صدمة قوية وضربة فى مقتل تلقتها جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة صاحب الأغلبية فى البرلمان بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان ثلث مقاعد مجلس الشعب، وبالتالى ببطلان مجلس الشعب بأكمله الأمر الذى هدد مستقبل الجماعة فى مصر بعد أن سيطرت على أغلبية مقاعد مجلسى الشعب والشورى واستحوذت على أغلبية أعضاء اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور وأصبحت على بعد بضع خطوات من الوصول إلى كرسى الرئاسة من خلال المرشح الرئاسى الذى دفعت به الجماعة الدكتور محمد مرسى والذى يواجه منافسة شرسة من منافسه الفريق أحمد شفيق الذى يبدو أن الظروف كلها أصبحت فى صالحه بعد صدور حكم بعدم دستورية قانون العزل السياسى. كان لزاما أن تقوم الجماعة بترتيب أوراقها والتفكير فى خروج من المأزق الذى وضعتها فيه المحكمة الدستورية العليا وكان لزاما علينا نحن أن نعرف كيف سيكون مستقبل الإخوان فى الفترة القادمة.
يقول الدكتور جمال حشمت عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين ووكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المنحل ردا على مخططات الجماعة بعد حل البرلمان: «نحن ننتظر اجتماع مجلس شورى الجماعة حتى نجلس ونفكر سويا فيما يمكن اتخاذه من إجراءات فليس من حق أى فرد أن يتحدث فيه بشكل فردى وحتى الآن لم تجتمع الجماعة لبحث الوضع» .. وعن الخطوات التى من الممكن اتخاذها فى هذه الفترة أكد الدكتور جمال حشمت: «نحن أمام خطوة واحدة وهى الانتخابات الرئاسية وبعد انتهائها سوف نفكر فيما يمكن فعله فى الفترة القادمة إن شاء الله.. وعن الآراء القائلة بأن الإخوان المسلمين فقدوا جزءا من شعبيتهم بسبب البرلمان المنحل يقول حشمت: «الحملة الإعلامية الشرسة كانت سببا فيما حدث، ولكن قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس أنا أرى أنه أعاد للإخوان جزءا من شعبيتهم.. وسيبين الفارق بين وجود المجلس وغيابه حيث إن البرلمان المنحل قد أصدر قوانين لم تصدر منذ ثلاثين عاما ومجموعة القوانين التى اقتربنا منها وكان لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها وما قدم لفئات الشعب من خدمات ومن تشريعات.. أنا أظن أن الشعب سيشعر بمدى قيمتها عندما يحين الوقت ولا ترى من يقف أمام الفساد والتعسف واستخدام السلطة.. أنا أظن أن البرلمان سيظل يستعيد رونقه وأهميته التى لم يكن يشعر بها الناس تحت الضغط الإعلامى.. أنا أتصور أن وجود الإخوان بأشخاصهم داخل الدوائر سيساعد بدوره أن تسير الأمور بشكل طبيعى.
يقول د. ثروت الخرباوى المحامى بالنقض والقيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين والباحث فى شئون الحركات الإسلامية: «الإخوان المسلمون هم مثل الطماع الذى إذا غلبه الطمع فأراد أن يحصل على كل المساحة أو على كل الحكم ولا يعطى لأحد أى جزء منه.. الآن هم يبحثون عن جزء من السلطة، ولذلك سيكون سعيهم فى المستقبل محاولة التوافق مع الرئيس القادم بحسب أن الملامح قد ظهرت أن الفريق أحمد شفيق هو الرئيس القادم فسيسعى الإخوان إلى التوافق معه من أجل الحصول على مساحة حركة ولو محدودة تكون أفضل من مساحتهم مع الرئيس السابق مبارك .. هذا هو أسلوب الجماعة النفعية فإن لم تستطع أن تحصل على الكل تبحث عن الجزء.. أظن فى الغالب العام أن النظام القادم سيقبل التعاون معها مادامت ستقدم له وعودا أو ضمانات فإذا ما أخلت بالوعود أو الضمانات فلا مكان لهم.. وأول ضمانة يطلبها الشعب كله وليس النظام هى أن تكون جماعة الإخوان المسلمين جماعة قانونية بمعنى أنها يجب أن توثق أوضاعها وفقا للقانون.. فإذا لم تفعل ذلك فهى وشأنها ولتتحمل ما سيحدث لها». وعن تهديدات الإخوان بإحداث ثورة أخرى فور فوز المرشح المنافس للدكتور محمد مرسى وهو الفريق أحمد شفيق وعن مخطط حرق مصر الذى تداولته وسائل الإعلام الإلكترونية يقول الخرباوى: «أنا لا أعتقد أن تقوم جماعة الإخوان بذلك.. الجماعة تقول ذلك، ولكنها لن تفعل ذلك هى تهدد فقط.. والتهديد هنا من باب نظرية التفاوض وهى ما تعرف باسم نظرية (الصقور والحمائم).. بمعنى أن الجماعة ليس لديها كروت الآن تحت يديها حتى تفاوض بها، وبالتالى تفتعل مواقف متشددة حتى يستطيع الحمائم المفاوضة بشأن هذه التصريحات.. هذا مجرد كلام تقدر مصر كلها «تبله وتشرب ميته».. جماعة الإخوان ليس فى إمكانها أن تفعل ذلك ولن تفعل ذلك وهى أصلا ليست جماعة ثورية وأدبيات الثورة فيها غائبة تماما وهى تعرف أنها إذا ما ثارت لن يتضامن معها أحد لأنها هى نفسها غابت عن الجماعة الوطنية ولم تقبل أن تشاركها الجماعة الوطنية فى إدارة مصر وقت أن كانت السلطة فى يديها.
أما دكتور جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فيقول: «بعد ثورة 52 يناير حقق الإخوان مكاسب كبيرة واخترقوا حاجزا كبيرا كان موجودا وهو حاجز الاعتراف الرسمى لحزب سياسى يمثلهم وهم أنفسهم قد أقدموا على خطوة كانوا مترددين فيها طوال سنين كثيرة وهى تأسيس حزب سياسى يمثلهم معبر عن الجماعة، وأعتقد أنها من المكاسب التى لا يمكن التراجع عنها على الإطلاق، ومازالت هناك إشكالية كبيرة متعلقة بالوضع القانونى للجماعة أعتقد أنه سيكون عليهم التعامل معها فى الفترة القادمة، ولن يكون بإمكانهم الحفاظ على هذه الصيغة والتصرف كجماعة وقت مايحبوا وحزب وقت مايحبوا .. أظن أن التمييز ما بين الحزب والجماعة سيكون مطلبا رئيسيا فى الفترة القادمة وتقنين وضع الجماعة وتوفيق أوضاعها وفقا للقانون لأنها حتى الآن جماعة محظورة وغير مسجلة فى مكان ما ولا أحد يعرف أين تسجيلها ووفق أى قانون تعمل ؟! الشىء الآخر الذى حدث بعد 52 يناير هو أن هناك ظرفا استثنائيا خلق ساحة سياسية والجماعة حققت مكسبا كبيرا من خلال الانتخابات البرلمانية .. أعتقد أن الجماعة أو حزب الحرية والعدالة أيا كان التيار الذى يمثله، سيشارك فى الانتخابات وسيأخذ نصيبا جيدا، ولكن الحالة الاستثنائية أنه كان شبه وحيد فى الساحة السياسية قد انتهى، والسبب أن هناك خبرات قد تكونت لدى القوى السياسية الأخرى وقدرات تنظيمية أكثر قد اكتسبت.. نعم ينقصهم الكثير، ولكن لم يعد الإخوان منفردين وفى نفس الوقت الهالة حول التيار الإسلامى عموما أستطيع أن أقول إن من المكاسب التى تحققت خلال الفترة الماضية أنها قد اختفت أى أنهم أصبحوا تيارا سياسيا عاديا .. مازال الدين أداة فى أيديهم، ولكن جزءا كبيرا من الجمهور فى مصر قادر على التمييز بين السياسة والدين».. ويستطرد قائلا: «أعتقد أن الإخوان قد فقدوا جزءا من مصداقيتهم فلم يعد الإخوان تيارا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،أتصور أنه تيار سياسى موجود فى مصر، لكنه ليس تيارا مقدسا ولا وحيدا ولن يتمتع بميزات الغموض التنظيمى التى تمتع بها فى الفترة السابقة.. أعتقد أن حل البرلمان كان درسا قاسيا للإخوان ومهما للشعب المصرى فى نفس الوقت.. مهم للإخوان لأن غرور القوة لا يؤدى إلى نتائج هم تصوروا أن أمامهم فرصة تاريخية لابد من اقتناصها .. طموحهم كان كبيرا للسيطرة على كل شىء، ولكن وسط هذا الاندفاع تناسوا أن مصر لا يمكن اختزالها فى حزب واحد هذا كلام كانوا يرددونه باستمرار، ولكن كانوا لا يعنون .. أعتقد أنهم تعلموا درسا كبيرا وهو أن تجاهل الآخرين حتى لو كانوا قوى ضعيفة ومفككة له ثمن كبير، وعلى الجانب الآخر المصريون أصبحوا أنضج سياسيا فحجم نضوج المصريين خلال ال 51 أو ال 81 شهرا الماضية لا يقدر بثمن فقدرتهم على كشف الكذب حين يسمعونه ويفهمون المناورة حين يرونها وهذا كله يدفع فى اتجاه حياة سياسية أكثر صحية ويحرج التيارات التى تتلاعب بمشاعر الدين والسياسة والغضب، وهذا يقلل فرصة جماعة الإخوان فى السيطرة على المجتمع السياسى.