بعد فوز الدكتور السيد البدوي برئاسة حزب الوفد في انتخابات ديمقراطية حقيقية، وبعد أن صدرت له تصريحات عن تغيير قناعات الوفد العلمانية، كتبت دفاعًا عن ليبرالية الوفد وعلمانيته التاريخية التي صاغها الشعب المصري عام 1919 في شعار لا تزال مصر في أشد الحاجة إليه وهو «الدين لله والوطن للجميع». لكن الرؤية السياسية المختلفة مع وفد السيد البدوي تتنحي في هذه اللحظة التاريخية والمفرق المهم الذي يعيشه حزب الوفد بسبب نتائج الانتخابات البرلمانية، وليس لدي شك في أن حزب الوفد استبق الانتخابات البرلمانية بموقفين وطنيين الأول: بالتصدي لمحاولات بعض شباب الحزب بمنح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي شرعية وفدية وهو لم يكن يوما عضوًا بالحزب أو مؤمنا بمبادئه. والثاني: حين رفض دعوات مقاطعة الانتخابات التي قادها حزب الجبهة شريك ائتلاف المعارضة والحرقات الاحتجاجية التي لا تري في الديمقراطية وسيلة للتغيير، وتؤمن بنظرية الفوضي الشاملة أو الخلاقة مثل الوفد في هذين الموقفين أولاً إيمانًا بالتجربة الحزبية، وثانيا كخط دفاع للحفاظ علي التغيير المؤسسي النابع من صناديق الاقتراع. لكن نتيجة الانتخابات في مرحلتها الأولي مثلت صدمة عنيفة للوفد الذي رشح 220 من أعضائه للبرلمان نجح اثنان، ودخل 9 علي مقاعد الإعادة واضطر الوفد تحت ضغوط هيئاته القيادية وقواعده الجماهيرية إلي اتخاذ أصعب قرار لحزب سياسي وهو التخلي عن الانتخابات كوسيلة للاستمرار والظهور علي المسرح السياسي. أنا شخصيا لست من المؤمنين بالانسحاب أو المقاطعة وأعتقد مثل كثيرين غيري أن المشاركة هي الوسيلة الوحيدة لإنضاج الحياة السياسية، لكن نتائج الانتخابات مثلت كارثة لحزب الوفد. وبينما يتحمل الوفد جانبًا من هذه النتائج إما لضعف عدد من مرشحيه، أو لافتقادهم لخبرات المعارك الانتخابية، لكن في نفس الوقت لا يجب إعفاء الحزب الوطني من بعض المسئولية لأنه باعتباره الحزب الأكبر والذي يدعو رئيسه إلي تفعيل وتعميق وإثراء الحياة الحزبية، كان عليه أن يترك نسبة من المقاعد للأحزاب ولا يتنافس عليها، لأن الأحزاب لن تكبر وتنمو وتتنفس دون تمثيل برلماني ودون حياة في الشارع والتحام بالجماهير. وفي اعتقادي أن نتائج الانتخابات جاءت بمثابة رصاصة الرحمة لإنهاء حياة الأحزاب السياسية في هذا البلد.. مما يعني أن أحزابا مثل الناصري قد تنتهي، والتجمع قد يتعرض لانشقاقات لكن علي الوفد وغيره تلمس سبل الحياة والنجاة. الوفد في موقف غاية في الصعوبة فهو لا يستطيع سوي فصل نوابه الناجحين لعدم التزامهم بقرار الانسحاب، مما يعني حزبًا بدون تمثيل نيابي لمدة خمس سنوات قادمة.. قد تنهي علي حزب الوفد.. وقد تعيد بعثه إذا أعاد بناء نفسه بشكل حقيقي وجاد وفاعل في الشارع.. وهنا يجب علي كل الوطنيين الشرفاء دعم الوفد في هذه المرحلة.