قبل أول شعاع لشروق الشمس في جوبا.. اصطف الجنوبيون أمام مراكز الاقتراع في طوابير بالآلاف للإدلاء بأصواتهم في استفتاء تقرير الجنوب السوداني.. وأطلق رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت إشارة البدء في التصويت من أمام قبر الزعيم الجنوبي الراحل جون قرنق، حيث صلي أمامه، ودخل للإدلاء بصوته بمركز اقتراع قبر قرنق بقلب العاصمة جوبا، حيث كان في انتظاره جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي. اصطفت الجماهير في زحام شديد علي أبواب المركز للتصويت خلف رئيسهم، في حين بات كثير من الناخبين في مراكز التصويت بولايات اعالي النيل وبحر الغزال وسط احتفالات كبيرة.. كما خرجت المظاهرات والمسيرات فرحا في شوارع جوبا ترحيبا بالانفصال، وجابت سيارات بمكبرات صوت الشوارع لحشد الجنوبيين لمراكز التصويت.. والذي ساهم في تعبئة الحشود للازدحام أمام المركز من اليوم الأول، فيما تحسم نتائج التصويت بالفرز يوماً بيوم، واعلان نتيجة كل يوم علي حدة. وكان في انتظار كل من له حق التصويت بطاقة واحدة بشعارين وخانتين الأولي معبرة عن الوحدة بيدين في اشارة للوحدة، والثانية بيد واحدة ومكتوب عليها انفصال.. فيما لم ينم الجنوبيون حيث سهروا طوال الليل وحكام الولايات أغلقوا بارات الخمور وتم منعها طوال مدة الاستفتاء وأعلن هذا الموقف رسميا حاكم ولاية جونجلي بناء علي طلب من سيدات الولاية اللاتي يرغبن في الادلاء بأصواتهن من اليوم الأول. وطالب سيلفاكير الجنوبيين بعدم الهجوم علي مراكز الاستفتاء والازدحام بهذا الشكل وأن يتحلوا بالصبر، فهذه هي اللحظة التاريخية التي انتظرها الجنوب وكل الجنوبيين، وليس من المهم التصويت في يوم واحد أو في اليوم الأول، قائلا مازال لدينا المزيد من الأيام يمكن أن يتم التصويت خلالها.. وأضاف في مؤتمر صحفي عقده بمركز استفتاء جون قرنق عقب الادلاء بصوته: إن الشيء الثاني الذي يطالب به الجنوبيون في هذه اللحظة التاريخية أن يتحملوا مسئولية حماية أفراد الأمن المتواجدين في مواقع الاستفتاء للحفظ والتأمين سواء شرطة الشمال أو الجنوب، والكل سوف يصوت والكل عليه مسئولية حماية الأجانب الموجودين في أرض الجنوب، فيما أنهي حديثه مؤكدا وفاءه بتعهدات حماية الشماليين المتواجدين بالجنوب وترحيبه بأي شمالي للعيش في الجنوب. وفي مركز استفتاء ضريح الرئيس الراحل جون قرنق احتشدت جموع من القبائل المختلفة لدق الطبول والرقص والغناء أهلا بالاستفتاء.. سنعيش وحدنا.. سنغلق علينا بابنا.. قل مع السلامة.. قل مع السلامة.. وكان التواجد المكثف لممثلي القبائل وللمصوتين أيضا في شكل منظم جدا، خاصة أنه تم حشد كافة وسائل الاعلام داخل هذا المركز. وخرجت المجموعات الراقصة من المركز الرئيسي لتجوب الشوارع والميادين المجاورة. جاء ذلك في الوقت الذي انتشرت فيه بعثة جامعة الدول العربية في الولايات من خلال 88 مراقب، فيما أصيب أحد المراقبين بنزلة برد حادة.. مما قد يمنعه من المشاركة في المراقبة بولاية جونجلي وفي ظل نقص الخدمة الصحية بالولاية، وقال السفير محمد منصف رئيس بعثة مراقبي جامعة الدول العربية: إن اليوم الاول شهد إقبالاً كبيرا من الناخبين وسط فرحة واستعداد لتقرير مصيرهم، وان مراقبي الجامعة قاموا بالتجول علي مراكز التصويت وانه لا توجد اي عقبات تواجه عمل المراقبين. وأوضح سعد الراوي أحد مراقبي بعثة جامعة الدول العربية بمركز قرنق للاستفتاء.. أن أعمال التصويت تسير وفقا لتنظيم يتسم بالدقة داخل المركز الرئيسي من خلال سجل ناخبين دقيق ولكل ناخب بطاقة يدقق اسمه ومن ثم يبصم بالابهام ويضع الموظف خطا علي صفحته قبل إعطائه بطاقة التصويت. وقال السفير عادل عياد: إن التصويت في اليوم الاول جاء منظما بشكل كبير: وإن هناك إصراراًَ من الجميع علي إنجاح الاستفتاء حيث التزم الناخبون بضوابط التصويت دون اي مشاكل رغم كثافة الاقبال. وفي ذات السياق أعلنت احدي المنظمات الدولية تبني اطلاق برنامج للمراقبة لأعمال الاستفتاء عبر القمر الصناعي لرصد أي أحداث للعنف او تجاوزات بمراكز الاقتراع بكافة الولايات، وبثها مباشرة علي شبكة الانترنت. وقام سيلفاكير قبل يومين بالتوقيع علي 16 قانونا له علاقة بالوضع الدستوري للجنوب خلال مرحلة ما بعد الاستفتاء.. وكأنه يستبق الاحداث باتجاه العمل علي بدء إجراءات الدولة الجديدة قبل اعلان نتيجة الاستفتاء وتتناول دمج المسرحين من الجيش الشعبي في الحياة والمؤسسات المدنية، وكيفية معاملة معوقي الحرب والسجون.. التي وصفها المسئولون الجنوبيون بأنها خاصة بمواجهة الاوضاع في مرحلة ما بعد الاستفتاء.. خاصة ان السودان سيحتاج لقوانين جديدة مختلفة عن القوانين الشمالية الحالية باعتباره سيكون دولة مستقلة وبما ستكون معه هذه القوانين أجنبية يجب العمل علي تغييرها فورا جميعها. ويستمر الاقتراع علي الاستفتاء السوداني من الثامنة صباحا وحتي الخامسة من كل يوم وعلي مدار اسبوع كامل بكل الولايات وفي 300 مركز للاقتراع.. وتم نشر أعداد غفيرة من الشرطيين والشرطيات ظلوا ساهرين حتي الصباح، حيث كان هناك تفتيش أمني غير مسبوق، وتم منع المواطنين من القيام بأية مظاهر للاحتفال علي غرار ما كان ينظمه شباب الانفصاليين في الأيام القليلة الماضية كدعاية للانفصال.. مما كان يضطر الأمن لإطلاق الأعيرة النارية في الهواء من وقت لآخر لتهدئة الأجواء وتوصيل رسالة مفادها عدم السماح بأية تجاوزات من أي نوع وألا ستقابل بالعنف.. وخاصة بعدما عكر حادث ولاية الوحدة الذي قام به عدد من المتمردين صفو الليلة الأخيرة قبل الاستفتاء. وفي الخرطوم ساد الهدوء مراكز التصويت حيث شهدت إقبالا متوسطا وذلك نظرا لضعف عدد المسجلين في الشمال من الجنوبيين، وجاء التصويت وسط اجراءات أمنية مشددة ومراقبة دولية.