ترجمة: مي فهيم اجتمع أعضاء الكونجرس في الكابيتول مقر الكونجرس الأمريكي في واشنطن في مساء يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ليعبروا عن وحدتهم في أعقاب الهجمات الكارثية التي هزت أرجاء البلاد في ذلك اليوم.. ثم سرعان ما شرعوا في الغناء بشكل عفوي واستطاعت كاميرات التليفزيون في تسجيل بعض من هذه اللقطات فتعالت أصوات الجمهوريين والديمقراطيين معاً مرددين «ليحمي الله أمريكا الأرض التي أحبها ويعينها ويرشدها بنور من السماء». وفي تلك اللحظة كنا حقاً الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي الأسابيع التالية احتشد الكونجرس والشعب الأمريكي بأغلبية ساحقة خلف تأييد فكرة الحرب للإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان الذي وفر ملاذاً أمناً لتنظيم القاعدة. ولكن بمرور السنوات تبادلت الأوضاع وتغيرت الأمور وتقلصت الأصوات المؤيدة للحرب واليوم يري أغلبية الأمريكيين أن الحملة العسكرية علي أفغانستان كمسعي لا جدوي له. ولم يكن التحول في وجهة نظر الأمريكيين أمراً مثيراً للدهشة بل كان متوقعاً تقريباً منذ لحظة سقوط القنبلة الأولي في الحرب وبات هناك مشاعر بخيبة الأمل والإنهاك في الحرب التي استمرت في إزهاق الكثير من الأرواح وسط تضاؤل الآمال حول إمكانية تحقيق الأمريكيين للنصر في الحرب الدائرة رحاها. ويعز تراجع تأييد الأمريكيين للحرب في أفغانستان إلي صعوبة الحرب خاصة في جنوبأفغانستان ولكن هناك بالطبع سبباً أكبر عن خيبة الأمل التي انتابتنا تجاه الحرب والسبب لا يكمن في أفغانستان ولكن فينا نحن كأمريكيين. أمريكا هي أمة من المثاليين تجمعهم القيم المقدسة للديمقراطية والحرية ونحن ملتزمون التزاماً شديداً بهذه القيم كما أننا نميل للاعتقاد بأن تلك الفضائل واضحة للجميع فبمجرد فرار طالبان نحو الجنوب بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية تدير الحكومة في أفغانستان.. فمثاليتنا وضعت سقفاً عالياً للنجاح في الحرب ولكن كان علينا اليقين من أن المهمة لن تنجح إلا إذا أصبحت أفغانستان دولة مستقرة حرة تنعم بالديمقراطية «أرض الأحرار» تماماً مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكان دائماً الوصول إلي هذا السقف من النجاح بمثابة المهمة المستحيلة.. فأفغانستان كانت مدمرة ومنهكة وضمن الدول الفاشلة قبل أن تطأ قدمنا هناك كما أنها كانت تفتقر إلي الركائز الأساسية الضرورية لإرساء دعائم ديمقراطية حقيقية، فيصل معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في أفغانستان إلي 30% وهو أقل من مما كانت عليه أمريكا عام 1650 فضلاً عن أن مؤسسات المجتمع المدني علي النمط الغربي تكاد تكون غير موجودة. وهناك الكثير من الأسباب الأخري التي توضح أن الوضع الذي نجد أنفسنا فيه الآن في أفغانستان كان أمراً حتمياً.. ففكرة بناء الدولة في أفغانستان أو أي مكان آخر تشكل حساسية للعقلية الأمريكية فهي للبعض في اليسار بمثابة إمبريالية فالأمريكيون يعتقدون منذ فترة طويلة أن مفهوم الإمبراطورية هو إساءة ضد تراثنا الديمقراطي ولكن في الأشهر الماضية باتت كلمتي «الإمبراطورية الأمريكية» تجري علي كل الألسنة. وعلي الجانب الآخر، يري بعض المحافظين أنه إذا كانت واشنطن غير قادرة علي حل معضلاتها في الولاياتالمتحدة كيف يمكن أن يتسني لها إذن أن تحل مشكلات أفغانستان؟ بل وذهب النائب الجمهوري مايك بنس أن الحزب الجمهوري ينبغي عليه معارضة أي جهود لاستخدام قواتنا العسكرية من أجل بناء أمة. ولا يزال إرث حرب فيتنام عالقاً بالأذهان فالذكريات المؤلمة لمكافحة التمرد في جنوب شرق آسيا تهيمن علي التصورات في حرب أفغانستان.. ففي بداية عام 2009 أطلقت مجلة نيوزويك علي أفغانستان اسم «فيتنام أوباما» فبحلول أكتوبر عام 2009 بات 52% من الأمريكيين يعتقدون أن الصراع في أفغانستان تحول إلي الوضع الذي واجهته الولاياتالمتحدةالأمريكية في فيتنام، وفي واقع الأمر غالباً ما ينظر الأمريكيون إلي بناء الأمة علي أنه فشل.. فلم تروقنا محاولة تحقيق الاستقرار لحكومة جنوب فيتنام في الستينيات من القرن الماضي عندما فقد 58000 أمريكي حياتهم جراء الحرب في فيتنام كما أننا أيضاً لم نحبذ الاستقرار الأكثر نجاحا في البوسنة وكوسوفو في تسعينيات القرن الماضي والتي لم يدفع الأمريكيون أرواحهم ثمناً لها. وارتبط مفهوم بناء الأمة في العقلية الأمريكية بالمستنقع أو الوقوع في الورطة.. فوصف النائب الجمهوري توم ديلاي كوسوفو بأنها مستنقع كبير وخطير فضلاً عن ذلك في عام 2004 وصف الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ما مالت إليه الأوضاع موضحاً أن كلما وصلنا إلي نقطة في العراق أصبحت مستنقعاً. وحتي لو تذوقت أفغانستان طعم الاستقرار فمن غير المرجح أن يثير ذلك إعجاب الأمريكيين فبعد أن تضاءلت موجات العنف في العراق بعد عام 2007 ولكن لم تقم الاحتفالات في الولاياتالمتحدةالأمريكية ولم تدق أجراس الكنائس ولم ترفع الأعلام لتزين المنازل والواجهات فبدلاً من ذلك كله توقف الناس عن التفكير في الحرب علي العراق. وفي هذا الصدد فإن أفضل الآمال التي يمكن للرئيس أوباما تحقيقها في الجبهة الداخلية هو زيادة الأمن وهو ما يعني نسيان الأمريكيين للحرب علي أفغانستان أيضاً. دومينيك تييرني أستاذ العلوم السياسية بكلية سوار ثمور بالولاياتالمتحدةالأمريكية نقلاً عن لوس أنجلوس تايمز