تذكرتُ هذا العنوان هذه الأيام رغم أن تاريخه يرجع إلي بداية الخمسينيات ونهاية الأربعينيات حيث كان مقالاً قيماً للأديب الكبير الأستاذ المحقق محمود شاكر - رحمه الله - حينما كتب مقالات يرد فيها علي سيد قطب، فانتصر لسيد قطب نفر من الكتّاب وكانت ردودهم ردوداً عقيمة تتمسك بالمتشابه وتترك المحكم الواضح، فلما وجد الأستاذ محمود شاكر انعدام فائدة في مخاطبة سيد قطب ومن أيدوه من كتّاب وأساتذة جامعات فكتب مقالاً "إني أعتذر إليكم" : وأعتقد أنني أولي الناس بهذا العنوان في هذه الأيام فأقول لكل من خاضوا في عرضي، ولكل من وضح لهم الحق وصمتوا ولم يؤيدوه، وعلي رأس هؤلاء المشايخ الذين انتسبوا لعلم الشريعة فحادوا عنه إما بتأويل فاسد أو بتشويش علي كلام النبوة أو صرف الناس عما هو أعظم وأجل إلي ما هو أدني وهؤلاء موعدي معهم ليس في الدنيا وإنما في الآخرة: انتقدتُ حسن البنا وقلت أنه أحيا فكر الخوارج في العصر الحديث وأنه لا يمثل ما كان عليه الرسول وأصحابه في فهمهم للدين فغضب من غضب ولا زالوا، فإني أعتذر إليكم. انتقدتُ سيد قطب وأحييت بيان رئيس لجنة الفتوي السابق بالأزهر فضيلة الشيخ عبد اللطيف السبكي حينما نعت كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" أنه دستور الإخوان المفسدين وبينتُ ضلال فكر الرجل وأنه جاهلٌ كبير بأصول أهل السنة والجماعة الذين قعدوا المفاهيم الدينية وفق ما كان عليه الرسول وأصحابه فهاج من هاج، وإني أعتذر إليكم. واجهتُ الخرافة والشعوذة المرتبطة بالخطاب الديني المعاصر فغضب من غضب وقالوا انتصروا لأوليائكم، وإني أعتذر إليكم. هاجمتُ الخطاب الديني المشعوذ الذي يعبر عنه أسامة بن لادن بالحجة والبيان وقالوا عميل أمريكي، وإني أعتذر إليكم. أعلنت أول بيعة شرعية علنية لرئيس الدولة فاتهمت بالنفاق، وإني أعتذر إليكم. حذرت من الخروج علي ولاة الأمر والصراع علي السلطة وشق عصا الجماعة المصرية برئاسة رئيس الدولة فاتهمت بالجنون والتخلف، وإني أعتذر إليكم. حذرت وانتقدتُ الفقيه الإخواني القرضاوي الذي أجاز للقوات المسلحة وللرأي العام أن يغيروا المنكر ويزيلوا النظام فاتهموني بالعمالة، فقام بعض علماء الأزهر ينتصرون للرجل وينعتونه بأنه شيخ علماء العصر، وإني أعتذر إليكم. حذرتُ من خطورة الإضرابات والاعتصامات وأنها ليست من هدي الإسلام وشددتُ علي من دعا إلي العصيان المدني فهاج علي الشيوخ قبل غيرهم، وإني أعتذر إليكم. نبهتُ علي أخذ العبر من السودان ولبنان والصومال والعراق والجزائر وأننا في مصر نهيئها لمثل أحوال هذه البلاد فلم يعبأوا، وإني أعتذر إليكم. حذرت من خوارج المساجد ومن خوارج الكنائس فامتنعوا عن النشر، وإني أعتذر إليكم. تركوا من يدعو للعصيان المدني يتكلم كيف شاء وانتصروا له ولم يوضحوا للناس مثالب وخطورة العصيان المدني رغم أن الله كان سريع العقاب فحدثت فتنة إضراب عمال النقل وارتفعت الأسعار وتوقفت مصالح وقُتل من قُتل فيها وحُرق من السيارات ما حُرق ولازال البعض يلهث وراء العصيان المدني ويتعاطف مع صاحبه لمجرد ذكر عقوبة رادعة مقررة شرعاً لولي الأمر، وإني أعتذر إليكم. دخلت علي البلاد هجمة شيعية مدبرة بليل فكنت واحداً من قلة في وقتها لهذه الهجمة، فانتصر نفرٌ من أصحاب الأقلام والهيئات لمن أهانوا خير البرية بعد الأنبياء والرسل فقالوا ما قالوا، وإني أعتذر إليكم. دافعتُ عن سنَّة النبي - صلي الله عليه وسلم - مبيناً صحة ما ثبت عنه في الصحيحين فخرج نفرٌ من الناس يشكك في كلام النبوة بل يشككون في كل قبيلة حدثنا ولم يشككوا في التلمود أو كتب العهد الجديد والقديم وإنما شككوا في أصول الإسلام فاتهموني بالتشدد، وإني أعتذر إليكم. أعلن الإخوان بيعتهم علناً لمرشدهم الحالي بسمع وطاعة من غير تردد ولا شك ولا حرج وتهافتت وسائل الإعلام علي رصد الظاهرة ورصد البيعة البدعية وحذرت أنه لا بيعتان في قطر واحد الأولي ثابتة شرعاً لأنها لحاكم متغلب صاحب شوكة والثانية محدثة وضلالة وعقوبتها عظيمة، وإني أعتذر إليكم. أيدتُ مصطفي الفقي في مقابلة مرشح الإخوان وتحققت المصلحة العامة للدائرة ومرت خمس سنوات هادئة بلا هيجان أو فتن ورغم تنكر مصطفي الفقي لي إلا أن تأييدي له ليس لمصلحة شخصية وإنما لمصلحة عامة وقد كانت فاتهمت بالعمالة والخيانة، وإني أعتذر إليكم. حدثت فتنة اختراق الحدود المصرية في شمال سيناء فكتبت قائلاً اصبر مبارك فإنا معك إذا فتحت المعبر وإنا خلفك إذا أغلقته فخرج بعض الناس ينددون بل ويكفرون نظام مصر بسبب تمسكه بحقه في تنظيم حدوده ولعبوا علي عواطف الناس أمام مصالح عليا للبلاد، وإني أعتذر إليكم. أفتي بعض المشايخ الكبار متقولين علي الشرع أنه لا يجوز بيع الغاز ليهود فرددت عليهم بالأدلة الشرعية الدامغة أنه يجوز ذلك إذا رأي النظام مصلحة في ذلك فالتعامل مع المحاربين مشهور ومعروف منذ الصدر الأول للإسلام ولكننا نعيش عصراً دعوياً غريباً الحلال فيه حرام والحرام فيه حلال، وإني أعتذر إليكم. وما لم أذكره فإني أعتذر إليكم. ليسانس شريعة - دبلوم في الدعوة