بالتأكيد إحساسهم باللحظة مختلف ودوافعهم للمشاركة فيها مختلفة فهم أول من دفع فاتورة الوصول إليها.. لحظة وقوفنا جميعا أمام صندوق انتخابى لاختيار رئيس للدولة من بين 31 مرشحاً.. تجربة لم يخضها المصريون منذ سبعة آلاف سنة كان جسر الوصول إليها هو جثث ودماء وأرواح أكثر من ألف شاب وآلاف الجرحى والمصابين.. وعشرات العيون التى انطفأت لتنير بظلامها طريق الحرية والديمقراطية للمصريين.هؤلاء الذين ماتوا لتحيا مصر من جديد.. حملونا أمانة استكمال الطريق وأول من يشعر بمسئولية تلك الأمانة هم أهالى وأسر هؤلاء الشهداء الذين وقفوا أمام صناديق الانتخابات لأول مرة فى حياتهم لاختيار رئيس سيأتى بدم أولادهم ونور عيونهم. ∎ متفائلة خير
والدة الشهيد- محمود خالد-تقول: قررت النزول من أجل حق ابنى محمود.. فقد جاء لى فى المنام وقال: «شاركى يا أمى فى الانتخابات، من أجلى ومن أجل كل شهيد.. ثم ابتسم لى وذهب».. محمود عايش معى ولم يتركنى لحظة وإذا كان موجوداً الآن كان أكيد سينتخب المرشح الذى أحبه وسيختار الذى سأختاره.. لأنه كان شديد الارتباط بى.. وكان رأينا واحداً.
توقفت والدة محمود عن الكلام للحظة ثم أكملت حديثها وهى تبكى قائلة: «كل يوم الليل يمر على بصعوبة.. طالما ابنى محمود مش فى حضنى».. لذلك أعطيت صوتى ل«حمدين صباحى» لأنه صادق فى كلامه ومن أكثر المرشحين شعورا بقلوب أمهات الشهداء.. وأول كلمة قالها إذا فاز بالكرسى الرئاسى سأرجع حق الشهداء.. وعندما طالبت مقابلته لم يتأخر على بل استجاب لطلبى على الفور وقابلنى.. فالذين انتخبوا الفلول والإخوان أقول لهم «أنتم قمتم ببيع دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم وأنفسهم من أجل أن تعيشوا..»، فحق كل شهيد يجب أن يكون دما «دم بدم»، ووقتها سأقول بأننى أخذت حق ابنى وسأشفى غليلى وأريح بالى.
أمل- زوجة الشهيد طارق محمد عامر- تقول: أدعو الله طوال الوقت أن يوفق الأصلح لرئاسة الجمهورية ويكون متحملاً المسئولية والأمانة التى أعطاها الله له ويعوض الشعب عن الخسائر التى حدثت.. فعلى الشعب المصرى أن يحسن اختياره فى اختيار رئيسه ويبعد عن أى مرشح كان له صلة بالنظام السابق.. فعلى الرغم من أن زوجى شهيد إلا أننى لست بحاجة إلى من يأتى ويدق على بابى ويعطينى فلوس فى يدى «فلوس الدنيا كلها مش حتعوضنى عن زوجى» حتى التعويضات التى صرفوها لأهالى الشهداء، صرفتها بعد 6 شهور ومن ضغط من عائلتى لتكون تأمينا لحياة أبنائى.. فمصر دولة كبيرة وفى جاحة إلى الخدمات.. وهى أن نذهب مثلا إلى المستشفيات الحكومية نجد فيها الخدمة ممتازة.. محتاجين أن يكون مستوى التعليم أفضل لأبنائنا.. أن يكون رغيف العيش آدمياً وليس رغيفاً بالزلط والتراب.. أن يكون الجنيه المصرى له قيمة وتنخفض السلع وتزيد المرتبات.. ولهذا انتخبت «صباحى» حتى طارق لو كان عايش كان سينتخبه.. لأن أنا وطارق كان تفكيرنا واحد ومتفقين أيضا فى اختيارنا.. لكن خلاص أصبح الآن التفكير واحد والاختيار أيضا واحد..
ثم تضيف وكأنها تتماسك نفسها قائلة: أصبحت متبلدة المشاعر بعد فراق طارق وفقدت الإحساس بمتعة الحياة سواء فرح أو حزن.. وعندما أنظر فى وجوه الناس أشعر بكآبة شديدة.. لكنى عندى بعض التفاؤل بأن الله سينصر مصر، فهى محروسة دائما من الله..
∎ إحساس لا يوصف
محمد بيسونى- أخو الشهيد أحمد بسيونى- يقول: الناس الذين قاموا باختيار الفلول هم أكيد مغيبون أو لهم مصالح مع النظام السابق ويريدون استكمالها.. أتوقع أن أحمد لو موجود الآن كان من الممكن أن يقاطع المشاركة فى الانتخابات وهذا لأكثر من سبب وهو لأنه شارك بجد فى الثورة ورأى بعينه الضرب وكان واحداً من الذين تم ضربهم.. كان سيقاطع أيضا الانتخابات لأنه لم يكن يتوقع أن قيام الثورة سيجعل الكثير من الناس تجرى على الكرسى الرئاسى فيما عدا أشخاص قليلة مثل «حمدين» و«خالد على».. فهؤلاء الناس ظهروا بعد يوم 82 يناير وبعد تنحى الرئيس السابق.. وبالنسبة لحقوقنا فنحن وصلنا لدرجة الملل لكن حقنا لن يضيع فقد تركناها على الله.. وحقنا هو القصاص من قتلة ثوار 52 يتاير وكل مصرى سقط شهيدا على أرض مصر.
∎ سنقاطع..
مدام سوسن- والدة الشهيد زياد بكير- تقول:حالة من الرعب والقلق متملكانى، لكنى بدأت فى تهدئة نفسى لأن الله لا يرضى بالظلم كما أنه يحب مصر ولا يرضى لها بالخراب.. والشخص الذى نأمل فيه نظيف جدا وكان ضمن الناس الذين سجنوا أيام السادات.. فهو مناضل من يومه.. فانتخبت أقرب واحد لإحساسنا وهو «حمدين صباحى».. ثم تندهش السيدة سوسن قائلة: أنا فى غاية الدهشة من الناس الذين أعطوا أصواتهم لأحمد شفيق، فهذا الرجل قبل أن يفوز بالانتخابات يتوعد ويهدد بالقتل والانتقام.. فكيف للناس أن تنتخب أحد مثل هذا الشخص!!.. وهذه من أكثر الأسباب التى تجعلنى دائما فى تخوف وقلق.. لكنى فى النهاية أدعو الله أن يختار لنا الأصلح.. وإذا كان زياد عايش الآن كان سينتخب ''حمدين ''أو''خالد على'',فخالد شاب مثقف لكنه لم يكن بالقوة الكافية كى يدير دولة بأكملها,لكنى متوقعة أن الانتخابات القادمة من الممكن أن ينجح فيها.. فأنا حتى الآن أشعر وكأننى فى كابوس وأريد أن أستيقظ منه، وتضيف: لن أشارك فى الإعادة بين شفيق ومرسى لأن هؤلاء الاثنين بصفة خاصة مستبعدان تماما عن تفكيرنا.. وكان من أهم المطالب التى نادى بها الشباب أثناء الثورة التغيير الكامل، لكن كونه موجوداً فى الإعادة فهذه صدمة لنا جميعا.. أما بالنسبه لمحمد مرسى فكل ما يشغل همه هو التعامل مع الدول العربية وكيفية تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر حتى تكون مثل إيران وأفغانستان.. فإن الصورة التى انطبعت فى نفوسنا وأذهاننا جعلتنا غير مقدرين لهم.. فهؤلاء الاثنان ضد مصر وضد التقدم وضد أهدافنا.. لذا من سنختاره رئيسا؟! القاتل أم الجاهل الذى سيأخذنا للخلف!! بالنسبة لأهالى الشهداء، أعتقد أنهم سيكونون غير راضين بأن يتدخلوا فى مساعدة الذين أسالوا دماء أبنائهم.. وقد شاركنا فى الحديث والد الشهيد زياد الأستاذ محمد قائلا: لن أشارك فى الإعادة لأن لدى إحساساً بالإحباط الشديد وشعرت بأن ابنى زياد استشهد اليوم، وخاصة بعد معرفتنا بهذه الأخبار المحبطة.. فإن الشعب المصرى أساء الاختيار والآن نحن مخيرون بين اثنين أحسنهما سيىء.. فأنا وغيرى من أهالى الشهداء لن نشارك فى جولة الإعادة مطلقا.. وهذا نذير وإنذار أن الموجة الثانية من الثورة قادمة، ولو وصل أحدهما إلى الرئاسة ميدان التحرير سيعود من جديد.. فلا أرى أى بريق من الأمل فى وجود اثنين أحسنهما سيئ.
∎ بداية مبشرة..
زهرة- أخت الشهيد خالد سعيد- تقول: على الرغم من عدم معرفتك بما سيحدث فى المستقبل.. فهذه تعتبر بداية مبشرة.. ولذا أنا انتخبت واحد مننا لأنه مننا بجد.. أما بالنسبة للناس الذين انتخبوا الفلول والإخوان فهم من بداية الثورة معروف أمرهم وهو أنهم ضد الثورة وكانوا يستفيدون من النظام القديم يعنى «فلول تنتخب فلول».. وهؤلاء الناس لا يهمونا بشىء لأنهم رضوا أن يأكلوا حق كل فقير فى البلاد وأيضا رضوا أن يأكلوا حق الشهداء الذين لهم فضل عليهم وجعلوهم فى هذه المكانة فهؤلاء الناس لا يحتاجون أن نضيع وقتنا معهم.. وأقول للناس أن تستفتى ضمائرها وأن يرشحوا الرئيس الذى سيحافظ على البلاد ويرجع حقوقها.. وعندما يأتى الرئيس القادم ويوفى كل حقوق البلاد المنهوبة ويوفى كل حقوق الشهداء والمصابين وقتها سأقول بأننى أخذت حقى..
∎ حيرة وحزن
والدة الشهيد- علاء عبد الهادى- تقول: لم أكن أشارك فى الانتخابات الرئاسية، لأن علاء حبيبى هو الذى كان يأخذنى معه، فكان صعب على أن أنزل بدونه.. لكن أصدقاءه من طب طنطا جاءوا وقالوا لى «عشان خاطر علاء لازم تنزلى وتنتخبى»، وأنا عشان علاء ممكن أعمل أى حاجة» وأخذونى معهم.. لكنى حزنت عندما رأيت منظر الناس فمنهم من كان فى حيرة بين مرشحين ولا تعرف من الأفضل لاختياره رئيسا.. ومنهم من كان مبرمجاً وأيضا من كان ينتخب النظام القديم.. فأنا حزينة جدا من الناس الذين انتخبوا الفلول وأقول لهم «كان لازم يكون فى كل بيت شهيد، كى لا ينتخبوهم».. لن آخذ حقى إلا بعد أن تتم الانتخابات الرئاسية وأن يأتى الرئيس الجديد ويصلح مصر ويحقق مطالب الثورة ويأخذ القصاص لأهالى الشهداء، وقتها سيفرح قلبى وأقول وأنا مرتاحة البال بأننى أخذت حق ابنى.. أنا نفسى أعمل أى شىء لمصر كى أسعد ابنى والشباب الذين قدموا أروحهم فداءً للوطن.
ثم تضيف قائلة: أنا لست سعيدة وفى حالة رعب وخوف من القادم.. وإذا كان علاء موجوداً الآن كان سينتخب الأصلح والأفضل لمصر.. لأن علاء كان شاباً واعياً ومجتهداً وكان يهتم ببرامج المرشحين جيدا ويستمع لأفكارهم فى التليفزيون، لكن الآن خلاص غدروا به.. لذا أتمنى من الرئيس القادم أن يتقى الله فى مصر وشعبها الطيب..