أطلق البعض صفة «عصر المعلومات» علي الزمن الذي نعيشه وذلك بسبب أن المعلومة اليوم هي أغلي بكثير من كنوز المال أو الموارد الطبيعية في أي بلد من البلدان، ذلك لأن استخدام المعلومات بطريقة ذكية وفعالة يمكن أن يدمر بلداً ما ويمكن أن تقيم آخر. فاستخدام المعلومات في الحرب أو السلم، أو في السياسة والاقتصاد أصبح أمراًً في منتهي الأهمية والضرورة القصوي والفارق بين بلد متقدم ومتطور وآخر متخلف وعشوائي هو في كيفية استخدام المعلومة التي يحصل عليها، أما ما حدث في الأيام الأخيرة والصادر من موقع ويكيليكس فهو يعتبر ثورة معلومات ذلك لأنه في عصر المعلومات الذي نعيشه وسرعة التدفق التي يتسم بها علينا أن ننتظر ثلاثين عاماً أو أربعين علي الأقل حتي تفرج الدولة عن وثائق الحرب أو العلاقات مع الدول الأخري أو الشركات العملاقة العابرة للقارات.. الخ. والثورة هنا أننا استطعنا من خلال هذا الموقع أن نري ونقرأ وثائق الحروب القريبة جداً منا زمنياً مثل غزو العراق، والتي كان من المستحيل أن يراها جيلنا فنشر البرقيات والمذكرات السرية للدبلوماسية الأمريكية هزت الأوساط السياسية وتسبب في احراج الولاياتالمتحدة أمام أصدقائها في كل العالم. وكشفت وثائق عن مجاملات الحكومة البريطانية في التحقيقات التي تجريها عن حرب العراق، وذلك بأن تعهدت الحكومة بتقييد نطاق التحقيق الخاص بحرب العراق بهدف حماية المصالح الأمريكية، أما عن فرنسا ففي إحدي الرسائل من السفارة الأمريكية بباريس تقول إن ساركوزي منحاز للأمريكيين والإسرائيليين وأنه علي استعداد للتعامل مع إيران التي تعتبر فرنسا وأمريكا تهديداً لها، وأنه يختلف عن جميع رؤساء فرنسا السابقين الذين انحازوا للعرب منذ ديجول وحتي شيراك، وأظهرت الوثائق كيف أن إسرائيل تحاول إعاقة تسليح أمريكا للدول العربية، وأنها تشترط في هذا التسليح ومراعاة أن يكون لإسرائيل تفوق نوعي وذلك بإمدادها بأحدث الأسلحة الأمريكية والتأكد من حصول العرب علي تسليح أقل تطوراً. ولقد صرح الموقع كم الفساد في أفغانستان خاصة كارزاي وحاشيته فقد عبر كثير من رفقائه عن القلق وعقدوا اتفاقات مع السفارة الأمريكية في كابول من وراء ظهر كارزاي، وأوضحت الوثائق أن السفارة الأمريكية من أكبر منتقدي سياسة كارزاي، في افغانستان وقد وصف الرئيس الروسي ميدفيديف أن الوثائق تعلن بدون لبس مدي وقاحة السياسية الأمريكية واستخدامها لأساليب قذرة لا تستخدمها داخلياً. ولقد تسربت بعض الوثائق عن موقف المسلمين في بريطانيا وفرنسا وتظهر قلق الولاياتالمتحدة من أن يثير «التمييز» ضد المسلمين وخاصة في فرنسا أزمات متعددة ومتكررة مما يجعل من فرنسا دولة «هشة»، وبالتالي أقل فاعلية مع حلفائها وفي برقية في نوفمبر 2005 للسفارة الأمريكية تقول: إن المشكلة الحقيقية هي فشل فرنساالبيضاء المسيحية في اعتبار المواطنين السود والمسلمين كمواطنين حقيقة، وأن فرنسا لم تستغل الطاقة والأفكار كاملة لدي الأقليات التي تعيش فيها، والسؤال هو: ماذا كان موقف الإدارة الأمريكية من هذا الموقع ؟ لقد أبلغت الولاياتالمتحدة ناشر هذه الوثائق أنه يقوم بتعريض حياة أشخاص كثيرين للخطر ويهدد عمليات مكافحة الإرهاب وعلاقات أمريكا بحلفائها في العالم للاختبار. ومن ثم قام المستشار القانوني للخارجية الأمريكية ببعث رسالة إلي أسانج صاحب الموقع ومحاميته يؤكد فيها أن نشر الوثائق سيكون غير شرعي أو قانوني موضحاً أن إدارة الرئيس باراك ترفض الدخول في أي تفاوض بهذا الشأن. وبلا شك فإن هذه الوثائق أثارت حالة من القلق والارتباك في العالم أجمع فما بالك برؤساء وملوك العالم العربي. فمجرد وجود رسالة توضح أن وزير الدفاع اللبناني شرح لإسرائيل كيفية تدمير إسرائيل جعل علامات استفهام كثيرة تبرز رغم نفي وزير الدفاع اللبناني ذلك ولا شك أن العالم العربي يترقب وينتظر ليعرف أسرار تلك العلاقات بين العرب وإيران وإسرائيل وتركيا، والمواقف تجاه الانقسام الفلسطيني ومحور السعودية سوريا، وجبهة الصمود والتصدي.... الخ، ألم أقل لك عزيزي القارئ إنها ثورة معلومات بكل ما تحمل كلمة ثورة من معان.