صراع على صفيح ساخن.. ذلك الصراع الذى يجرى الآن على قدم وساق بين هيئات الأقباط وفصائلها من أجل حشد القوى للدفاع عن مدنية الدولة الممثلة فى الفريق أحمد شفيق. مخاوف عارمة تجتاح الأقباط منذ الإعلان عن خوض الإخوان المسلمين جولة الإعادة، وبناء عليه سارع الجميع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه كل منهم على قدر استطاعتهم بدءا من رجال الأعمال وحتى رجال الدين.
ومن هنا تابعنا كواليس حشد الأقباط لتأييد شفيق فى يوم الحسم.. يوم الإعادة.
فور الإعلان عن جولة الإعادة ومن الذى سيخوضها، أعلنت عدة منظمات قبطية دعمها للفريق شفيق أهمها هيئة الأقباط العامة تحت رئاسة الدكتور شريف دوس، ومنظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان برئاسة الدكتور نجيب جبرائيل، واتحاد المنظمات القبطية بأوروبا، وهيئة أقباط النمسا، والهيئة القبطية النمساوية وجمعية أصدقاء الأقباط بفرنسا، والهيئة القبطية الهولندية وجمعية الشباب القبطى الفرنسى والهيئة العامة القبطية بميلانو.
وبمجرد علم الأقباط أن الإعادة ستكون بين مرشح الإخوان د.محمد مرسى وأحمد شفيق، أعلنوا أنهم سيدعمونه رغم المآخذ التى يأخذها عليه الناس. كما وصلت رسائل تليفونية إلى الكثير من الأقباط تنص على: «سلبيتك أو إبطال صوتك معناها أنك تصوت للإخوان، عليك إنقاذ مصر من أن تتحول إلى مصرستان». ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل وصل الأمر إلى موقع التواصل الاجتماعى الذى اتخذ منه الأقباط وسيلة للدفاع عن مدنية دولتهم فقد نشر عدد من المواقع القبطية تصريحات على لسان مرشح الإخوان يهاجم فيها الأقباط، بالإضافة إلى تصريحات القمص إسطفانيوس وكيل مطرانية سمالوط والتى أكد فيها أن من يرشح مرسى من الأقباط يعد خائنا، ويقول للأقباط: انتخبوا شفيق لأن البديل خطر عليكم وعلى مصر.
ومن ناحية أخرى أكدت جميع الحركات القبطية داخل وخارج مصر اختيارها للدولة المدنية الممثلة فى الفريق شفيق، وحتى من صوت لغيره فى الجولة الأولى سيصوت له فى الإعادة.
واتفقت الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية على المرشح الذى يحترم حقوق الأقباط ويؤمن بمبادئ المواطنة، وهو ماينطبق على شفيق.
∎ الأساقفة يحشدون الاقباط
وبدأ الأساقفة والرهبان المشاركة فى حشد الاقباط من أجل الدفاع عن الدولة المدنية.
فقد قام الأنبا بولا، رئيس المجلس الإكليريكى وأسقف طنطا، بإرسال تعليمات للأساقفة والكهنة على حث الأقباط على المشاركة دون تحديد مرشح معين لدعمه.. وأعد عدد من رجال الأعمال الأقباط ومنظمات وحركات قبطية خطة للحشد القبطى للوقوف لدعم شفيق عبر توفير وسائل مواصلات وإرسال رسائل نصية على الهواتف المحمولة للأقباط وحشدهم فى القرى والمراكز الفقيرة على مستوى الجمهورية.. واعتبر العديد من قيادات الكنائس القبطية تخطى شفيق للجولة الأولى نجاحاً للحشد الكنسى للأقباط، وإعلان رفضهم للدولة الدينية.
∎ الإخوان يغازلون الكنائس
ومن ناحية أخرى بدأ حزب الحرية والعدالة حملة شرسة لمحاولة استقطاب الأقباط وإقناعهم بترشيح مرسى، وذلك عن طريق تكوين لجنة مكونة من رموز قبطية لتقليل الفجوة، وإزالة سوء التفاهم بين الطرفين.. هذا بالإضافة إلى الزيارات التى يقوم بها أعضاء حزب الحرية والعدالة فى جميع المحافظات إلى الكنائس، وليس هذا فقط بل يجتمعون بأفراد الكنيسة ويحاولون أن يرهبونهم من حكم شفيق إذا جاء خشية أن يعيد أفعال الرئيس السابق، ونظامه الذى كان يتسبب فى إحداث الفتن الطائفية، وحرق الكنائس.. كما يلعب الإخوان على شباب الأقباط الذين صوتوا للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح لإقناعهم بالتصويت لمرسى.
ومن جانبها أعلنت الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية ترحيبها بزيارة أى فرد يريد زيارتها،فى حين رفضت الكنيسة الإنجيلية أى زيارات، وأرجعت سبب ذلك إلى أنها تقف على مسافة واحدة من كل المرشحين.
∎ الاقباط يريدونها مدنية
يقول المفكر القبطى كمال زاخر-رئيس هيئة العلمانيين الأقباط فى مصر: من الطبيعى أن يتوجس المصريون الأقباط من التصويت للدكتور محمد مرسى فى انتخابات الإعادة نتيجة للممارسات الصادمة للإخوان، لذا سيتوجه عدد كبير منهم للفريق أحمد شفيق، فلا ننسى استهداف تيارات إسلامية متطرفة لهم بداية من أحداث الخانكة عام 2791 وحتى أحداث كنيسة الماريناب. وبالنسبة لموضوع أن شفيق من النظام السابق وسيفعل مثلما فعل مبارك بالشعب علق قائلا: حقيقة أن شفيق من النظام السابق لكن فى رأيى أن لديه رؤية، ومن يقول إن شفيق سيعيد النظام السابق، فهو مخطئ لأننا كمصريين نستطيع أن نتحكم فى عودة النظام السابق.
فالشباب الذى أطاح بالنظام السابق موجود، ولن يذهب لأى مكان آخر، ونفس الأمر بالنسبة لشباب الأقباط الذى لم يكن مسموحا لهم بالحديث فى السياسة خارج أسوار الكنيسة، لكنهم تمردوا وخرجوا فى ثورة 52 يناير، ودفعوا دماءهم فى ماسبيرو.
وأنا أرفض من يهاجم الأقباط لأنهم أعطوا شفيق، فالمتحدث باسم الجماعة الإسلامية اتهم الأقباط الذين صوتوا للفريق شفيق بالعمالة، وأقول له: إن «أ» «ب» ديمقراطية تنص على حرية الاختيار.
وكيف يحرمون على الناس ويكفروهم إذا اختاروا مرشحاً غير مرشحهم الإسلامى، ولا يقبلون باختيارات الأقباط؟! وهناك نقطة فى غاية الأهمية وهي: من الذى سيضمن لنا لو جاء أحد غير شفيق، أنه لن يعيد النظام السابق فى شكل آخر، لكن الخطر الأكبر هو أننا لن نستطيع السيطرة أو الوقوف أمام المد الدينى المتطرف.. فالفصل سيكون فى عمل الدستور الذى سيتحكم فى صلاحيات الرئيس.
∎ لن ندفع الجزية
أما الأنبا يوحنا قلتة - نائب بطريرك الكنيسة الكاثوليكية فى مصر - فقد أعلن عن موقفه قائلا: لقد كنت من المسيحيين الذين أعطوا أصواتهم فى الانتخابات البرلمانية للإخوان المسلمين، وقلت هؤلاء قوم يخافون الله، ولكنى فوجئت أن ممارساتهم أخذت منحى آخر، بعد أن ظهرت رغبتهم فى الاستحواذ على السلطة، مما جعلنى أشعر بخيبة أمل، خاصة أن ممارساتهم تطرح علامات استفهام، أى إسلام وأى فكر سيطبقون؟ وهل يسعون إلى دولة سلفية، أم إلى نموذج طالبان، أم القاعدة، فى وقت لدينا فيه الأزهر المعروف بوسطيته واعتداله؟ نحن لا نخشى الإسلام، ولكن نخاف من مفسريه، فآفة الأديان المفسرون، ومنذ أسابيع أصدر أحد السلفيين فتوى أوجب فيها عدم بناء الكنائس، وحرق الموجود منها، ورددت عليه بأن أكثر الكنائس التى بنيت فى البلاد العربية كانت فى عهد الخلفاء الراشدين، وليس فى العصر المسيحى البيزنطى، هذه من خصوصيات الفكر الإسلامى على عكس الأديان الأخرى، وأرى تسامحه يضيع الآن على أيدى المتطرفين. وقال قلتة: إن الكنيسة الكاثوليكية تحترم رأى كل إنسان وكل مصرى مسلماً كان أو مسيحياً، وله حق الاختيار دون ضغط أياً كان الرئيس الذى سيختار، وأوضح أن ما يهم الأقباط أن يكون الرئيس مصرياً خالصاً وأن ينهض بالدولة المدنية ويحرص على حرية الفرد واحترام عقيدة كل إنسان. فقد خفت كثيرا عندما ظهر السلفيون و نادوا بدفع الجزية، فهل يعقل ونحن من أهل البلد وكلنا مصريون إخوة منا من اعتنق الإسلام ومنا من ظل على المسيحية، أن يدفع شخص الجزية والآخر لا، فعصر الجزية كان بديلاً عن العسكرية والجندية، والآن الدولة لها مؤسساتها التى تحميها وتضم الجميع. وحتى لو جاء رئيس من التيار الإسلامى المتشدد، فنحن لن ندفع الجزية وإن أدى الأمر إلى قتل ال51 مليون قبطى، وعلى هؤلاء جميعاً أن يعلموا أننا على استعداد للاستشهاد قبل أن نعود مستعبدين مرة أخرى، نحن نرفض حياة الذل، ونرفض التفريق بين المواطنين على أساس الدين. ومصر الآن فى مفترق الطرق، إما أن تقع فى أحضان السلفيين والجهاديين والقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، وإما أن تتحول إلى دولة مدنية حديثة. وعن رأيه فى أحمد شفيق أكد أنه يراه رجلا منضبطا، ومثالا للدولة المدنية.