هل هناك جدوي للمؤتمرات الثقافية؟ الواقع يقول إنّ هذه المؤتمرات مصابة بكل أمراض الثقافة المصرية، وهي لا تأتي وفق تخطيط، وتقام غالباً في توقيتات متزامنة فتفقد جمهورها. مؤتمرات هدفها حشد أكبر كم من الأدباء والمثقفين. مؤتمرات المجلس الأعلي تشبه مؤتمرات هيئة قصور الثقافة والفارق البسيط في الصبغة العربية للأولي. وحتي حينما يقيم الشباب مؤتمرات خاصة موازية للمؤتمرات الرسمية فإنهم يضغطون علي المؤسسة التي رفضتهم من أجل أن تقبلهم، وهو ما يعني أنهم لم يقدّموا حالة حقيقية. مؤتمراتنا في الأغلب تحوّلت إلي احتفاليات ثقافية يتم خلالها تبادل الدروع والتكريمات، والثناء علي السادة المسئولين في الافتتاحات، ثم تقضية وقت جميل ما بين الفنادق والأماكن السياحية والمقاهي، ثم العودة إلي المنازل بحقيبة الأبحاث وأوراق التوصيات التي لن يتم تنفيذ حرف منها. السابق ليس كلامنا، ولكنه آراء تفصيلية لأدباء شاركوا في التحقيق التالي. يقول الشاعر محمد سليمان إنّ الفائدة الوحيدة التي تعود من هذه المؤتمرات هي جمع الكتّاب والشعراء ومنحهم فرصة للتعارف، والمؤتمرات فرصة أيضاً لبعض النقاد لكي يكتبوا عن بعض الأدباء المتميزين، وهذه المؤتمرات تسعي لإلقاء الضوء علي هؤلاء. ويضيف: ولكن المؤتمرات لا تصل إلي حلول حقيقية للمشاكل الإبداعية التي تلاحقنا وما نزال نتحدث عن التنوير ونبحث عن محاربة التردي الثقافي وهذا لن يحدث في المؤتمرات أو بخطط في قاعات مغلقة، وعلينا أن نعرف إن لكل جيل رؤاه وإلقاء الضوء علي هذه الأجيال مهمة قومية إذا كانت هذه المؤتمرات تريد أن تفعل شيئاً حقيقياً.. وقال: بوجه عام كل هذه المؤتمرات يسودها المناخ الاحتفالي، حتي مؤتمرات الرواية والشعر سنجد نشاطاتها محدودة للغاية وإنجازاتها تقتصر علي التعارف وتبادل الكتب والدواوين وجمع عدد كبير من المبدعين.. وحول توصيات المؤتمرات التي لا تخرج إلي حيز التنفيذ قال: هذه التوصيات دائمة منذ أربعين سنة وروتينية، ولا تجد حلاً للمشاكل الأساسية الكبري ولا يجب أن تلقي علي عاتق وزير الثقافة فقط، ولكن هي مسئولية وزارة التعليم أيضاً التي عليها أن تسعي لإعادة بناء الإنسان المصري لكي نحارب التردي والتخلف الذي نعاني منه وعلينا أن نعده منذ الطفولة إعلامياً وثقافياً. التابع أما الشاعر عبد المنعم رمضان فاختار أن يبدأ من مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم. قال رمضان: لا توجد أقاليم حالياً، فمصر أصبحت كلها أقاليم منذ أيام عبد الناصر حيث كانت هناك عاصمة "القاهرة". المؤتمرات هي علامة وزارة الثقافة الحالية منذ بدايتها بما أنها وزارة تأليف قلوب المثقفين وضمهم إلي المؤسسة الثقافية، فالمؤتمرات واحدة من وسائل تحقيق ذلك مثلها مثل الجوائز وطباعة الكتب، ولقد نجحت وزارة الثقافة طوال عصرها في تحويل أغلب المثقفين من مستقلين إلي تابعين ومؤتمر الأقاليم إحدي هذه الوسائل. وقال ساخراً: أفضل نتيجة حصل عليها أدباء الأقاليم مؤخراً أنهم أقاموا في أحد فنادق القاهرة فأغلبهم فقراء وبسطاء ولا يستطيعون أن يقيموا في الفنادق علي نفقتهم الخاصة أما خلاف ذلك فلا توجد فائدة واحدة. (في المؤتمر الأخير أقاموا في فندق رديء بالهرم). وفيما يتعلّق بالتوصيات قال: هناك منظومة تعمل دائماً بالسياسات التي تحددها وزارة الثقافة سلفاً وعلينا أن نتوهم أن هذه السياسات و التوصيات تعمل بها المؤتمرات وعلينا نحن الجماهير أن نتوهم أن ما ينفذ من سياسات هو نتيجة التوصيات. وبالنسبة لوجود أكثر من مؤتمر للشعر ما بين رسمي وخاص قال: الوزارة تقيم مؤتمرها وكذلك الشباب، ولكن كنا نتمني منهم أفضل مما قدموا، وأن يصدقوا هم أولاً ما يفعلونه، والنتيجة المؤسفة أن مؤتمرات وزارة الثقافة أكثر نجاحاً من مؤتمرات الشباب المستقلة لسبب بسيط، أن الشباب في الغالب يزايدون علي وزارة الثقافة لأنهم يريدون إجبارها علي الاعتراف بهم ودعوتهم للانضمام إليها ولأن مؤتمراتهم لا تقوم علي ما يؤمنون به فهي تفشل دائما وهذا مؤسف. وفي تقييمه لمؤتمر أدباء مصر في الأقاليم قال الروائي أحمد أبو خنيجر: حالياً لا توجد له أي أهداف، فالأهداف الأساسية التي قام من أجلها أغلبها شبه تحقق وأصبحت الصيغة القديمة لا تتماشي حالياً معه، وعلي المسئولين الإجابة عن تساؤل يتعلق بالسبب في إقامة هذا المؤتمر، خاصة أن بعض الناس أصبحوا يذهبون من أجل الأكل والشرب وهذا بالطبع هدف بائس. وأضاف: لا أحد يحضر النقاشات ونشاطات المؤتمر لا تزال سرية، وبالتالي لا توجد استفادة حقيقية للمؤتمر أو استفادة من النقاشات التي تدور داخله. وأنهي كلامه قائلاً: التوصيات لا تدخل حيز التنفيذ، وبالتالي لا فائدة منها. يجب أن نتبين ما التوصيات التي لم تُنفذ ولماذا؟ وحقيقة هناك مهزلة ستحدث بسبب الإعلان عن ترجمة أعمال أدباء مصر في الأقاليم من العربية للغات الأجنبية والمشروع في رأيي غير مجد وستذهب الأعمال المترجمة لوزارة الخارجية لتوزع لدي سفاراتها، وهذا نوع من العبث لا أكثر. ضياع الفرصة ويبدأ الشاعر فتحي عبد السميع كلامه بالإشارة إلي أن مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم يحقق تفاعلاً وتواصلاً بين الأدباء، ويكرّم بعض الشخصيات، ويخلق برلماناً أدبياً للأدباء، وأيضا يكسر عزلة أدباء الأقاليم وإحساسهم بالهامشية وبذلك فهو يؤدي إلي بعض النتائج الجيدة لكن ليس بالشكل المطلوب.. ويضيف: المؤتمر يعمل علي تنشيط بعض البقع الثقافية ويتنقل بين المحافظات وفي كل محافظة يمر فيها يترك أثراً طيباً بها ويقدم عدداً من مبدعيها وهذه جميعاً إيجابيات. ويقول: توصيات المؤتمر من أجمل ما فيه ويكفي إعلان موقف الأدباء من الكيان الصهيوني والتشبث بهذا الموقف لسنوات طويلة، وشجبهم لما حدث بين مصر والجزائر بسبب مباراة كرة قدم وغيرها من المواقف الأخري وكل هذا يحسب للمؤتمر ولكن توجد توصيات أخري بالطبع لا يتم تنفيذها. أما سلبيات المؤتمر التي يرصدها عبد السميع فهي أنه لا يستفيد من كل إمكانياته، علي سبيل المثال هناك فكرة الأبحاث والقضايا التي يطرحها وغالباً ما تكون قضايا جادة وقيمتها ترتبط بصنع حوار وجدل حولها لكن للأسف تتحول بعض الجلسات إلي مجرد صوت واحد يتحدث. يعلّق: نستطيع أن نقرأ كل الأبحاث في بيوتنا لكننا نتابعها في المؤتمر لأنها تتيح فرصة لحوار يستفيد منه الباحث وعدم تحقيق هذا بشكل جيد يفقد الأبحاث الكثير من قيمتها. أيضا لدينا إهدار_يتابع عبدالسميع- في الوقت.. فبرغم أنّ الوقت المتاح للتجهيز لهذا المؤتمر عام كامل.. إلا أن الأمانة لا تجتمع إلا بعد مضي نصف عام وأحياناً ما يداهمهم الوقت فيحدث اختلال في تنظيم المؤتمر وهناك أيضا عدم تفعيل لأعضاء الأمانة فالمؤتمر يمكن أن ينعقد بنصف عدد أفراد الأمانة البالغين 40 فرداً فلماذا لا يتم استغلال هذا العدد في تكوين برلمان أدبي حقيقي يطرح كافة القضايا الثقافية في أقاليم مصر ويضع توصيات بالأنشطة المناسبة لكل مكان من حيث احتياجاته وخصوصيته؟ وهناك أمر أخر حيث هناك محافظات لم ينعقد بها المؤتمر أولي من القاهرة أو الإسكندرية التي انعقد بها ثلاث مرات.. وأضاف: لا بد أن يغطي كافة أقاليم مصر ولا بد من طرح قضية المؤتمر منذ بداية العام وأن يكون هناك ما يشبه المسابقة.. بمعني فتح الباب لجميع المجتهدين للمشاركة ويتم الاختيار بمقياس الأفضل، وفي النهاية لا بد من الإشارة إلي أن مؤتمر أدباء مصر ترك مجموعة من القيم الرائعة منها نزاهة أعضاء الأمانة إذ لا يجوز لواحد منهم أن يشارك ببحث أو يدير جلسة أو يتم تكريمه حتي لو كان يستحق وذلك حتي تتحقق النزاهة والشفافية كما أنه لا يجوز لأمين المؤتمر أن يتكرر مرة أخري ولا لباحث أن يتكرر علي مدار ثلاثة أعوام وكل هذه الأمور تُحسب للمؤتمر وتزيد من مصداقيته وتفتح الباب عملياً للتغيير واكتشاف المواهب الجديدة! الترجمة وحول مؤتمر الترجمة الذي يقيمه المركز القومي يقول المترجم بشير السباعي: أتصور أن تبادل الخبرات بين المترجمين من مختلف البلدان العربية والعالم مفيد جداً لأنه خلال الندوات يتم تبادل الأوراق البحثية المقدمة للترجمة، وهذا ليس بالشيء الجديد فالمؤتمرات العلمية والثقافية تحدث علي مستوي العالم. -لا أتصور أن الأمر يقتصر علي الأيام التي ينعقد خلالها المؤتمر، فقد انتهي عصر العزلة وعدم تبادل الخبرات. إنها أشياء تنتمي إلي أزمنة غير التي نحن بصددها الآن، فالأبحاث تتم قراءتها والإمعان فيها واستخلاص الدروس منها من علي بعد، كما أنّ المؤتمرات تثمر وتشهد أوراقاً بحثية يتم طبعها ونشرها وتداولها وهكذا يستمر تأثيرها بعد انتهائها. وفيما يتعلّق بالتوصيات التي لا يتم تنفيذها خصوصاً إذا كانت إيجابية فإن ذلك يشير إلي أزمة في الثقافة العربية ويدل علي أن هناك تقصيراً.