ترجمة: مي فهيم بعد مرور أسبوعين علي تسريبات ويكيليكس يرغب الكثير من الأمريكيين في رؤية جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس في السجن.. ولكن بدلا من ذلك عليهم منحه وساما فنشر هذه البرقيات الدبلوماسية السرية بالطبع هو أمر صعب ومحرج لكن أسانج وتسريبات ويكيليكيس قدمت خدمة كبري لأمريكا عن غير قصد عن طريق كشف النقاب عن زيف نظريات المؤامرة حول السياسة الخارجية الأمريكية. كان هناك اعتقاد بين الأوروبيين وسكان أمريكا اللاتينية في اليسار والصينيين والروسيين في اليمين أن كل التصرفات والأفعال التي تصدر عن الأمريكيين في العلن بشأن سياستهم الخارجية ما هي إلا ستار لأجندة سرية خفية؛ وقد تختلف هذه الأجندة وفق مصالح طرف قوي أو الانقلاب علي حكومة يسارية أو إضعاف أمة متناحرة وأيا ما كانت تحتوي تلك الأجندة الخاصة فالأمريكيون بالطبع لديهم أجندة خاصة والساذج فقط هو من لا يعتقد في ذلك. والقول إن دوما هناك أمرا يتسم بالشر يدبر خلف أسوار السفارة الأمريكية بات مألوفا في الأفلام والمسلسلات التليفزيونية البريطانية سواء كان عن طريق التلاعب في الرأي العام البريطاني أو التستر علي الجرائم النووية. ولكن الآن بعد أسبوعين من إزالة الستار عن وثائق ويكيليكس بات واضحا أن الموقف العلني الذي تتخذه الولاياتالمتحدةالأمريكية في أي قضية كان هو دائما الموقف الذي يتخذ في السر ولا فارق بينهما ولا تناقض وهو ما يعني أن نظريات التآمر في العالم منيت بخيبة أمل عميقة. ويخرج الأمريكيون بتصريحات في العلن تعرب عن رغبتهم في بناء علاقات قوية مع الصين تقوم علي المصالح المتبادلة ولكن في الوقت ذاته تساورهم مشاعر القلق من أن بعض السياسات الاقتصادية الصينية قد تضر العاملين الامريكيين وهو ما يقوله الامريكيون في الخفاء أيضا. فالبرقيات التي كشف عنها ويكيليكس تتوقع مرحلة أكثر اضطرابا في العلاقات الأمريكية الصينية ويؤكد جون هنتسمان - السفير الأمريكي لدي الصين- أننا بحاجة إلي إيجاد سبل للحفاظ علي العلاقات الايجابية مع ضمان زيادة الفائدة للعاملين الأمريكيين. وعلي الرغم من قيام العديد من الصينيين بتفسير نظريات حول المؤامرات الأمريكية لكبح جماح صعود الصين فلم يرد في وثائق ويكيليكس أي ذكر أو تلميح لتلك المؤامرات. وكذلك الحال بالنسبة لإيران، فالأمريكيون يعربون علنا اعتقادهم بقيام الإيرانيين بتطوير الأسلحة النووية وهو ما يمثل تهديدًا للسلام العالمي ولكن أمريكا تميل للتعامل مع المشكلة الإيرانية بشكل سلمي وهو ذاته ما أكدته وثائق ويكيليكس أن أمريكا تقوله سرا. بينما كان كبير مستشاري الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هو من وصف الحكومة الإيرانية ب"الفاشية". وتثير الولاياتالمتحدةالامريكية علنا ضجة كبري حول حقوق الإنسان والفساد وإذا طالعنا البرقيات من كينيا علي سبيل المثال سنجد أن الأمريكيين قلقون بشأن تلك القضايا أيضا خلف الأبواب المغلقة. ولم يكشف ويكيليكس عن وجود فجوة بين ما يقال في التصريحات الأمريكية علنا وما تحمله المناقشات السرية وذلك لأن الممثلين الامريكيين هم دبلوماسيون أكثر من كونهم يميلون إلي الازدواجية. فلم يعلن الامريكيون مطلقا أنهم ينظرون إلي الحكومة الروسية علي انها تتسم بالفساد ولا تنعم بالديمقراطية فمثل هذه التصريحات قد تخلق نوعا من المواجهة لا داعي له وربما يؤدي إلي نتائج عكسية لأن الحكومة الروسية ستصور مثل هذه التصريحات علي أنها إهانة للوطن أو مؤامرة ضد روسيا. فغضب رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين هو دليل علي مدي ضرر ويكيليكس علي موسكو. وعلي جانب آخر، هدد رئيس الوزراء التركي بمقاضاة تسريبات ويكيليكس التي تقول إنه يمتلك حسابات في بنوك سويسرا. وبالطبع هناك القليل من التسريبات التي لا تعكس الامريكيين بالضبط مثل الأوامر للدبلوماسيين الامريكيين في الأممالمتحدة بمعرفة البيانات الشخصية لمسئولي الأممالمتحدة بما فيها أرقام بطاقات الائتمان الخاصة بهم (إنني اعلم أن أمريكا بحاجة إلي المال ولكن هل وصل الأمر إلي ذلك؟) ولكن حتي بعض المسئولين الذين تم التنصت عليهم لا يبدو عليهم الغضب العارم لافتراض أن التجسس من جميع الجهات حقيقة مؤسفة في الحياة الدبلوماسية. وعموما فالصورة التي عكستها وثائق ويكيليكس عن الولاياتالمتحدةالأمريكية إيجابية والأكثر من ذلك أنها كشفت أن السياسة الخارجية الأمريكية تتسم بالذكاء والعملية وربما يكون هذا هو أفضل الأسرار علي الإطلاق. جدعو راشمان كاتب بريطاني نقلاً عن الفيننشال تايمز البريطانية