مرة أخري أتوقف عن المضي إلي هدفي وهو حتمية محو الأمية في مصر، لأشارك في محو أمية أخري تتعلق بالفكاهة في مصر وأركز بالتحديد علي عنصر الكاريكاتير كنكتة مرسومة. ولسنوات طويلة انشغلت بهذه القضية خاصة في الأوقات التي رأيت فيها أن صناع الضحك في مصر حادوا بشدة عن الهدف الأصلي للنكتة المقولة والمرسومة. والهدف الأصلي طبقا لما حصلته في هذه الصنعة هو التنبيه إلي خطأ حدث أو علي وشك الحدوث. وكثيرا ما قلت وعدت وزدت أن النكتة حكم، كسائر أحكام القضاء أي أنه عنوان للحقيقة، حقيقة المشكلة التي تتناولها النكتة، غير أنه حكم يوصف بأنه لعوب. هذا هو ما يجب أن يستوعبه جيدا كل مشتغل بهذه الصنعة، عندما ترسم كاريكاتيراً، عندما تقول نكتة، فأنت تصدر حكما، فاحترس يابني فربما ظلمت أبرياء وأودعت السجن أشخاصا لم يرتكبوا جريمة ما. إن كلمة ساخر وسخرية هي المسئولة عن الأخطاء الشائعة في حقل الفكاهة، النكتة لا تسخر من أحد ولا تتهكم علي أحد، بل هي فعل غاضب من أجل الحياة يحاول التنبيه إلي ما فيها من قبح بهدف تجنبه، وذلك في إطار فني جميل مستحيل أن ينفصل عن مضمونه. ولذلك يمكن اتهام النكتة المقولة والمرسومة بأنها سخيفة أو رديئة أو بايخة أو ثقيلة الظل غير أنه من المستحيل وضع صاحبها في قفص الاتهام جنبا إلي جنب مع المجرمين. حتي الآن عجزت كل قوانين الأرض عن محاسبة شخص فاسد الذوق. غير أن سكة السلامة دائما تحتم علي صانع النكتة ألا يكون مع أحد أو ضد أحد، عليه أن يتنبه دائما إلي أنه يعمل قاضيا. واستخدام الحيوانات كأشخاص وأبطال للنكتة، يعود إلي أقدم العصور عند الفراعنة، القطط والكلاب بالتحديد. إن التعبير عن التناقض (paradox) وهو حجر الزاوية في الكوميديا، يحتم استخدام الحيوانات أحيانا للتعبير عن صفات وعواطف وانفعالات بشرية. وبوصفي واحدا من شيوخ هذه الصنعة أو علي الأقل أزعم ذلك، فأنا أطلب من الجميع سماع شهادتي، فيما يتعلق بالقضية التي أثارها الدكتور زكريا عزمي في أولي جلسات مجلس الشعب عن رسم كاريكاتير للرسام عمرو سليم، أشهد وأقسم بالله العلي العظيم بأنه لم يتسلل لي الإحساس كمتلقي بأن فيه إهانة لأعضاء مجلس الشعب أو لأي عضو فيه، من الناحية التشريحية للنكتة هو لجأ للتناقض الشهير بين القطط والكلاب، مشكلته الوحيدة ناتجة عن نقص الخبرة، لم يتنبه إلي أن كلمة كلب المسموعة والمرئية تثير إحساسا بالغضب والإهانة عند المصريين والعرب عموما. المثل الشعبي والمصطلح الشعبي يستخدمان النكتة ببراعة وبشكل مدهش، استمع معي: فار وقع من فوق السطوح، القط قال له: اسم الله.. فقال له: إبعد عني ورزقك علي الله. في دفاعه عن الرسام,أخطأ صديقي مجدي الجلاد عندما قال إن الرسام لا يقصد انتخابات مجلس الشعب المصرية، الواقع أن دفاعه كان يجب أن ينصب علي أن الرسام لم يقصد ومن المستحيل أن تكون في نيته، إهانة أي مخلوق داخل مجلس الشعب أو خارجه. علي المجتمعات أن تحافظ علي طاقة الشقاوة غير العاقلة عند رسامي الكاريكاتير من أجل تثبيت العقل العام علي الموضوعية والحياد . إنني أتوجه بالحديث إلي السيد الدكتور زكريا عزمي والسادة أعضاء لجنة الثقافة بمجلس الشعب، يجب ألا تتحول هذه الحكاية إلي معركة، من حقكم جميعا، ومن حق الرسام أيضا أن يقف أمامكم ليعتذر عن الخطأ غير المقصود الذي تسبب في إحساسكم بالغضب. أشكركم وأبتهل إلي الله أن يلهمكم الصواب.