عندما صدر كتابي : الفنانون والمخابرات .. علاقات مثيرة ونهايات غامضة "، كنت أضع يدي علي قلبي من ردود أفعال فصلين من بين فصول الكتاب، في الصدارة كان ذلك الفصل الذي ناقشت فيه علاقة الفنانة التي رحلت عن عالمنا منذ أيام قليلة برلنتي عبد الحميد بالسلطة؛ ولم يكن ما يثير قلقي هو تناولي لشكل علاقتها كفنانة بالسلطة فهي علي اية حال اثبتت زواجها من المشير الرجل الثاني في مصر في معظم سنوات حكم الثورة المصرية وحتي رحيله المفاجئ الذي أثار اللغط وبالتالي كانت السيدة برلنتي لها حق معاملتها كزوجة لرجل غير عادي علي مقربة والتصاق بقمة هرم السلطة، أخطأ أو لم يخطئ لم يكن هذا في حسابات المناقشة، ولكن ما تناولته في معظم السطور للفصل الخاص بها، هو " التكوين "، التكوين الثقافي والاستعداد لدي سيدة مرة أخري فنانة اقتربت من السلطة، وكانت مرشحة بتكوينها الطموح الي أقصي الحدود، لأن تلعب دورا أشد خطورة مما لعبته، وأعترف أن صورتها كفنانة برعت في أدوار الاغراء لفترة من عمر السينما المصرية، كانت حاضرة في ذهني وأنا أناقش مع القارئ بعض ملامح الصورة، وكنت حريصا أشد الحرص علي ألا أتجاوز، ولكن كتاباتها عن نفسها، كانت مغرية وفاتحة للشهية في كثير من الأحيان للتدخل بالتعليق من جانبي في محاولة لكشف ما بين السطور، وفي حياة السيدة برلنتي كثير من الأسرار التي كشفتها بكامل ارادتها، فالسيدة برلنتي بنت بلد، ولدت بحي باب الشعرية المزدحم، ثم انتقلت وهي في الرابعة من عمرها الي حي آخر اكثر ازدحاما هو حي السيدة زينب رضوان الله عليها، كان جدها احد كبار المتصوفة ( الشيخ محمد حسن علي حواس )، ووسط الأحياء المزدحمة يبحث الطموحون عن مكان متميز، وهي تذكر صراحة ان حياتها في الحي المتلألئ بأضواء التسابيح، تأرجحت بين الشبع والجوع.. الفقر والغني. وأدي مشهد رأته لجار شاب فتي محمول علي الأعناق، تائه عن الوعي بسبب جرعة مخدر زائدة، الي ابتعادها عن المسكرات طوال حياتها.. وتتكلم بعد ذلك عن انبهارها بنموذج آخر علي النقيض، بمدرسها الفقير الشيوعي الحاصل علي درجة الماجستير في العلوم السياسية، الذي بدأت الاعجاب به منذ اللحظة التي أخبرها فيها بأن عمه هو الكاتب والمفكر الكبير محمد حسين هيكل صاحب قصة أول فيلم مصري ناطق وتصف السيدة برلنتي وقع المفاجأة علي سمعها، بقولها:" أسكرتني هذه الصفة فيه "... رغم أنها لا تشرب الخمر ولا تطيقه ! كانت التعليقات تدور علي هذا النحو، وان كانت التعليقات علي علاقتها بالمشير وبالسلطة، جاءت هادئة، فالمصدر الرئيسي في هذا كان اعتمادا علي ما قالته هي مع مناقشته، ولم اظل أترقب رد فعلها هي وصديقتها الفنانة مريم فخر الدين كثيرا؛ فقد جاءتني مكالمتها سريعا، في الأيام الأولي لصدور المصنف؛ وبصوت لم يترك الزمن آثارا كبيرة عليه، عاتبتني برقة: مش كنت تهديني الكتاب بنفسك بدل ما ادوخ عليه؟ فقفزت الي السؤال الذي يشغلني: هل أعجبك .. هل تجاوزت .. هل أغضبك؟ ولا زلت أعتقد أنهم سؤال واحد؟ قالت ابدا، بل أدعوك لأن تشترك معي في كتابة مذكراتي الفنية من خلال تلال من قصاصات الصحف التي احتفظ بها والتي جمعتها من أرشيفات الصحف المصرية الكبري ....تنهدت قائلا: ان شاء الله .. ثم مضينا كما بدأنا كل في طريق.. تغمدها الله برحمته.