ينعقد اليوم مؤتمر أدباء مصر. أو مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم. أو مؤتمر أدباء الأقاليم حسب اسمه القديم. ينعقد منذ أمس في الحقيقة. يحتفل المؤتمر بمرور خمس وعشرين سنة علي بدايته. أي بالعيد الفضي للمؤتمر. ولقد شهدت بداية تأسيسه. في ذلك الوقت كان المرحوم الدكتور سمير سرحان هو رئيس الثقافة الجماهيرية. وشاركت فيه في كل سنواته الأولي بحكم عملي ذلك الوقت بل كنت أمينا أكثر من مرة له فيما أتذكر. بل قمت بتنظيمه أكثر من مرة حين كنت مديرا عاما لإدارة الثقافة العامة. منذ عام 1994 تقريبا انقطعت صلتي به. لم أعد حريصا علي حضوره رغم تكرار الدعوات لي. ولم يكن السبب هو المؤتمر نفسه بقدر ما كان الزهد في السفر إلي الأقاليم المصرية بعد أن طفت فيها سنوات بلدا بلدا وقرية قرية بحكم عملي. والزهد في الاستماع إلي المقالات والدراسات عن الأعمال الأدبية وما أكثر ما قرأت من نقد. والزهد في الاستماع إلي التوصيات وعلي رأسها عدم التطبيع مع العدو الصهيوني. وعدم وجود صحة عندي لاحتمال النقاشات التي يحتد بعضها أحيانا. ثم إن كثيرا جدا من الأدباء صاروا أصدقائي ويمكن أن التقي بهم، والتقي بهم فعلا في الحياة بعيدا عن المؤتمرات. لم يشمل ذلك مؤتمر أدباء مصر في الاقاليم فقط، بل شمل كل أنشطة الثقافة الجماهيرية بالقاهرة وخارجها. وبالذات خارجها لأنني طفت وشفت علي رأي أم كلثوم. بدأ المؤتمر منذ ربع قرن محاولة الخروج بالأدباء البعيدين عن القاهرة إلي النور حيث المركزية شديدة ولا تزال في بلدنا. ومن ثم احتاج الأمر إلي ما هو أبعد من المؤتمر والمناقشات والدراسات. احتاج إلي إدارة للنشر بدأت علي استحياء ثم كبرت وصارت عنصرا مهما في الجهاز. وأنشئت سلسلة ادبية لتعني بالأدباء البعيدين عن الأضواء القاهرية. ثم قسمت البلاد إلي أقاليم. وصار لكل إقليم رئيس يدير قصور وبيوت الثقافة في القري والمدن الخاضعة للإقليم. أقاليم مثل شمال الصعيد وجنوب الصعيد ومطروح وشمال الدلتا وغرب الدلتا وسيناء إلخ. وصار لهذه الأقاليم أيضا مطبوعات أدبية لأدباء الإقليم. وبدا أن أهم ما كان يؤرق الأدباء البعيدين عن القاهرة قد انتهي. فما أكثر الإصدارات الأدبية. مركزية وإقليمية ومديرية، نسبة إلي المديريات الثقافية. ومن ثم كان علي المؤتمر أن ينحو منحي آخر. أن تتسع رؤيته ويتغير مسماه ليصبح اسمه مؤتمر أدباء مصر. لأن اسمه الأول كان يعني بشكل أو بآخر التفرقة بين الأدباء خارج القاهرة وداخلها. وتغيرت الدراسات واتسعت الأبحاث لتشمل الأدب والسياسة والثقافة عموما بكل فروعها، لكن ظل المؤتمر يلاحقه اسمه الأول، مؤتمر أدباء الأقاليم، وظل ينظر إليه كذلك باعتباره حدثا عابرا، لا أريد أن أقول من الدرجة الثانية، ولا تزال كثير من الصحف تشير إليه باعتباره مؤتمر أدباء الأقاليم وليس مؤتمر أدباء مصر. وهو أمر مؤسف بالتأكيد. دعيت إلي هذا المؤتمر باعتباري أحد أمنائه القدامي. وشجعني علي الحضور أنه يعقد في القاهرة. وطلب مني أن أشارك في ندوة لمناقشة تطوير المؤتمر. والحقيقة أنه ليس لدي ما أقول لأنه تطور بالفعل كثيرا. والمشكلة لدينا في مصر أننا نمشي دائما وراء أول انطباع وإلي الأبد. فما دام بدأ كمؤتمر لأدباء الأقاليم فهو كذلك رغم إنه لم يعد كذلك وتغير كثيرا. وإذا حضرت لن أقول إلا جملة واحدة قلتها من قبل أكثر من مرة حين كنت مسئولا بالثقافة الجماهيرية. وهو أن انعقاد المؤتمر كل عام أمر يجب أن ينتهي، لأن هناك الكثير جدا من المؤتمرات تعقد للأقاليم والمديريات. طول العام، وهناك مؤتمرات كثيرة في القاهرة للثقافة بكل فروعها. وعلي هذا المؤتمر أن يكون علي الأقل كل سنتين. حتي يصبح الاشتياق اليه حقيقيا. ولا يصيب الحاضرين الملل ولا يبدو كأمر روتيني. هناك الآن دعوات من البعض لإلغاء هذا المؤتمر. وهي دعوات ممن حرصوا علي الحضور أكثر مني. وأسبابهم بسيطة جدا وهي وتيرة العمل الواحدة. أمسيات شعرية ودراسات عن أعمال وقضايا حظيت طول العام بذلك في المديريات والأقاليم والقاهرة نفسها أحيانا. في معرض الكتاب أو رمضان. رأيي من زمان أن يصبح كل عامين. وإذا كان لابد أن أزيد فهو أن ترصد فيه جائزة لأحسن رواية وأحسن مجموعة قصصية وأحسن عمل نقدي ظهر خارج القاهرة رغم أن المؤتمر لأدباء مصر كلها.