من يتأمل وضع العالم العربي جيدا هذه الأيام يلحظ أننا نعيش في حريق كبير يكاد يلتهم معظم بلدان العالم العربي، فجنوب السودان بدأ التصويت أمس لتقرير مصيره، وسط اتجاه غالب لاختيار الانفصال عن الدولة السودانية، والعراق يعيش حربا أهلية طاحنة بين مكوناته العرقية والدينية، وفلسطين منقسمة بين سلطة في رام الله، وإمارة إسلامية في غزة، واليمن يخوض ثلاث حروب في وقت واحد ضد القاعدة والحوثيين والحراك الجنوبي، بينما حالة التعايش اللبنانية أكثر هشاشة من أي وقت مضي، فيما تشهد الجزائر مظاهرات عنيفة ضد الغلاء، ومواجهات في تونس بسبب البطالة، وأخيرا محاولة لزعزعة الاستقرار المصري بإشاعة مناخ طائفي بين المسلمين والأقباط. تقريبا لا توجد دولة عربية في حالة استقرار، ولا يوجد قطر عربي بمنأي عن الحريق الكبير الذي يلتهم البلدان العربية من الخليج إلي المحيط، وقد يكون منطقيا الحديث عن استهداف خارجي للعالم العربي يهدف إلي إثارة الخلافات الداخلية في كل دولة علي حدة، وإشاعة حالة من عدم الاستقرار تجعل كل دولة عربية تنكفئ علي حالها، في محاولة إطفاء حريقها الداخلي، بينما في هذه الأوضاع المأزومة تتلاشي القضايا الكبري خاصة الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي لم يعد قضية العرب المركزية، في ظل أن لكل بلد قضية محلية أكثر مركزية وأهمية. ومع ذلك.. فلا ينبغي أن نعفي أنفسنا مما نعيشه، ونعلق كافة مشاكلنا علي الغير، صحيح أنه قد تكون هناك أصابع خفية تلعب بدأب داخل الكيانات العربية الهشة، في محاولة لجعلها أكثر هشاشة، فإنه في نفس الوقت لا ينبغي أن نعفي أنفسنا من مسئولية الحرائق المشتعلة في كل مكان. العالم من حولنا يتقدم بخطي واسعة، تتعزز فيه الحريات العامة، وتتزايد المشاركة الشعبية، وتظهر قوي اجتماعية غير حكومية تفرض إرادتها علي صناع القرار في معظم أنحاء العالم، بينما يبدو العالم العربي كأنه لا يزال يعيش مرحلة الستينيات بكل تفاصيلها ومفرداتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. في العالم العربي دون استثناء قضايا داخلية ليس مقبولا أن نغض الطرف عنها مثل: الأمية والفقر وغياب الديمقراطية الحقيقية، وعدم وضوح فكرة تبادل السلطة إلي جانب انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية، مما يجعل المواطن العربي في النهاية غريبا في وطنه، لا يشارك في صناعة القرار، ولا يحكم نفسه بنفسه، بينما الأقليات في معظم أنحاء العالم العربي تعاني من طغيان الأغلبية. لا أستطيع نفي فكرة المؤامرة الخارجية ضد العرب جميعا، لكننا في نفس الوقت من صنع المناخ المناسب لمن يريد دس أصابعه في الشأن العربي وأن يتدخل كيفما يشاء، ومتي يشاء، يطلق الشرر، بينما نتكفل نحن بتحويله إلي حريق كبير يلتهم أوطاننا الواحد تلو الآخر.. حتي يأتي يوم تلتهمنا النيران جميعا.