طلاب الثانوية العامة لهذا العام أبطال، فهم مضطرون إلى اجتياز امتحاناتهم فى أصعب فترة تشهدها البلاد فلم يعد الخوف من صعوبة الامتحان هو الضاغط النفسى الوحيد وإنما عدم الشعور بالأمان والخوف من الأوضاع الحالية والنيران التى وضعوا فيها بدون ذنب، نار نتيجة الإعادة فى الانتخابات ونار الميدان المشتعلة بسبب محاكمة مبارك وأعوانه والانتخابات.. كل هذه ضغوط نفسية عليهم أن يصمدوا أمامها كالصخور فى وجه الموجة وعلى الرغم من تصريح الدكتور جمال العربى وزير التربية والتعليم بأنه لا تأجيل فى موعد الامتحانات إلا إذا زادت الأوضاع الراهنة سوءاً بحيث تشكل خطورة على ذهاب الطلبة للامتحان ونزول المراقبين.. إلا أن هذا التصريح لم يكن بمثابة مسكن لهم ولم يزل مخاوفهم، بل زاد من توتر طلاب الثانوية، وآباؤهم أصبحوا مرضى نفسيين لمعاناتهم التوتر الزائد والقلق المرعب. محمد عبد الهادى - مهندس معمارى وولى أمر لطالب فى الثانوية العامة - يقول: نعانى من قلق وتوتر شديد أصاب البيت ككل.. فبين التظاهرات والمليونيات على محاكمة مبارك ونجليه وأعوانه وبين انتخابات الإعادة انهارت حالتنا النفسية والثبات النفسى لدينا كأولياء أمور أصبح لا شىء.. فدائما قلقون بشأن الغد ونسأل أنفسنا العديد من التساؤلات: هل ستمر هذه الفترة بسلام دون ارتباك وبدون عدم استقرار؟.. هل سيعم الانفلات الأمنى من جديد ويمس أبناءنا أثناء أدائهم للامتحانات؟.. وللأسف هذا التوتر الذى نعانيه كآباء يشعر به أبناؤنا على الرغم من محاولة تهدئة الأوضاع فى البيت، ولكن الحالة النفسية السيئة هى المسيطرة علينا ومرض القلق والتوتر أصابنا كآباء ونقلنا عداوة لأبنائنا. ∎ الآباء مرضى نفسيون: منى حسين ربة منزل قالت: ابنتى فى المرحلة الثانية من الثانوية العامة وعانينا نفس المعاناة العام الماضى وكنا نخشى أن تزداد الأحداث سوءا ويتم إلغاء الامتحانات أو تأجيلها، ولكن مرت الامتحانات بسلام وتم تأمين المدراس من الجيش والشرطة واللجان الشعبية.. ولكن أحداث هذا العام «سخونتها أشد من سخونة الصيف» وأى شىء متوقع حدوثه.. وهذا ما يزيدنى قلقا، فى الماضى كان يساورنا القلق من صعوبه الامتحان أو مدى قدرة أبنائنا على اجتيازه.. أما الآن فأصبحنا قلقين بشأن كل شىء قبل الامتحانات وأثناء أداء أبنائنا للامتحان وبعد الامتحان خوفا على المادة المقبلة وسينتهى هذا الكابوس المزعج ليس مع إعلان الرئيس لأن هذا قد يشعل الأمور ويزيدها سوءا وإنما مع آخر مادة للامتحانات سنعود فى حالتنا الطبيعية، أما الآن فأغلب أولياء أمور طلبة الثانوية العامة مرضى نفسيون. ∎ مخاوف عديدة أما عن محمد صفوت - موظف استقبال فى إحدى الشركات - فيقول: ابنى فى المرحلة الأولى من الثانوية العامة وهى أهم مرحلة انتظرتها أنا ووالدته بفارغ الصبر ونعانى من التوتر بشأن الامتحانات والمجموع.. إضافة إلى الأحداث التى تمر بها البلاد فالأوضاع ليست مستقرة والبلد «على كف عفريت» أى من نتائج الانتخابات قد تشعل النيران والعنف وما زاد الطين بلة هو الحكم الذى أصدره المستشار أحمد رفعت على مبارك وأعوانه.. كل هذه الأمور تجعلنا نخشى أن يحدث أى كوارث فى فترة الامتحانات.. وسنظل فى هذه الحالة السيئة حتى تظهر نتائج الثانوية العامة.. فدائما يراودنى كابوس أن الطلبة سينتهون من الامتحانات بسلام، ولكن أوراق الامتحانات ستتم سرقتها أو حرقها وسيضطرون إلى الإعادة مرة أخرى. ∎ الطلاب وحالتهم النفسية [أحمد جودة طالب]
أحمد جودة - طالب فى المرحلة الثانية من الثانوية العامة قسم علمى رياضة - يقول: إذا اقتصر الأمر على المذاكرة فهو أمر هين.. لكن الآن يحكمنا العديد من الظروف الدخيلة على البيت والتى تزيد من خوفنا فنحن لا نشعر بالأمن ونحن فى بيوتنا.. فكيف سأشعر بالأمن وأنا داخل اللجنة أؤدى الامتحانات.. فالضغط النفسى الذى نواجهه أثناء الامتحان نستطيع السيطرة عليه بالمذاكرة والمراجعة وحل امتحانات السنوات السابقة، ولكن أوضاع البلد لن نستطيع السيطرة عليها.. كل ما أخشاه أن يتم تأجيل امتحانات ونعيدها فى رمضان.
[مصطفي منتصر طالب]
مصطفى منتصر طالب فى المرحلة الثانية من الثانوية العامة قسم أدبى قال: ليس لدى أى مخاوف من الامتحانات فى حد ذاتها، ولكن الخوف من أنصار شفيق وأنصار محمد مرسى أيهما إذا تولى رئاسة البلاد ستعم الفوضى وتزداد الأمور سوءا على الأقل فى بدايات الحكم اعتراضا عليهم.. والخوف أن يؤجل الرئيس الجديد الامتحانات أو تستمر الامتحانات فى ظل الاحتجاجات والاضطرابات والانفلات الأمنى ليذهب الطلبة إلى امتحاناتهم مذعورين وخائفين على أنفسهم أكثر من خوفهم على النتائج.. فأى جو نفسى يساعد أو يشجع على الحل الأمثل واجتياز الامتحان، كما يتمنى الطالب.. يكفى أننا نعانى ضغوط الآباء الذين ينتظرون النتائج وضغط الوقت القصير الذى لابد أن نجتاز فيه الامتحان والآن سنعانى ضغط الأوضاع السياسية.
منار على طالبة فى المرحلة الثانية من الثانوية العامة قسم أدبى قالت: لا أدرى كيف سنجتاز امتحاناتنا مع كل هذا القلق من المفترض أن تكون أعصابنا ومشاعرنا غير مضطربة وننعم بالهدوء والسكون حتى ننال الراحة النفسية ونجتاز الامتحانات بدون مشاكل، ولكن الأوضاع الراهنة تزيد من توترنا وإحباطنا وأتمنى أن تؤجل الامتحانات لأننى أخشى أن يحدث لنا مكروه حتى إذا تم تأمين اللجان والمدارس «كانوا آمنوا على الشهداء».. لابد من مراعاتنا فى التصحيح فنحن سنكون على أعصابنا خوفا من اقتحام اللجان أو حدوث مشكلة أمام المدرسة فالأمن مختفى وتشتيت أذهاننا سيؤثر حتما على طريقة حلنا وعلى النتائج فيما بعد. ∎ التوصيف النفسى:
[د. هاشم بحري]
يصف دكتور هاشم بحرى - دكتوراه فى الطب النفسى - الحالة النفسية لدى الطلبة والأهالى وصفا طبيا وهو: إن البيوت التى تمر بمرحلة مهمة مثل الثانوية العامة فى ظل هذه الأوضاع الساسية المتقلبة المزاج والتى اشتدت حموتها فيما قبل امتحانات الثانوية مباشرة بيوت «مضطربة نفسيا ومشتتة ذهنيا»، حيث قال: إن فى العادى دائما يقلق الآباء بشأن امتحانات أبنائهم ويقلق الآبناء على أنفسهم لأكثر من سبب الأول خوفا من معاقبة الأهل والثانى خوفا على تحصيلهم ومستواهم الدراسى والآن طلبة الثانوية «الأقل حظا» هذا العام توازت امتحاناتهم مع ظروف قاسية تمر بها البلاد ولا يستطيع أحد توقع الأحداث فالأمور تختلف من دقيقة إلى أخرى وتتصاعد الأحداث بسرعة وهذا ما يجعل الآباء خائفين مذعورين على أبنائهم أكثر من النتائج المرجوة من الامتحان.. وبالتالى فالمشكلة تكمن فى الأهل لأنهم من المفترض أن يقوموا بتهيئة أجواء مناسبة للأبناء حتى يستطيعوا مراجعة دروسهم فى ثبات نفسى دون أن يتشتت عقلهم فيفقدون جزءا من تركيزهم لأنهم مشغولون بقضية أخرى غير الدراسة.. لذلك على الأهل أن يحاولوا عدم الحديث فى السياسة وعدم تخمينهم بالأحداث القادمة وتشويه المستقبل وإنما عليهم بالصبر والتفاؤل حتى تهدأ نفسيتهم وبالتالى ينقلون لأبنائهم الروح الإيجابية لأن نجاح وتفوق الطلاب يعتمد على الدعم المعنوى الذى يستمدونه من الأهل، بالإضافة إلى الأجواء المحيطة بهم.. ولابد أن ينتظر الآباء المصير القادم بدون أن يتوقعوه فقد لا يحدث شىء من مخاوفهم، وبالتالى سيكونون قد أثروا على أبنائهم سلبا ولن يستطيعوا إرجاع الامتحانات أو تعويض الأبناء عما فقدوه بسبب الضغط النفسى والقلق الزائد.
أما دكتور إسماعيل يوسف رئيس قسم الطب النفسى فى جامعة السويس فقال: الامتحانات فى حد ذاتها ضغط نفسى شديد لأنه ينظر لها على أنها عنق زجاجة، إما الخروج منها إلى كلية عليا أو إلى أى كلية نظرية فهو «المستقبل» الذى يعيش فيه هو وأسرته وعائلته التى سيكونها من بعد إضافة إلى المخاوف الأخرى من الناحية السياسية التى «تزيد الطين بلة» لدى الطلبة.. فالبعض قد يترك دراسته بحجة الواجب الوطنى ويذهب فى مسيرات ومليونيات هروبا من المذاكرة، وسيؤثر هذا بالسلب عليه فيما بعد عندما ينتهى كل شىء ويجد نفسه بلا مجموع وبلا كلية وبلا مستقبل.. لابد أن يعى طالب الثانوية أن مستقبله يعنى خدمة وطنه وأنه واجب أسمى من النزول فى مسيرات ومليونيات التحرير.. كما أن هناك طلابا يشغل بالهم الأحداث يراقبون عن بعد ويتأثرون بشدة فتزداد مخاوفهم على أنفسهم ويشعرون بانعدام الأمن ويبدأون فى التساؤلات التى تكون أجوبتها «من الجائز»، فقد يتم بالفعل تأجيل الامتحانات إذا اضطرت الأمور إلى هذا مثلما حدث وقت النكسة مع طلاب الثانوية العامة.. إضافة إلى أن الأسرة ستعانى من ضغوط نفسية عنيفة خوفا من نتيجة أبنائهم، خوفا من أن يصيب أبناءهم مكروه أثناء تأدية الامتحان، خوفا من الميزانية التى أرهقتهم طوال العام قد تؤثر عليهم فيما بعد، فإما سيدخل أبناؤهم كلية حكومية ويجدون مكانا فيها بمجموعهم وإما سيضطرون إلى دفع المزيد والمزيد طوال سنوات التعليم الجامعى ليدخل الأبناء الجامعات الخاصة.. فالعملية لم تصبح عملية «امتحانية»، وإنما أصبحت «انتحارية» لدى كل الأبناء المضطرين إلى المراجعة والحفظ والاستذكار والذهاب إلى الامتحانات فى ظروف سياسية متخبطة تؤدى إلى التظاهرات أو العنف فيما بعد والآباء الذين يحاولون إخفاء مشاعرهم المضطربة ومخاوفهم من الأيام المقبلة.