في مقال الأمس كنت أتحدث عن مؤتمر (الكاتب الإفريقي وتحديات العصر) الذي أقيم آخر الأسبوع الماضي تحت رعاية المجلس الأعلي للثقافة ونادي القلم المصري.. وما زلت أري أن الثقافة والفنون والأدب قد تصلح ما تفسده السياسة وتداعياتها.. كما أنها ترفع من وعي الشعوب بحقائق تتجاهلها الحكومات مادامت لا تمس المصالح المباشرة للبلاد من وجهة نظرهم.. وضمن ما تجاهلناه في مصر لعقود مضت حقيقة أننا مصريون أفارقة، وأننا ننتمي لهذه القارة رضينا أم أبينا.. كان أحد الموضوعات المهمة التي تناقشنا فيها اثناء إحدي الجلسات موضوع الهوية الإفريقية من ناحية، وهوية المصري كإفريقي من ناحية أخري.. وبعيدا عن المناقشات النخبوية للهوية المصرية التي تأخذنا لاتجاهات سياسية مرة أخري، ننظر لأنفسنا نظرة واقعية فنجد الآتي: أولا: أننا جغرافيا يقع بلدنا مصر في شمال شرق القارة الإفريقية. ثانيا: تتنوع ألوان البشرة والملامح المصرية بين بحر متوسطية وشرق أوسطية وإفريقية داكنة اللون. ثالثا: تتباين التضاريس في مصر ولكن السهول الفيضية والساحلية هي أكثر ما يعرفه سكانها. رابعا: يتحدث المصريون اللغة العربية باللهجة المصرية ولا يعرفون ما يسمي باللغات الإفريقية. إذن نحن نتشارك في بعض السمات مع وسط وجنوب القارة الإفريقية ولكننا نختلف بتاريخنا الطويل المتشابك المتباين السلالات والأجناس، وبلغتنا التي يشاركنا فيها الشريط الشمالي للقارة فقط ولا نشارك فيه بقية القارة، وببعض الاختلافات الثقافية الأخري.. وقد فصلتنا تلك الاختلافات عن الوعي بأننا جزء من إفريقيا.. المواطن المصري إذن لا يري بوضوح أنه إفريقي.. وذلك للأسباب التي ذكرناها ولأن إعلامنا وتعليمنا لم يضعنا في إطار إفريقي واضح.. ففي الإعلام، ومنذ انتهاء عصر رعاية الحركات التحررية الإفريقية ودول عدم الانحياز والزيارات المتبادلة بيننا والزعماء الإفريقيين، صارت إفريقيا بالنسبة لنا هي أخبار مختصرة عن كوارث طبيعية أو بشرية، من جفاف لأوبئة لمجاعات.. وصارت دراستها في كتب الدراسات الاجتماعية مقصودة علي بعض المعالم الجغرافية الطبيعية التي يدرسها المصريون كما يدرسون القارات الخمس الأخري وليس علي أنها قارتهم.. أما تاريخها وتاريخ شعوبها وقبائلها المختلفة فلا نعلم عنه شيئا ولا سطرا واحدا.. فجأة أدركنا أننا أهملنا انتماءنا للقارة عندما ظهرت مشكلة مياه النيل.. أدركنا أن تقصيرا تجاه جيراننا قد أصاب العلاقات بالرغم من أنها قويت في عصر حديث مضي ولم نستمر في تقويتها.. فجأة وجدنا أن ما يميزنا عن القارة يميز أيضا شعوبها بعضها عن البعض ولكنه لا يمنع أن تكون كلها ونكون معها شعوبا إفريقية متباينة ولكنها متعاونة ومتقاربة.. فجأة أدركنا أيضا أن هناك الكثير مما يميزنا عن انتماءات وهويات نظن أننا ننتسب إليها بسبب اللغة أو الدين، ولكننا نختلف عن شعوبها ونتباين، ومع ذلك ما زلنا نعترف أننا ننتمي لتلك الهوية.. متي ستتضح لرجل الشارع العادي أن هويته المصرية الوطنية الخالصة هي هوية بوتقية انصهرت فيها عدة ثقافات وحضارات ولغات وسلالات جعلته ما هو عليه.. وأن من واجبه أن ينمي تلك الانتماءات جميعها ومنها الانتماء إلي قارته حتي يحافظ علي توازن تلك الهوية!