نزلت كعادتى صباح الجمعة الماضية أتفقد الأحوال فى الميدان. كنت قد نزلت فى جمعة السلفيين الجمعة الأولى من أبريل، ثم نزلت الجمعة التالية جمعة الإخوان.. فى كل مرة أنزل قبل صلاة الجمعة قبل أن يزدحم الميدان فتتاح لى الفرصة لقراءة اللافتات، وإجراء حوارات مع أغراب بهدوء قبل الصخب والأصوات العالية... هذه الجمعة كان الزحام مبكرا جدا، وكانت الأصوات العالية تتنافس فى التغطية على بعضها البعض.
استطعت فقط أن أرصد ست منصات ثم اكتشفت فيما بعد أنها كانت ثمانية على الأقل.
كانت الجموع القادمة بالأتوبيسات من المحافظات قد وصلت بالفعل، ولأن وقت الصلاة اقترب، افترش الجميع الأرض البعض فى حلقات يتناولون الإفطار والبعض الآخر جلس فى صفوف الصلاة، الجميع بلا استثناء - ماعدا شابة واحدة تحمل الكاميرات تبدو مصورة صحفية كانوا من الإخوان أو السلفيين استطعت أن أميزهم بالشكل أو بالكروت المعلقة على صدورهم إما مرسى أو أبواسماعيل، فرأيت منصة ترفع شعار (مستمرون القوى الثورية) كانت بعيدة عن مكانى وحال الزحام دون أن أصل إليها.
دخلت من ناحية مسجد عمر مكرم وانحرفت يسارا ثم عدت إلى منتصف الميدان الصينية ومررت فوقها وخرجت من شارع طلعت حرب بمعجزة بعد أن مررت بمناطق شبه مغلقة بزحام الجالسين والباحثين عن مجموعاتهم، خرجت من طلعت حرب لا أحمل الا انطباعا واحدا أن هذا الزحام يكرهنى وهو ما لم أشعر به فى الجمعتين السابقتين. [فى الجمعة السلفية ] تصوير شريف الليثى
بادلت الزحام كراهية بكراهية وعدت إلى بيتى من شوارع باب اللوق المغلقة بالحواجز. بيتى فى شارع متفرع من شارع قصر العينى، اضطررت أن أمر على خمس شوارع مغلقة بالجدران العازلة المبنية بحجارة كبيرة لتفصل بين وزارة الداخلية والناس، الجدران كلها مرسوم عليها، والشوارع حولها هادئة فارغة تقريبا.
الانتقال من شدة الزحام إلى شدة الفراغ كان موحيا، وصلتنى رسالة قوية أن الإسلامين بكافة أطيافهم من ورائى والداخلية بأسوارها القاسية من أمامى، والاختيار الوحيد أن أظل أبحث عن شارع مفتوح لأمر منه إلى مكانى.
فى أحد هذه الشوارع المغلقة قابلت شابا وشابة يسيران متجاورين، لفت انتباهى إليهما أنها كان تحمل فى يدها كيس هدايا أحمر تحاول أن تقنعه أن يتسلمه وهو يرفض، كانا يتضاحكان فقطعت خلوتهما بسؤالى عن أسهل طريق للوصول إلى شارع قصر العينى لأن الجغرافيا اختلطت فى ذهنى بالأفكار المضطربة فخفت أن أضل الطريق.
سارا أمامى وسرت خلفهما، فى أحد التقاطعات اعترضت، واقترحت عليهما أن ننحرف يسارا وأصرا هما أن ننحرف يمينا ثم قال لى الشاب (أنا ساكن فى السيدة وباخد كورس فى الجامعة الأمريكية وبامر على الشوارع دى كل يوم، أنا مش عارف اسميها، منصور نوبار مش مهم لكن عارف كل خطوة فيها تودى على فين) اقتنعت وسرت وراءهما أتأمل الرسومات على الحوائط المحيطة المجاورة لشارع مجلس الشعب حيث كان اعتصام الألتراس القريب.
الشاب والشابة كانا متجهين إلى شارع الكورنيش وبمجرد أن عبرا شارع قصر العينى ودخلا فى أحد شوارع جاردن سيتى المؤدية إلى الكورنيش وضع ذراعه على كتفها، هذا الشاب خريطة المكان الثقافية أيضا!!.
كانت هذه هى جولتى الأولى الصباحية فى الميدان. عدت بعدها لأتابع ما يحدث عبر التليفزيون ومواقع الإنترنت.
كان الفرقاء يتحدثون عن الوحدة ويدعون إليها ويدعون أنها ممكنة وقريبة، وكان قليلون يقولون - ما أراه أنا الحقيقة - وهو أن إللى فى القلب فى القلب، حتى لو علت الشفاه ابتسامات.
الدعوة لنزول الجمعة 02 إبريل جاءت من بعض القوى الثورية المدنية مبكرا، رأت هذه القوى أنها تحتاج إلى إيصال رسالة فحواها أن مجرد إعلان ترشح رموز النظام السابق لانتخابات رئاسة الجمهورية فيه اعتداء على الثورة كان ذلك قبل استبعاد اللجنة الرئاسية للمرشحين العشرة وقبل اقتراح قانون العزل فى البرلمان.
أعلنت 6 إبريل - على سبيل المثال - أن النزول يوم 02 سيكون لرفض المادة 82 من الإعلان الدستورى التى تمنح اللجنة المشرفة على الانتخابات حصانة مطلقة ولرفض الطريقة التى يتم بها تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور والأهم رفض فتح المجال لترشح رموز نظام مبارك الأساسية فى الانتخابات الرئاسية.
بعد أن تم إقصاء خيرت الشاطر من الانتخابات وفى نفس التوقيت الذى أعلن فيه الإخوان المسلمون عن إصرارهم على استمرار المرشح الاحتياطى، أعلن أيضا الإخوان أن الشرعية فى الميدان والبرلمان معا وبالتالى فهم سينزلون الميدان فى جمعتى 31 و02 إبريل لإنقاذ الثورة.
وبذلك يتراجع الإخوان والسلفيون عن موقفهم الذى استمر لشهور طويلة سبقت الانتخابات التشريعية وتلتها والذى كان يعتبر الميدان فوضى وبلطجة وصولا إلى اقتراح قانون لتجريم التظاهر، بدأ التراجع عندما رفض لهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة طلبا لأول مرة - كان الطلب وزارة الجنزورى وكان الرفض الذى تسبب فى خلاف بدأ بسيطا حتى تصور الكثير من المتابعين والمحللين السياسيين أنها تمثيلية على الشعب.
ازداد الخلاف حين تراجع الإخوان عن تعهدهم بعدم ترشيح مرشح رئاسة، ثم دفعوا بخير ت الشاطر، وفى المقابل أعلن عمر سليمان ترشحه، وانقلبت الدنيا.
خرج الإخوان والسلفيون يهتفون هتافات الثوار الذين واجهوهم يوما بأجسادهم فى صفوف تشبه صفوف الأمن المركزى ليمنعوهم من الوصول إلى مجلس الشعب، مدعين أن ثوار مصر الذين أوصلوا الإخوان والسلفيين إلى البرلمان بدمائهم سيخربون المجلس ويعتدون عليه.
بعد ذلك كله وغيره الكثير، قرر الإسلامجية العودة إلى الميدان بنفس الشعارات التى حاولوا منع ترديدها من قبل.
بعض العقلاء دعوا إلى جمعة لم الشمل وإنقاذ الثورة بالتقاء الجميع على هدف واحد هو تسليم السلطة وإجراء الانتخابات فى موعدها ومنع الفلول (أحمد شفيق وعمرو موسى بعد استبعاد عمر سليمان) من الاستمرار فى السباق.
اتفقت القوى الثورية جميعا على الذهاب إلى الميدان فى مسيرات من أماكن مختلفة تمر فى شوارع كثيرة. وقد حدث بالفعل.
وصلت - أنا - إلى الميدان فى الجولة الثانية هذه المرة كان معى صديقاتى، وهذه المرة كان التنوع بدا فى الظهور بعد أن وصلت المسيرات، رأيت عمرو حمزاوى على منصة يدعو لإتمام الانتخابات الرئاسية فى موعدها، ورأيت الدكتورة كريمة على منصة أخرى.
ورأيت شباب 6 أبريل بلافتاتهم المميزة ورأيت أيضا مجموعات عادية لا يبدو أنها منتمية إلى أى فريق.
بالطبع كان أنصار أبو إسماعيل يزدادون عددا ويزدادون غرقا فى قضيتهم.
هذه المرة خرجنا من شارع قصر العينى ولم نتحمل البقاء فى الميدان لفترة طويلة.
كنا فى بداية دخولنا الميدان قد قابلنا شخصا يبدو عاديا لا يحاول أن يميز نفسه شكلا، قال لنا دون سابق معرفة (أنتوا هتدخلوا جوه؟) ولأن ملامحه بدت مستنكرة ولأننى كنت (جوه) صباحا قلت له بدون تفكير (بلاش أحسن مش كده نمشى من بره على الأطراف أحسن صح) أصرت صديقتى (لا طبعا هندخل، لازم يعرفوا أن فى ناس غيرهم، لازم يشوفونا ويقبلونا، ده موقف) وافقها الرجل بشدة ومد يده ليصافحها (أيوه ده موقف، أدخلوا ربنا يقويكم) قلت له ضاحكة (أنت هتضحى بينا) قال (ما ينفعش نسيب لهم الميدان)، الغريب أن فى منتصف الميدان قابلنا شابا آخر نعرفه من أيام الثورة فقال لنا (ربنا معاكم).
لم نتعرض صديقاتى وأنا (كنا خمسه لانرتدى غطاء للرأس وثلاثة يرتدين غطاء الرأس المصرى العادى) لمضايقات شديدة، مجرد كلمات بسيطة أو لفتات معبرة، لكننا لم نشعر أن الجو العام جو توافق ولا توحد ولا حتى تعارف.
فى الطريق للخروج لاحظت أن أحدا لم يمد لى يد المساعدة لصعود درجة عالية أو نزولها أو لعبور مكان صعب أو للمرور من منطقة مزدحمة، حتى عندما طلبت من شابة أن تساعدنى فعلت ذلك وبعد تردد.
ولم أسمع ولا مرة جملة من نوع حاسبى ياماما وهاتى إيدك يا ماما.