بعد تزايد حوادث الانفلات الأمنى، المتمثلة فى قيام البلطجية بممارسة جميع صنوف الإجرام والإرهاب ضد المواطنين، بدايةً من الاستيلاء على الأموال وفرض السيطرة والخطف والاغتصاب. وهذا طبعًا إلى جانب النشاط الإجرامى الرئيسى المتمثل فى تجارة المخدرات سجلت محافظة الشرقية ظاهرة جديدة التصقت بأهلها بعد ثورة 25 يناير، رغم أنه كان من المنتظر أن تمحو هذه الثورة الآثار السلبية التى ألمت بالمصريين خلال العقود القليلة الماضية التى حكمنا فيها النظام السابق بالعبودية والخوف والبطش، مما أوقع البعض فى دائرة الانتقام والأخذ بالثأر بأنفسهم دون انتظار العدالة القانونية. قام العشرات من أهالى قرية أنشاص البصل التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، ظهر يوم السبت الماضى، بقتل 2 بلطجية قاما بترويع الأهالى، وآخر وقائعهما قيامهما الخميس الماضى بإصابة شاب بطلق نارى بالظهر أثناء تواجده بكافيتريا خاصة به بمدخل القرية. وتم نقل الشاب لمستشفى جامعة الزقازيق، وقام العشرات من أهالى القرية بإشعال النيران بأكشاك بمدخل القرية، ومن بينها الكشك الخاص بخفراء القرية، وتم تحرير محضر بالواقعة، وإخطار نيابة المركز برئاسة إسلام حسين للتحقيق.
وقبل هذا الحادث تلقى اللواء محمد كمال، مدير أمن الشرقية، إخطارا من العميد إبراهيم ضيف، مأمور مركز الزقازيق يفيد وصول «محمود ع س» 03 سنة، مقيم أنشاص البصل- مركز الزقازيق، المستشفى الجامعى مصابا بطلق نارى بالظهر.
وأكد شهود العيان بالقرية أنه أثناء تواجد المجنى عليه بكافيتريا بمدخل القرية قام «محمد س ع» بلطجى، وخارج من السجن مؤخرا بإصابته بطلق نارى بهدف فرض السيطرة.
وبعد علم أهالى القرية بالواقعة قام العشرات منهم بإشعال النيران بأكشاك للبلطجى أقامها عنوة بمدخل القرية وقام بتحويلها لغرز، ثم قام الأهالى بإشعال النيران بغرفة الخفراء بالقرية، تعبيرا عن غضبهم، لعدم وصول القيادات الأمنية بالمركز أثناء الواقعة، وهروب المجنى عليه، ويوم السبت الماضى، قام البلطجى وصديق له بترويع أهالى المجنى عليه، فقام الأهالى ظهر اليوم بالتعدى عليهما بالضرب المبرح، وتعليقهما على أعمدة إنارة. وتعد هذه المرة العاشرة التى يتخلص فيها أهالى الشرقية بأنفسهم ممن يروع أمنهم.
و قد شهدت الشرقية خلال الأسابيع القليلة الماضية قيام الأهالى- حتى الآن- بتنفيذ 10 حوادث قتل للانتقام من المعتدين على سياراتهم وأموالهم وأنفسهم، كان آخرها وكان العشرات من أهالى عزبة الجندية مركز بلبيس قد قاموا بقتل اثنين من البلطجية أثناء محاولتهما سرقة عجلين من سيارة المواشى، بعد أن قاما باعتراض السيارة المحملة برأسى ماشية بطريق بلبيس أبو حماد ظهرا ومحاولتهما استيقاف قائد السيارة وسرقتها، فقام الأهالى بضبطهما وإشعال النيران بالدراجة البخارية التى كانا يستقلانها والتخلص من بندقية آلية كانت بحوزتهما فى الترعة قبل وفاتهما.
كما قام العشرات من أهالى قرية بندف التابعة لمركز منيا القمح بقتل 4 بلطجية قاموا بترويعهم، كما قتل العشرات من أهالى قرية أولاد سيف مركز بلبيس 2 سرقا معزة بالقرية.
وحاول اثنان من البلطجية سرقة مواشى من مزرعة شخص فى قرية الجندية التابعة لمركز ومدينة بلبيس، فاستغاث هذا الشخص بالمواطنين أثناء خروجهم من الصلاة، فقاموا بالإمساك بهما وانهالوا عليهما ضربا حتى لفظا أنفاسهما الأخيرة وتوفيا فى الحال.
وفى وادى الملاك بمدينة أبوحماد قام أهلها بحرق رأس بلطجى وتعليقه على عمود كهربائى، وحادثة بندف بمنيا القمح التى قام البلطجية بسرقة شخص، فاستغاث بالأهالى فقام الأهالى بضبط البلطجية والتمثيل بجثثهم يأتى هذا الشعور اعتقادا من المواطنين بغياب الأمن عن الشارع.
وتعرضت سيدة مسنة إلى جريمة قتل بشعة على يد شقيقين مسجلين خطر، بعزبة الحريرى التابعة لقسم أول الزقازيق انتقاما من نجلها الذى قتل شقيقهم منذ عام بنفس المنطقة، وتلقت بعدها تهديدات بالقتل من أهالى القتيل ثأرا لمقتله، الأمر الذى دفعها إلى الذهاب إلى محافظة أسيوط خلال الفترة الماضية، وفى أثناء زيارتها للعزبة لإنهاء إجراءات معاش زوجها المحبوس بسجن الزقازيق العمومى، تعرفا عليها.. وفاجأوها وسط أهالى المنطقة بالضرب على رأسها بآلة حادة أفقدتها الوعى ثم طعنها بسكين عدة طعنات متفرقة من أعلى الرأس الى أسفل القدمين حتى فارقت الحياة، وسط حسرة الأهالى الذين اكتفوا بالعويل والصراخ ولم يستطع أى منهم منع الجريمة خوفًا من بطش الجناة القتلة.
وقد أصابت أهالى المنطقة حالة من السخط والقلق خوفا من بطش أهالى الجناة بهم، خاصة بعد قيام أهالى الجناة بحرق منازل أربعة من الشهود الذين أدلوا بأقوالهم أمام المباحث عن ملابسات الواقعة وأدانوا الجناة خلال أقوالهم.
فى البداية يقول اللواء محمد كمال مدير أمن الشرقية إن حالة الاحتقان من المواطنين تجاه البلطجية مازالت موجودة إلى الآن، فالبعض يشعر فى هذه اللحظة بأنه لابد أن يقوم بتلقين البلطجى درسًا قاسياً اعتقادًا منهم بعدم وجود الأمن ولكن لابد أن يأخذ القانون مجراه وأجهزة الأمن تبذل كل الجهد لنشر الأمن وبث الأمان فى نفس رجل الشارع.
مشيرًا بأن ما يقوم به المواطن مع البلطجى هى حالة الدفاع عن النفس ولكن يجب أن يقوم بمساعدة الأمن فى القيام بدوره. مؤكدًا أن المديرية تقوم بعمل ندوات بالتعاون مع مديرية أوقاف الشرقية وفى جميع مراكز الشباب والسجون والمدارس لحث المواطنين على إنهاء هذه الظاهرة. وأشار مدير الأمن إلى أن معظم الخارجين عن القانون فى محافظة الشرقية، هم أصلا من خارج المحافظة، وأغلبهم من محافظات مجاورة.
وأن البؤرة الإجرامية هى مكان يتجمع فيها البلطجية والخارجون عن القانون على مستوى الجمهورية، ويكون بها مدق ترابى على ارتفاع 2 متر، لافتاً إلى أن النزول إلى هذه الأماكن يحتاج معدات معينة، وضباطاً مدربين تدريباً خاصاً.
الدكتور محمد عوض أستاذ الإعلام بجامعة الزقازيق قال: سلوك البلطجة وفرض السيطرة وإظهار الشر وإخافة الآخرين هى موروث ثقافى لدى البعض توارثه عن آبائه وأجداده ساهم فى تقويته مشاهد العنف والبلطجة والدماء فى وسائل الإعلام وهو أمر معلوم لنا جميعا. وعلاج تلك الظواهر يحتاج إلى الوقت والصبر وأن يكون الإصلاح لتلك الفئات موازيا للردع لكى يعلم من تسول له نفسه الاقتداء بهم أو تقليدهم أن مصيرهم إلى زوال، وأنه لا يصح إلا الصحيح ولا مجال إلا للاستقامة والعمل بشرف واحترام القانون. وهذا يتطلب من وسائل الإعلام عرض نماذج القدوة الحسنة للاقتداء بها وتوضيح الجزاء والمصير المؤلم الذى يصل إليه كل من يفكر فى الخروج على القانون بأى شكل من الأشكال.
ورفض عوض تمامًا مايحدث من القيام بالتمثيل بالجثث وعلق على تلك الأحداث قائلا: إن غياب هيبة رجل الأمن فى الفترة الماضية هو ما أدى إلى اهتزاز دوره ومكانته، وكذلك هناك بعض الأهالى أحيانًا يتسترون على البلطجية وذلك يكون ناتجاً عن الخوف أو اللامبالاة.
كما أن المواطن يشعر بأنه غير آمن فى ظل غياب القصاص العادل، فيلجأ إلى القصاص ومعاقبة البلطجية بنفسه، وهذا أحد مؤشرات ضعف أداء الجهاز الأمنى ولابد أن ندرك أنه لا يمكن أن تقوم دولة ولا يمكن للاقتصاد أن ينهض دون أمن، وبالتالى لن تكون هناك سياسة دون اقتصاد، فكل عنصر يعتمد على الآخر، فإذا غاب الأمن غابت الدولة.
وعلى الجانب النفسى الذى له عامل شديد الخطورة على المواطنين يقول الدكتور عماد مخيمر أستاذ ورئيس قسم علم النفس بآداب الزقازيق: إن حالة الاحتقان مازالت موجودة لدى المواطنين منذ اندلاع الثورة، فعند مجىء الفرصة للمواطن لإخراج هذه الحالة فعلى الفور لا ينتظر الشرطة، فيقوم هو بدور الشرطة، بل أكثر فعند التمثيل بجثث البلطجية يشعر المواطن فى هذه اللحظة بنشوة النصر فى المعركة لإحساسه بخروج الكبت الموجود لديه على بلطجى يحاول أن يروع المواطنين.
وجرائم الانتقام والتمثيل بالجثث تبدأ غالبا بسوء فهم بسيط، يتم الرد عليها بكلمة أقوى حتى يظهر السلاح لأنها تتحول إلى مسألة كرامة، تكون النتيجة قتيلاً وتحول الأمر إلى تار بايت، ويزداد الغل والرغبة فى الانتقام لأهالى القتيل مع مرور الشهور والسنوات دون عقاب الجانى، حتى نصل إلى مرحلة القتل «بدم بارد» ولا يكتفون بقتل القاتل أو أحد أقاربه، وإنما يضيفون إليه التمثيل بالجثة بالتعرية والسحل فى الشارع وترك علامات عليها والتعليق على الأعمدة، لتوصيل رسالة ترهييب للجميع. وبالطبع فإن غياب الحكومة وتكاسلها فى معاقبة الجناة يجعل المواطنين يقومون بدور الحاكم والجلاد فى الوقت نفسه.
وعلى الجانب الدينى يقول الشيخ زكريا الخطيب وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة الشرقية: استمرار هذه الأفعال غير القانونية سيجعل بالدولة نوعاً رهيباً من الإرهاب. وتقوم مديرية أوقاف الشرقية بالتشديد على الدعاة بتخصيص خطب الجمعة لحث المواطنين على عدم فعل هذه الأفعال التى من الممكن أن تقلنا من دولة قانون إلى دولة إرهاب يأخذ كل مواطن حقة بيده وهذا لا يجوز شرعا.