شعور بالامتنان الشديد انتابنى وأنا أتابع ما يحدث أمامى على شاشة التليفزيون، ولم أجد ما أعبر به عن هذه المشاعر الفياضة سوى أن يلهج لسانى بحمد الله وشكره كثيرًا، وأقرأ الفاتحة فى كلا المرتين الذى أغشانى فيهما هذا الشعور العظيم. المرة الأولى.. قرأت الفاتحة على روح تلك السيدة العظيمة ودعوت الله أن يرحمها برحمته الواسعة كما رحمتنا مما كان سيحيق بنا من عظائم الأمور.. فرغم أننى لم أتشرف بلقائها أو معرفتها من قبل، لكننى شعرت تجاهها بامتنان شديد، فلقد ساهمت هذه الأم فى إنقاذ وطن بأكمله كان مهددًا بالوقوع فى براثن ابنها بعد أن عشنا شهورا نئن تحت وطأة حصار دعايته التى كادت أن تغرق الجدران والسيارات وتكتسح فى طريقها الأخضر واليابس، لقد حاصرنا ابنها بكل السبل واستخدم كل الحيل.. وخاطب كل الناس حتى أصبحوا إليه منجذبين وبه مهووسين لا يرون رئيسًا لهم سواه ولا يطالبون إلا بزعامته بعدما أسرف فى وعوده البراقة لهم بأن يكونوا شعبًا مصانًا فى دولة متحضرة، وهكذا وجدنا أنفسنا وقد وقع كثير منا تحت تأثير تنويمه المغناطيسى يهتفون به «لازم...» وغيره «مش لازم»، وبدا هو وقد أدار حلم اعتلاء عرش مصر رأسه منتشيًا واثقًا من الفوز، فبدأ مرحلة استعراض القوة وشعر كثير منا بالهلع وهو يتابع يوميًا صعود وطن إلى الهاوية بسرعة جنونية فإذا بهذه الأم العظيمة يسوقها لنا القدر بجواز سفرها الأمريكى لتنفذنا من الهاوية، ويتبدد حلم الإمبراطور فى الهيمنة على وطننا إلى الأبد.
وعندما شاهدته مؤخرًا على الشاشة يحاوره المذيع القدير عن دوره فى الأزمة الأخيرة التى حرض عليها وزج بالوطن وناسه فى أتونها فإذا به يتنصل من مسئولياته ويواصل ادعاءاته وأكاذيبه ولا يعترف بخطأ ولا يشعر بذنب ويغسل يديه من الدم بقلب ميت، هنا لم أجد أعظم من الفاتحة أقرأها على روح من أنقذت وطننا .. ودعوت ربنا أن يرحمها كما رحمتنا منه.
المرة الثانية الذى غمرنى شعور بالامتنان الشديد كانت عندما متابعتى لأول مناظرة بين مرشحين للرئاسة يومها شعرت بمشاعر فرح ممزوجة بالشجن.. فهذه اللحظة التاريخية أهداها لنا أولادنا بعد أن دفعوا ثمنها غاليًا من دمائهم وأرواحهم وعيونهم، وها هى الثورة تتجلى فى أبهى وأنصع صورها وها هو التغييرالذى ظننا العمر كله أنه سراب إذا به يتجسد واقعًا ملموسًا.. لأول مرة فى تاريخنا يصبح لنا حق بجد فى اختيار من يحكمنا لمدة محددة، لأول مرة نشعر بأن صوتنا له قيمة.. وأن علينا مسئولية الاختيار.. لأول مرة نرى زمام الموقف قد تحول لنا حيث أصبحنا نستمع ونقارن نُعمل العقل.. نفند المزاعم.. نناقش التفاصيل.. لأول مرة نشعر أن البلد دى بلدنا ولا وصاية اليوم علينا، نشعر بالحيرة نعم لكن هذا هو حال البشر بعد أن كانوا يعاملوننا كالقطيع.. فلأول مرة نختار الرئيس ولا يفرض علينا ثم يغنون له كذبًا وافتراء «اخترناه».
لأول مرة نمارس حقًا وشكلاً ديمقراطيا كنا نسمع عنه ونراه، لكن من بعيد لبعيد الآن أصبحنا نعيشه ونمارسه بالفعل والبركة فى كل هذا ترجع إلى الشهداء الذين دفعوا العمر ليمنحونا القدرة على الفعل ومحوا بدمائهم شعورًا بالعجز فرض سطوته علينا سنوات طويلة.. طويلة.
قرأت الفاتحة على أرواحهم ودعوت لهم أن يبدلهم الله بعالم أفضل كما منحونا نحن وأولادنا وطنًا أفضل وغدا أجمل، ووعدتهم بحسن الاختيار وفاء واحتراماً وتقديرًا لثورتنا العظيمة وتضحياتهم.