنه كبير وواع أقنعته بأن الحياة مهما طالت فهى قصيرة وما يهم أن تستمتع وتستفيد بكل دقيقة فيها وتحارب المرض وتتحداه «يا يغلبنا يا نغلبه» وأن نرضى بقضاء الله وندرك كم القوة والإرادة التى بداخلنا، لذا تعاهدنا أن نحارب المرض كأسرة جميعا بالإيمان والصبر والتحدى والأمل أذهب مع ابنى لجلسات العلاج فيعود منهكًا فأخفف عنه وقلبى «بيتقطع» وأخبره أنه «راجل» يجب أن يتحمل.. أراه يذبل أمامى فأشد من أذره وأحيطه بأصدقائه وأحضرت له مدرس موسيقى ليعلمه عزف الجيتار الذى طالما يتعلمه دفعته لأن يكون له نشاط على الإنترنت إما مدون أو صفحة على الفيس بوك يشارك فيها الناس كتاباته وأشعاره لأنه موهوب واتفقت معه على إخفاء مرضه عن كل من حولنا حتى لا نرى نظرة شفقة فى عين أحد ويتعامل معنا كل من حولنا بطريقة عادية ومر عامان على مرضه والحمد لله كل لحظة من هذه الفترة عشناها برضا وسعادة وأمل، فالأم والأب هما المسئولان عن نظرة أولادهما للمواقف والمصاعب وتعاملهم مع الظروف والمشاكل لذا يجب أن نكون حذرين جدا فى ردود أفعالنا حتى أمام الأطفال صغار السن لأنهم مرآة لنا والحمد لله فإن من يتعامل مع ابنى لا يشعر أنه مريض أو حزين على نفسه فهو دائمًا متفائل؟