عندما كتبت الأسبوع الماضى عن انقلاب 14 يونيو المتوقع بصدور أحكام المحكمة الدستورية العليا بشأن قانون العزل.. وكذلك بشأن عدم دستورية قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى.. لم أكن أتوقع فى الوقت نفسه أن تتسارع تداعيات الحكم الثانى بهذه الصورة وهذا الشكل، خاصة أن الحكم امتد من بطلان الثلث الفردى إلى البرلمان كله.. وللأسف فهذه التداعيات أخذت منحنى صداميا لا مبرر له سوى إصرار جماعة الإخوان المسلمين ومن أمامها حزب الحرية والعدالة وتوابعه فى البرلمان على التمسك بالسلطة إلى أقصى مدى.. حتى لو كان هذا التمسك بالسلطة التشريعية ضد إرساء قواعد دولة القانون وأيضا احترام كل السلطات لأحكام القضاء خاصة النهائية منها والتى لا يجوز الطعن عليها مثل حكم المحكمة الدستورية العليا.
وللأسف، فإن مسلك حزب الحرية والعدالة ومن ورائه جماعة الإخوان جاء متسقا مع معتقداتهم وأفكارهم، فهم لا يلتزمون بأحكام القانون والدستور إلا إذا كانت على هواهم وعلى مزاجهم ولصالحهم ولا يعترفون بالديمقراطية والانتخابات إلا إذا جاءت بهم للمقاعد البرلمانية والرئاسية.. أما إذا جاءت هذه الأحكام ضد مصالحهم.. فهى باطلة ومنعدمة وغير ملزمة ومرفوضة وأنه لا قانون إلا قانونهم.. ولا دستور إلا دستورهم.. ولا أحكام إلا أحكامهم.
الغريب أنه رغم التصريحات السابقة على صدور حكم الدستورية العليا خرجت علينا قياداتهم الحزبية والبرلمانية.. وحتى على لسان مرشحهم للرئاسة محمد مرسى أنه سيتم احترام أحكام القضاء وأن البرلمان ملتزم بتنفيذها.. إلا أنه بعد الحكم تراجعت كل هذه التصريحات وتحولت إلى الضد وضربت بكل هذه الأحكام عرض الحائط، والأغرب أن حزب الحرية والعدالة هو الجماعة الوحيدة داخل البرلمان التى رفضت الحكم.. واعترضت عليه.. واعتبرته كأنه لم يكن وأن البرلمان مستمر فى عمله ويمارس سلطاته فى التشريع رغما عن المجلس العسكرى صاحب السلطة الفعلية فى إدارة البلاد.. وأن ما حدث يعتبر انقلابا على الديمقراطية وعلى السلطة المنتخبة من الشعب وانتزاع حق لا يملكه المجلس العسكرى أصلا.
وقد جاء رد فعل المجلس العسكرى إيجابيا وحاسما بإصدار الإعلان الدستورى المكمل الذى يحدد صلاحيات الرئيس وكذلك آليات وضع الدستور الجديد ليصحح جميع أخطاء المرحلة الانتقالية التى دفعنا إليها دفعا التيار الدينى وجماعة الإخوان المسلمين بالتحديد وأهمها وضع الدستور الجديد بعد الانتخابات التشريعية وليس قبلها كما جاء الإعلان الدستورى الأول، وقد كان هذا الخطأ الجسيم الذى فرضه علينا فرضا التيار الدينى ليضع دستورا على مزاجه وعلى هواه الشخصى ووفق مصالحه الخاصة ليستطيع من خلاله السيطرة على مؤسسات الدولة ليتحكم بها كيفما يشاء.
هذا الخطأ الجسيم والتاريخى هو المسئول عن الحلقة المفرغة التى دخلنا فيها لندور فيها ونعود فى النهاية إلى نقطة البداية الصحيحة وهى الدستور أولا.
والشىء الآخر الجدير بالذكر أن ما حدث من المجلس العسكرى بإصدار الإعلان الدستورى المكمل لا يعد انقلابا على الديمقراطية وعلى المرحلة الانتقالية ولا على السلطة التشريعية كما يفهمه البعض خاصة الإخوان وقيادات الحرية والعدالة، ولا يعد اغتصابا للسلطة كما يروجون، ولكنه فى النهاية تصحيح لأخطاء المرحلة الانتقالية، فالذى يقرأ الأحداث جيدا يجد أنه على جماعة الإخوان أن تحاسب نفسها قبل أن تحاسب المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأنهم المسئولون الأساسيون عن اضطرابات المرحلة السابقة بكل أخطائها وخطاياها وأوزارها وذلك من خلال إدارتهم وممارستهم السيئة داخل البرلمان، والتى أعادت إلى أذهاننا صورة الحزب الوطنى فى آخر أيامه.. فقد كانوا يمارسون حالة غريبة من الاستعلاء والاستكبار والاستقواء على كل القوى السياسية داخل وخارج البرلمان.. حتى على المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذى لولاه لما جاءوا هم إلى البرلمان بانتخابات برلمانية نزيهة كما كانت أيضا كذلك انتخابات الرئاسة، وعندما كان الشارع يطالبهم بتحقيق مطالب الثورة كانوا يرددون على لسان قادتهم ومنهم الكتاتنى والخضيرى أن الشرعية انتقلت من الميدان إلى البرلمان.. وعندما جاء السكين على رقابهم عادوا إلى أن الشرعية الحقيقية شرعية الشارع والميدان ..لكن بعد إيه؟!
الذى يفتح كشف حساب الجماعة والحرية والعدالة طوال ستة أشهر سابقة يتأكد أنهم صدقوا أنفسهم بأنهم ملكوا القوة، وأنهم القوة السياسية الوحيدة فى الساحة، لم يستوعبوا الدرس ولم يفهموا قواعد اللعبة جيدا ومارسوا الصدام والاستقواء على كل المؤسسات الدستورية فى الدولة، بدأوا بالصدام مع المجلس العسكرى وأنه لا يستطيع عمل إعلان دستورى مكمل، ولا التدخل فى تشكيل الجمعية التأسيسية، وأنه لا يمثل السلطة المنتخبة فى البلاد وهم يمثلونها.. وأكملوا الصدام مع الحكومة وحاولوا سحب الثقة منها وتغييرها بشتى الطرق، ثم مارسوا أبشع وسائل الديكتاتورية والإقصاء فى الجمعية التأسيسية بالإصرار على الاستحواذ على أكثر من 07٪ من مقاعد اللجنة التأسيسية الأولى.. وعندما أبطلتها المحكمة عادوا بنفس المنهج ليلتفوا على حكم المحكمة ويحاولون الاستحواذ على 85 مقعدا من مقاعد التأسيسية.. وليس المهم الشعب وأطياف الشعب الذين يتحدثون باسمه ويتشدقون به ليل نهار.. وأخيرا تحولوا إلى تشكيل المحكمة الدستورية العليا فى محاولة لتعديل قانونها والتدخل فى شئونها بدعوى أن الذى عين رئيسها هو رئيس الجمهورية السابق ومن قبلها التعليق على أحكام القضاء فى قضية قتل المتظاهرين والتشكيك فى نزاهة القضاء، وأخيرا وليس آخرا محاولة ضرب الاستقرار داخل المؤسسات الصحفية بدعوى تطهير هذه المؤسسات وكان الهدف الأساسى هو تحويل هذه المؤسسات إلى مؤسسات تابعة للإخوان.
كل هذا والسلطة الحاكمة فى البلاد تمارس ضبط النفس إلى أقصى درجة.. ومع ذلك فقد اعتبروا أن ذلك نوع من الضعف وتلافى الصدام.. وللمرة الثانية لم يتعلموا الدرس ولم يفهموه، لذا فالإخوان أخذوا فرصتهم كاملة طوال الستة أشهر الماضية من عمر البرلمان.. وبدلا من أن يستثمر برلمان الحرية والعدالة لخدمة أهداف الثورة تمادوا فى ازدياد جرعة الكراهية والقرف منهم ومن أدائهم طوال الفترة السابقة، ولدرجة أنه سادت حالة من الفرح والارتياح فى الشارع المصرى كله بعد صدور حكم المحكمة بحل البرلمان بما يؤكد تراجع شعبيتهم فى الشارع، ووضح ذلك من الجولة الأولى فى انتخابات الرئاسة، والجولة الثانية التى شهدت منافسة شديدة بين المرشحين مرسى وشفيق بما لا يزيد على نصف مليون صوت تقريبا، وهى نتيجة غير كاسحة وتعتبر انتصارا ساحقا لشفيق إذا كان يمثل فعلا النظام السابق.
وأخيرا أيا كان الرئيس القادم وفى الغالب هو د. محمد مرسى فإنه سيكون بلا صلاحيات ومنزوع الدسم لا يمارس حقه فقط سوى بتعيين الحكومة وأنه حسب الإعلان الدستورى سيكون رئيسا مؤقتا إذا جاء الدستور الجديد بتحويل النظام الجمهورى المصرى من الرئاسى إلى البرلمانى.. وأيضا لأن الرئيس القادم لن يكون رئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة مع حق الرئيس الكامل فى تعيين وزير الدفاع.
فى النهاية.. علينا كشعب متحضر متعلم أن نحترم الديمقراطية التى جاءت بالرئيس المنتخب.. وأن نحترم سيادة القانون التى حلت البرلمان، واتعلموها بقى يا جماعة.. لعلكم تفقهون