عندما التقي ميتشيل بالرئيس الفلسطيني أبو مازن حرص علي أن يقول له: «الكونجرس اليوم مختلف عن الكونجرس أمس».. قال ميتشيل ذلك ليبرر التغير أو بالأصح التراجع الذي حدث في النهج والموقف الأمريكي تجاه المشكلة الفلسطينية.. ولكن يا ليت الأمر اقتصر علي التراجع فقط، وتخلي الإدارة الأمريكية عن مطالبة حكومة نتانياهو بوقف الاستيطان وتجميده ولو حتي لفترة محدودة كما فعلت من قبل وحتي بعد تغير الكونجرس وسيطرة الجمهوريين عليه.. إنما تجاوز الأمر ذلك ووصل إلي درجة اتخاذ مواقف تلحق الأذي بالفلسطينيين وتعادي حقوقهم.. فها هي الإدارة الأمريكية بعد أن انتقدت أو هاجمت اعتراف البرازيل والأرجنتين بالدولة الفلسطينية، تعلن أنها تعارض صدور قرار من مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي، ويطالب إسرائيل بوقفه أو تجميده. وهكذا ينطبق علي موقف الإدارة الأمريكية إلا أن المثل الشعبي الشهير الذي يقول: «لا منك ولا كفاية شرك»!.. أي بدلاً من أن تساهم واشنطن كما بشرنا أوباما منذ وقت طويل بأن إدارته سوف تسعي إلي إيجاد حل دائم ونهائي للصراع العربي الإسرائيلي، يراعي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم ويمنحهم حقوقهم في إقامة دولة مستقلة، فإنه ينكص علي عقبيه، ويطالب الفلسطينيين بتنازلات جديدة والقبول باقتسام أراضي الضفة مع الإسرائيليين، والقبول يتناسي أن تكون القدسالشرقية عاصمة لدولتهم.. فهذا ما قالت به بوضوح رسالة هيلاري كلينتون التي حملها ميتشيل إلي أبو مازن وسلمه إياها في رام الله.. فهذه الرسالة التي اعتبرها ميتشيل غير رسمية تتحدث عن تفاوض فلسطيني إسرائيلي حول الأراضي التي احتلت عام 1967، وتتحدث أيضًا عن بحث مصالح الفلسطينيين والإسرائيليين في القدسالشرقية. وإذا كان ميتشيل برر هذا الانقلاب في الموقف الأمريكي بسيطرة الجمهوريين علي مجلس النواب الأمريكي.. فهذا يعني أنها رسالة لنا كلنا، الفلسطينيين والعرب، بألا نعول منذ الآن علي موقف أمريكي موضوعي ومحايد.. فهذه السيطرة الجمهورية علي مجلس النواب الأمريكي مستمرة حتي انتخابات الكونجرس المقبلة.. وبالتالي لا جدوي من المراهنة علي موقف أمريكي ليس فقط مساند لنا ولقضيتنا الفلسطينية، بل حتي غير معارض أو غير معادٍ لها. هنا الأمر بات يحتاج لوقفة عربية شاملة وواضحة تجاه هذا الصديق الأمريكي الذي خذلنا وكذب علينا وأضاع منا عامين كنا خلالهما نمنحه المهلة وراء الأخري.. ونمنحه تأييدنا لكل محاولاته التي ثبت فشلها سواء كانت مباحثات وجولات مكوكية لمبعوثه في منطقتنا، أو مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو مفاوضات مباشرة فيما بعد. يتعين أن يعرف الصديق الأمريكي أننا غاضبون ومستاءون بشدة من تراجعاته ونكوصه علي عقبيه ورافضون لمواقفه المعادية لقضيتنا.. يجب أن تعرف واشنطن ذلك بوضوح، خاصة هذه الأيام التي سوف تشهد عرض مشروع قرار علي مجلس الأمن يدين الاستيطان ويطالب الإسرائيليين بوقفة.. يجب أن يفهم الأمريكيون أنهم يغامرون بصداقتنا إذا عارضوا مثل هذا القرار.. إن إحراج واشنطن هو أضعف الإيمان.