أمرت مهردارى فى الليلة العاشرة أن يجتهد فى أن يحضر من تبدو عليه سمات البساطة والتواضع حيث لاحظت أن هذه الفئة غائبة أو مغيبة عن مجلس الحكواتى وأن معظم المريدين هم من أهل العلم والثقافة والتحزب وفرق اليمين واليسار، فهم بين إسلاميين واشتراكيين ومحافظين وليبراليين ولايمنع أن يكون هنا وهناك فى أقصى أركان المجلس بعض الفلول غير ناظرين إناه.. فما وصلت تلك الليلة إلا وقد أنهى المهردار الطلب على أكمل وجه وأجابنى إلى ماطلبت. فصرت أخوض فى طريقى إلى متكئى بين أغراض الباعة الجائلين وعربات اليد بما عليها من بضائع وامتلأ المجلس عن آخره بهم وقد بذل مهردارى وكاتبى والحرس مجهودا كبيرا ذلك أن القوم ما إن وصلوا حتى بدأ كل منهم فى النداء على بضاعته استغلالاً للزحام وطلباً للرزق فبدا المجلس كساحة سوق شعبية كبيرة بين النداء على البلح والطماطم والكوسة والملابس الشعبية وغيرها وبعد مجهود وشد وجذب صمت القوم وإن كان حماسهم قد فتر لأى أمر يخرج عن طلب الرزق كما تعلموا وتعودوا فعلمت أنى سأواجه ليلة عسيرة فى شرح ما أريد وبيان بغيتى من إحضار هؤلاء البسطاء إلى المجلس ففضلت أن أبدأ باستنهاض روح المعرفة فيهم بالسؤال عن بعض الأحداث فى الماضى إن كانوا قد علموا بها لأدلف منها مباشرة إلى الحاضر الذى ينتظر أن يكون شبيها إن توافرت له نفس العناصر.. فوجهت كلامى إلى القوم قائلا: من منكم أيها الأحباب يعرف كافور؟ فعلى الفور رفع أحد الرجال فى آخر المجلس صوته قائلا: أنا.. فأمرت أن يقرب من موقع المتكأ حتى أسمعه فجاء الرجل دافعا أمامه عربة البطاطا خاصته والتى صمم على ألا يأتى بدونها فقلت للحرس دعوه.. فوقف أمامى ولم يقبل أن يتحدث إلا إذا تذوقت أنا ومهردارى والحرس من بطاطته الساخنة ففعلت وكان صبرى قد أوشك على النفاد وقال: نعم يامولانا.. كافور هذا أنا أعرفه جيدا فقد كانوا يبلوه لنا ونحن فى الجيش ثم نسقاه رغما.. يالها من أيام وقد.. أسكت الرجل سريعا والتفت إلى القوم قائلا: باختصار وحتى لا أضيع وقتكم الثمين جمعتكم اليوم لأعلمكم بحادثة جرت فى مصر المحروسة منذ قرابة ألف عام أو يزيد وأرى أن لها ملامح متكررة فسأحكى لكم طرفا منها وأعلمكم بالقصة وشخوصها عسى أن تكون لكم نبراسا فى دجى ليل المحروسة الداهم.. يحكى أنه كان بمصر حاكم يسمى محمد بن طغج على عصر الدول الأخشيدية وكان لمحمد هذا ولد اسمه محمود ويقال له أنوجور وكان يأمل بن طغج أن يرث ولده ملك مصر على عادة الحكام فى ذلك الزمان وكان لمحمد بن طغج هذا خادم امين وصديق وفى يسمى كافور وكان فيه من الصفات ماجعلت بن طغج يقربه حتى أصبح من كبار قادة الجيش فى عصر الدولة الأخشيدية فأوصى بن طغج تلميذه وصديقه الوفى كافور والذى سيسمى فيما بعد بكافور الأخشيد نسبة إلى سيده الذى رباه وآواه بأن يكون على عهد ولده وأن يمكن له ما أمكنه التمكين فاستجاب كافور وعاش فى كنف مولاه زمنا طويلا وعند وفاة محمد بن طغج كان كافور هذا هو كبير وزرائه وكاتم سره ومهذب ولده.. ولكن كانت لكافور أطماع تعدت دور الوزير الكبير ورجل الدولة الأول فكان أن ضَّيق على أنوجور بن محمد بن طغج حتى أيأسه من الحكم واستولى كافور فى عام وفاة أنوجور على حكم مصر وذلك فى عام 943 ه وحكم حتى وفاته ثم اجتاحت مصر بعد ذلك جيوش الدولة الفاطمية فى عام 953 ه هذا ما كان من أمر الظابط كافور وسيده الأخشيد وقد ذهب أغلب الليل وبانت تباشير الفجر فخلونى لخلوتى رحمكم الل