يبدو أن هذا سيصبح حالنا دوما بعد الآن.. فما أن نخرج من «نقرة».. حتى نقع فى «دحديرة» على رأى المثل الشهير.. فما كدنا أن نستوعب صدمة نتيجة الانتخابات الرئاسية بوقوع الإعادة بين د. محمد مرسى مرشح الإخوان، والفريق أحمد شفيق الذى يمثل النظام السابق، وهما يمثلان النقيضين تماما بين مرشحى الرئاسة. ما بين هذا وذاك جاء الحكم الصدمة على مبارك ونجليه.. ووزير داخليته وستة من مساعديه فى ثلاث قضايا ليعيد حال الغليان والثورة مرة أخرى فى نفوس الناس ثوارا وإخوانا وحتى حزب الكنبة والكتلة الصامتة. الكل لا يصدق أنه بعد عام ونصف العام من الثورة وقتل المتظاهرين الثابت أمامنا عينا ويقينا فى التحرير والميادين الأخرى فى طول البلاد وعرضها خلال ال 81 يوما.. جاء الحكم بالبراءة.. نعم هو حكم بالبراءة وليس حكما بالإدانة حتى لو كان بالسجن المؤبد والذى صدر على مبارك والعادلى فقط.
لأنه ببساطة شديدة حيثيات الحكم ببراءة الستة مساعدين والمسئولين عن إعطاء الأوامر المباشرة بالتعامل مع المتظاهرين والثوار سواء بالغاز والقنابل والرصاص الحى والخرطوش والتى للأسف لم تجد هيئة المحكمة الموقرة دليلا دامغا واحدا يطمئن قلبها له فى أن المتظاهرين قتلوا برصاص الشرطة.. وكأن هناك طرفا ثالثا هو الذى قتلهم كما لمحت المحكمة بذلك.
حيثيات الحكم بالبراءة هى نفسها حيثيات الحكم بالسجن المؤبد على مبارك والعادلى، وها نحن أمام حكمين متناقضين ومتعارضين فى آن واحد بنفس الحيثيات.. حيثيات البراءة هى نفسها حيثيات الإدانة، وبالتالى إذا قبلت محكمة النقض الطعن سيخرج مبارك والعادلى براءة مثل الستة مساعدين.. وإذا تمت إعادة المحاكمة.. فإننا أمام أمرين أو حكمين.. إما أن تكون الإدانة شاملة وتصدر الأحكام على الجميع بالسجن.. أو تكون الأحكام كلها بالبراءة استنادا إلى عدم وجود الأدلة.. ولذا كان الحكم على مبارك والعادلى هو حكم سياسى أكثر منه حكما جنائيا وذلك لامتصاص غضب الجماهير والشارع إذا ما حكم بالبراءة لهما.. ومع ذلك لم تشف هذه الأحكام الصادرة غليل الشارع وكان الغليان والثورة التى عمت أرجاء مصر كلها.. لكن كان ذلك ليس على الأحكام.. ولكن على الثورة التى ماتت بفعل فاعل.. وعلى أرواح الشهداء التى ذهبت هباء وسدى ولم يصدر حتى حكم واحد طوال الشهور السابقة فى قضايا قتل المتظاهرين يشفى غليل الأهالى ويحقق القصاص العادل لمن فقدوا أبناءهم وفلذات أكبادهم.
كل هذا من ناحية، وتأثير ما حدث على انتخابات الرئاسة وقبل عشرة أيام من جولة الإعادة كوم آخر.. فبالتأكيد أن الحكم الذى سبب صدمة للكثيرين أمال الكفة ناحية مرشح الإخوان محمد مرسى، وهو لعب على هذه القضية واستغلها فى الدعاية الانتخابية لصالحه وأن مبارك وأعوانه سيخرجون براءة كلهم إذا جاء أحمد شفيق رئيسا، هذه بالطبع تخوفات أصابت الكثيرين، وحتى الذين كانوا يقاطعون الانتخابات أو كانوا سيلجأون إلى إبطال أصواتهم فى الإعادة.. تحركت مشاعرهم السلبية إلى مشاعر غضب واحتجاج واضح على الأحكام وأصبحوا يميلون فى مجموعهم إلى إعطاء أصواتهم.
ولذا فإن صدور هذه الأحكام فى هذا التوقيت وهذه الصورة قد يقلب الأمور رأسا على عقب، رغم دفاع شفيق فى مؤتمره الصحفى، واتهام الإخوان صراحة باللعب على هذا الحكم لصالحهم وتوضيحه أنه يجب احترام أحكام القضاء مهما كانت.. ومهما كنا لا نرضى عنها.
بالطبع هناك تحولات فى الساعات القليلة السابقة والقادمة وكنوع من محاولة تجميع القوى والوفاق بين القوى الثورية والقوى الليبرالية والإسلامية فى مواجهة أحمد شفيق.. كانت هناك اتجاهات لتشكيل مجلس رئاسى يضم مرسى وحمدين وأبوالفتوح وطبعا شفيق خارج هذا المجلس رغم أن معه أكثر من 5,5 مليون صوت لأنه المقصود بذلك ومع ذلك فهذه بالطبع محاولة فاشلة لأنه لا يجوز تعديل مسار الديمقراطية والانتخابات الرئاسية ونحن نقترب من نهاية الطريق.. بجولة الإعادة.
كل هذا كلام لا يودى ولا يجيب.. فمن يستطيع أن يجبر أحمد شفيق على التنازل ومن يستطيع أن يجبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أن يغير المسار ويقبل بمجلس رئاسى ويطيح بشفيق من جولة الإعادة؟.. ولماذا لم يذكر السادة المرشحون الخاسرون هذا من قبل؟ لماذا لم يقبلوا بهذا المجلس فى الشهور الماضية وقبل فتح باب الترشيح، لأن كل واحد فيهم كان يريد الكرسى لا أكثر ولا أقل.. ويرفض أن يكون ثانيا أو نائبا مع أى رئيس. إن هذا المأزق ليس له سوى حلين فقط لا ثالث لهما، الأول أن تستمر الانتخابات الرئاسية بشكلها الحالى، وتترك الحكم للصندوق وللناخبين يختارون من يريدون.. وعلينا أن نقبل الاختيار وألا نضع أنفسنا أوصياء على الشعب.. وليجىء من يجىء.. وينجح من ينجح.. فلن يكون هناك مبارك آخر، ولا نظام مستبد جديد مهما كان، فهناك قوى سياسية عديدة فى الشارع وفى البرلمان وفى الميدان لابد أن يفكر فيها أى رئيس ألف مرة وهو يتخذ أى قرار مصيرى.
الحل الثانى أو الخيار الثانى يكمن فى انتظار حكم المحكمة الدستورية العليا والتى إذا قضت ببطلان قانون العزل، فإن جولة الإعادة ستستمر كما هى ما بين شفيق ومرسى.. أما إذا جاء الحكم بصحة قانون العزل ودستوريته وتفعيله.. فإن هذا الحكم سيكون بمثابة عصا موسى السحرية التى قد تقلب الأمور رأسا على عقب.. ففى هذه الحالة ستقضى اللجنة الرئاسية بإعادة الانتخابات برمتها وإعادتها من الجولة الأولى وليس إعادتها من أول وجديد.. وفى هذه الحالة ستكون المنافسة ما بين مرسى وأبوالفتوح وحمدين وعمرو موسى وستعاد بالطبع الخريطة التصويتية لكل مرشح لتقلب الأمور رأسا على عقب.. لكن هل يظهر هذا الحل السحرى ليعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.. نتمنى.