في المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني، ألقيت العديد من الكلمات بداية من رئيس الحزب رئيس الجمهورية، والأمين العام للحزب، وسائر القيادات الذين تحدثوا جميعا عن اليد الممدودة لأحزاب المعارضة، والتي بدت واضحة فيما قاله الرئيس "لا نريد احتكار العمل الوطني.. ونتطلع لتعزيز التعددية". وما قاله الرئيس يعكس إدراكا من أعلي سلطة حزبية وتنفيذية في البلاد بأهمية العمل الحزبي، وتقوية الأحزاب في البلاد، عقب النتيجة التي انتهت إليها انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وأسفرت عن فوز الحزب الوطني بنحو 83% من مقاعد البرلمان بينما لم تحصل أحزاب المعارضة الشرعية سوي علي 2% فقط من البرلمان. وليس خافيا علي أحد إن النتائج التي انتهت إليها الانتخابات قد أدت إلي اندلاع أزمات عنيفة داخل الأحزاب الثلاثة الكبيرة وهي الوفد والتجمع والناصري، وليس خافيا أيضا أن تيارا كبيرا داخل تلك الأحزاب أصبح علي قناعة بعدم جدوي المشاركة السياسية، بل إن تيارا داخل تلك الأحزاب يري أن وجود أحزابهم ليس له ما يبرره الآن، وهم يرون أن التغيير في المستقبل لن يكون متاحًا من داخل الأحزاب، ولا من خلال المؤسسات الشرعية "مجلسي الشعب والشوري"، وهم بالتالي أصبحوا ميالين أكثر إلي التغيير عبر الشارع وبالعمل مع الحركات الاحتجاجية. كتبت قبل الانتخابات أنه علي الحزب الوطني أن يتواضع ويفسح المجال للآخرين، وكتبت بعد الانتخابات أنه كان علي الحزب الوطني باعتباره الحزب الأكبر أن يأخذ الأحزاب السياسية في مركبه، وأن يساعد علي نموها بدلا من ان يجرفها معه، وهو يخوض معركته لتكسير عظام الإخوان. أما وقد وصلنا إلي هذه اللحظة الفارقة التي يفقد فيها الكثيرون إيمانهم بالتعددية الحزبية، ليس داخل الأحزاب وحدها، وإنما حتي داخل الشارع، فإنه علي الحزب الوطني ليس فقط أن يمد يده، ولا أن يجدد إيمانه بالتعددية الحزبية، وإنما إدراك جميع من في الحزب مخاطر الأغلبية الكاسحة، ومن ثم يشرع في تحويل سياسة اليد الممدودة إلي خطوات عملية علي الأرض. وأتصور أنه علي قيادة الحزب الوطني أن تشرع من الآن في عقد اجتماعات مع الأحزاب الرئيسية الثلاثة، ليست بهدف المصالحة، وإنما لصياغة رؤي للمستقبل، تأخذ في الاعتبار مطالب الآخرين، وتنظر في المقترحات التشريعية التي يطرحونها لتفعيل الحياة الحزبية، وإعادة انتشال التعددية من أزمتها، وقد يكون من بين المطروح والمهم والعاجل الآن البحث في نظام انتخابي جديد يسمح للأحزاب بالمنافسة فيما بينها بما يحد من سطوة المال والبلطجة والعصبيات.. وفي شكل إدارة العملية الانتخابية، ودور وصلاحيات اللجنة العليا للانتخابات.. ودور القضاة في العملية الانتخابية، ومن يترأس كل لجنة. كلما بدأنا في الحوارات مبكرا، كلما أتحنا للأحزاب فرصة العودة إلي العمل العلني العام المنظم، وكلما تأخرنا أتحنا الفرص لدعاة المقاطعة للقضاء علي ما تبقي من الحياة الحزبية والتعددية.. المأزومة جدا.