لا تمر سوى أربع دقائق فقط إلا وجرس الهاتف المحمول يرن، وكان مضبوطا على نغمة تشبه إلى حد ما رنات التليفونات المنزلية القديمة، فيرد: «ألو... شكرا يا دكتور... الله يبارك فيك.. لأ النهضة موجودة بفضلكم، أنا مجرد منفذ لما تقترحونه وربنا يقدرنى على هذه المسئولية». يغلق الخط ثم يبدأ الحديث عن المجلس الأعلى للثقافة وخطته، وقبل أن يكمل كلامه يدق الموظفون والمهنئون باب مكتبه لتهنئته بقرار توليه الأمانة العامة للمجلس فينظر إلىّ قائلا: «الحوار هكذا سيصبح مشتتا». ولكن رغم كل المقاطعات، أكملنا حوارنا لأن عماد أبوغازى كان منتبها لما كان يقوله قبل المقاطعات الكثيرة، فهو صافى الذهن، منظم فى كلامه، وهذا بالطبع ينعكس على عمله». الدكتور عماد أبوغازى لم يأت من خارج المجلس ليتولى أمانته بل هو فى الأصل صانع رئيسى لأحداثه وأنشطته من خلال توليه الإشراف على الإدارة المركزية لشعبه ولجانه، وكان مساعدا قويا للدكتور جابر عصفور ومن بعده على أبوشادى، ومن هذه النقطة بدأ حوارنا معه: فى ملتقى القاهرة الدولى للقصة القصيرة الذى عُقد مؤخرا قال الدكتور جابر عصفور: «كان عماد أبوغازى كتفا بكتف معى، وأظنه أنه كذلك مع على أبو شادى».. الشروق:: ألا ترى أن كلام دكتور عصفور كان يشكل تتويجا لك وترشيحا لتوليك منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة خلفا لأبى شادى الذى تجاوز السن القانونية؟! عماد: أرى أن ذلك كان أمنية من الدكتور جابر عصفور وليس توقعا أو قرارا. الشروق: لكن اسم أبوغازى يتردد كثيرا فى بورصة الترشيحات لأى مناصب ثقافية خاصة أمانة المجلس؟ عماد: هذا يسعدنى، وإذا كان الاختيار الأخير صادف رضا الناس والمثقفين فهذا أمر جيد ومشجع. الأكثر ظهورا. الشروق: توليت منذ 1990 الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية بالمجلس فما الفارق بينها وبين الأمانة العامة للمجلس؟ عماد: هناك من يتصور أن الإدارة المركزية للشعب واللجان والأمانة العامة للمجلس شيئا واحدا خاصة أن هناك ما يدعم هذا الخلط بينهما وهو وجودهما فى مقر واحد، ولكن الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية جزء من الأمانة العامة. من الجائز أن تكون هى الجزء الأكثر ظهورا، فهى المسئولة عن تنظيم أنشطة المجلس، والإعداد لاجتماعاته أيضا، أما الأمانة العامة فلها مسئوليات أخرى مثل تنظيم المؤتمرات الدولية، والإشراف على ست إدارات مركزية، وهى الإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية، والإدارة المركزية للشئون الأدبية والمسابقات وتتبعها منح التفرغ ومكتب حقوق المؤلف وحماية الملكية الفكرية، والإدارة المركزية للشئون القانونية، وأخرى للشئون المالية فضلا عن التنظيم والتدريب بوزارة الثقافة والإشراف على المركز القومى لثقافة الطفل. الشروق: ولكنك كنت تشارك فى تنظيم المؤتمرات الدولية بالمجلس وأنت مسئول عن تلك الإدارة المركزية؟ عماد: نعم كنت أشارك فى تنظيم مثل هذه المؤتمرات؛ لأنى أمتلك خبرة فى ذلك المجال منذ فترة طويلة عندما كنت أتعاون مع الدكتور جابر عصفور بجامعة القاهرة فى الإعداد لمؤتمرات دولية كبيرة كمؤتمر المئوية الأولى لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ومؤتمر الأديب العالمى نجيب محفوظ الذى عُقد سنة 1990. الشروق: ألا تخاف من مقارنتك بالدكتور جابر عصفور الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة؟ عماد: ضاحكا: لا أظن أنه يوجد من لا يخاف من مقارنته بالدكتور جابر عصفور، لكن لكل شخص رؤيته وتصوره، كما أننى لم آت من فراغ بل استفدت واستفيد مما صنعه ووضعه الدكتور عصفور ومما أكمله على أبوشادى من بعده. الشروق: ألا ترى أن منصبك الجديد والإشراف على كل هذه الإدارات وأنشطتها سيعطلك عن أبحاثك وكتاباتك الصحفية فضلا عن تدريسك بالجامعة؟ عماد: لا يمكن ولن أسمح بأن يعطلنى عن التدريس؛ لأنى فى النهاية «خوجة»، ولا أتصور نفسى فى غير ذلك. وأعتقد أن «جين» التدريس ثابت فى جيناتى الوراثية، بدليل أن معظم أفراد عائلتى مدرسين. ونفس الأمر بالنسبة للكتابة الصحفية فأنا ملتزم جدا تجاه مقالى بالدستور وإشرافى على تحرير صفحة التراث والتاريخ بعماد:«الشروق:». أما الأبحاث العلمية فيمكن أن تتأخر، وهذا أمر طبيعى. وفى النهاية عملى بالمجلس هو اختيارى، وأشعر أن تولى الأمانة العامة مسئولية مميزة وأنا سعيد بها، وأتمنى أن أنجح فى ذلك. اهتمام أمريكى لاتينى. الشروق: إذن ما خطتك المقبلة أو طموحاتك فى تطوير المجلس وأداء أدواره؟ عماد: أرى أن المجلس له أدوار مهمة يجب التركيز عليها فى الفترة المقبلة مثل الاهتمام بالنشاط الدولى للمجلس، خاصة أن ميزة مصر التنافسية تكمن فى «الثقافة». وأعتقد أن دور المجلس المنوط به هو صناعة الوعى الثقافى الداخلى ومد جسور للتفاعل الثقافى إقليميا ودوليا، لذلك يجب أن نركز على المؤتمرات الدولية. وعندى حلم يشغلنى دائما وهو ألا نظل داخل الإطار العربى فقط بل يجب الاهتمام بالبعد الثقافى الأفريقى. ولك أن تتصور أنه خلال السنوات العشر الأخيرة عقدنا مؤتمرا واحدا عن أدب الطفل الأفريقى، ولذلك سنبدأ فى تحضير ملتقى حول الثقافة الأفريقية فى عصر المعرفة، كما أننا نحضر حاليا لعقد مؤتمر عن أمريكا اللاتينية فيما يشبه حوار عربى أمريكى لاتينى. كما أنى مهتم بنشر الكتاب خاصة بعد أن تأثر المجلس إيجابيا بعد إنشاء المركز القومى للترجمة، الذى كان يستحوذ وقت ما كان مشروعا للترجمة على المكافآت، ونفقات الطبع، وشراء حقوق التأليف والنشر الأجنبى، وهذه التكلفة كانت تتحملها الإدارة المركزية للشعب واللجان، ولكن الآن أصبح لدى المجلس الأعلى للثقافة فائض أكبر لنشر كتب المؤلفين والاهتمام بسلسة الكتاب الأول وكتب منح التفرغ ونستهدف نشر 24 عملا لكل منهما فى السنة، فضلا عن الاهتمام بالنشر الالكترونى وهناك مشروع تأخر ولكنه سيصدر قريبا وهو أول موسوعة الكترونية جغرافية لمصر، بالإضافة إلى نشر الأعمال الكاملة لكتاب كبار مثل الدكتور محمد حسين هيكل وعلى الراعى وغيرهما من كبار الكتاب، فاستقلال المركز القومى للترجمة أفاد كل الأطراف. وفى ذهنى تفعيل دور المجلس خاصة وأنا أستند إلى أساس متين أسسه الدكتور جابر عصفور ثم أكمله الأستاذ على أبوشادى، وذلك من خلال الاستعانة بما يقرب من 600 كاتب وباحث أعضاء بالمجلس، وهم ذخيرة ثقافية لهذا البلد الذى يواجه الجمود ودعاوى التخلف ومعاداة العقل. الشروق: لماذا نلاحظ أن اهتمام المجلس خاصة فى نشاطه الدولى يدور فى فلك الأدب دون الاهتمام بقضايا ثقافية أخرى رغم أن المجلس يضم نحو 24 لجنة فى الفنون والعمارة والتاريخ والفلسفة؟ عماد: يرجع ذلك إلى اهتمام الإعلام بتغطية الملتقيات الأدبية، رغم أن المجلس خلال الألفية الجديدة عقد مؤتمرين عن المرأة، ومؤتمرات أخرى عن ابن رشد ومحمد على وابن خلدون فضلا عن مؤتمر عن مستقبل الثقافة، ومؤتمر بعنوان «نحو خطاب ثقافى عربى جديد». استقلالية المجلس. الشروق: سؤال يبدو بديهيا ولكن أود معرفة إجابتك: ما هدف المجلس الأعلى للثقافة أصلا؟ عماد: لكى نعرف الهدف لابد أن نرجع إلى ما قبل تأسيس المجلس أى إلى مجلس رعاية الفنون والآداب والذى تحول بعد ذلك بموجب القرار الجمهورى رقم 150 لسنة 1980 إلى المجلس الأعلى للثقافة، وكان هدفه ولا يزال هو التخطيط ورسم السياسات الثقافية. الشروق: وما مدى استقلالية المجلس الأعلى للثقافة عن سيطرة وزير الثقافة؟! عماد: المجلس جهاز استشارى لوزارة الثقافة، وبهذا المعنى لابد أن يكون المجلس الاستشارى جهة مستقلة عن الوزارة وإلا انتفت صفته وهو إعطاء استشارة لوزير من أشخاص لا يعملون داخل ديوان وزارته. ومن المؤكد أن المجلس جهاز مستقل وقرار إنشائه يؤكد استقلاليته. وأرجو أن نترك ما يثار كل عام عن جوائز الدولة وسيطرة وزير الثقافة عليها وهو ما أثارته جريدة الشروق هذا العام، وتثيره معظم الصحف كل عام بعد إعلان النتيجة وقبلها أيضا. ودعنا نركز على نشاط المجلس الثقافى من خلال لجانه 24 التى تضم فى كل لجنة 22 عضوا مستقلا لا يتبعون وزارة الثقافة فضلا عن 4 أعضاء بحد أقصى فى كل لجنة منضمين على أساس مناصبهم، وللعلم هم أيضا من المثقفين ولكنهم يتولون مناصب. زمان كان المجلس الأعلى للثقافة يضم ثمانية من المثقفين و25 عضوا من الموظفين، وهم فى الحقيقة كانوا موظفين، أما اليوم فالمجلس يشهد أغلبية من المثقفين والأقلية من الموظفين الذين لهم أيضا نشاط ثقافى. وهذا لابد أن يجعلنا نفتخر بالمجلس لا أن نعترض على تشكيله الحالى. أبوغازى فى سطور عماد بدر الدين أبو غازى، أستاذ مساعد الوثائق بكلية الآداب جامعة القاهرة، والمشرف على اللجان الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة، وله ابنة واحدة من الإعلامية بثينة كامل، مريم، ولدت عام 1990، أنهت دراستها بالليسية الفرنسية بالمعادى، وتدرس الآن بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة. ولد عماد يوم الاثنين 3 يناير 1955 بحى الروضة بالقاهرة، تفتح وعيه فى مناخ ثقافى فنى، فقد كان والده بدر الدين أبو غازى ناقدا يشق طريقه بقوة بين نقاد الفن التشكيلى، من خلال مقالاته فى الصحف والدوريات منذ الأربعينيات من القرن الماضى، وترسخ اسمه فى هذا المضمار بعد صدور كتابه الأول «مختار حياته وفنه» سنة 1949، ذلك رغم أنه كان يعمل بوزارة المالية، التى تدرج فى المناصب بها حتى أصبح وكيلا أولا لها، قبل أن يعين وزيرا للثقافة فى نوفمبر 1970، وكانت والدته رعاية الله حلمى مدرسة للتربية الفنية بمدرسة السنية الثانوية للبنات. كما كانت فنانة واعدة تمارس فنون النحت والتصوير، وإن انشغلت عنهما بأسرتها وعملها، كان الكتاب والتمثال واللوحة الفنية عناصر أساسية تكون المحيط الذى عاشت فيه الأسرة، ليس فقط فى إطار الأسرة الصغيرة، بل كذلك فى العائلة الأكبر، فجدته لأبيه شقيقة نحات مصر الأول مختار، وواحدة من العمات تعمل فى حقل الآثار، وجده لأمه من رجال التعليم، وبين الخالات فنانات تشكيليات ودارسات للفن، فأينما توجه تحتل المكتبة والعمل الفنى مكانا ومكانه. لقد كان عماد الطفل الثانى لوالديه، يكبره بعامين شقيقه مختار الذى توفى فى حادث سيارة وهو بعد شاب صغير، وتصغره بثلاثة أعوام نادية التى تعمل الآن أستاذة مساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عاشت الأسرة فى حى المعادى، حيث أنهى عماد مراحل تعليمه العام، التحق فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية بمدرسة حدائق المعادى القومية. وحصل على الثانوية العامة من القسم الأدبى فى مدرسة المعادى الثانوية النموذجية، ليلتحق بعد ذلك بكلية الآداب جامعة القاهرة فى أكتوبر 1972 ويتخصص فى دراسة التاريخ، فى فترة كانت الجامعة تموج فيها بحركات الاحتجاج السياسى، فانخرط فى صفوف الحركة الطلابية فى السبعينيات وانتخب أمينا للجنة السياسية والثقافية باتحاد طلاب كليته فى العام الدراسى 1975 1976، وقد تعرض للاعتقال أكثر من مرة بسبب نشاطه السياسى. فى عام 1976 تخرج فى قسم التاريخ، وبعد أن حصل على درجة الدبلوم فى الوثائق من كلية الآداب، عين معيدا بقسم المكتبات والوثائق، ونال الماجستير عن وثائق السلطان الأشرف طومان باى سنة 1988، والدكتوراه عن دراسة لوثائق البيع من أملاك بيت المال فى عصر المماليك الجراكسة سنة 1995، وتدرج فى السلك الجامعى إلى أن أصبح أستاذا مساعدا للوثائق سنة 2007، وقد قام بالتدريس فى عدد من الجامعات المصرية وفى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة. ومنذ عام 1999 انتدب إلى جانب عمله بالجامعة مشرفا على لجان المجلس الأعلى للثقافة التابع لوزارة الثقافة، وخلال عمله بالمجلس شارك فى تمثيل مصر فى عدد من المناسبات العربية والدولية، كما شارك فى تنظيم عدد من المؤتمرات العربية والدولية فى مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. طوال هذه الرحلة ظلت الكتابة والبحث همه الأساسى، بدأ عماد أبوغازى كتاباته الأولى وهو طالب فنشر مقالات قصيرة فى جريدة أنباء المعادى المحلية، كما نشر فى جريدة الجمهورية، وفى عام 1974 نشر دراساته الأولى، ففى مجلة «المحبرة» التى كانت تصدر فى باريس ترجمت دراسة له حول الصراع العربى الإسرائيلى إلى الفرنسية. وفى نفس العام اشترك مع الدكتورة ضياء أبوغازى فى بحث علمى عن عالم الآثار الإسلامية على بهجت، ومنذ ذلك الحين واصل الكتابة الصحفية والبحث العلمى، فنشر مقالاته بشكل متقطع فى عدد من الصحف والمجلات المصرية والعربية. له مقال أسبوعى بجريدة الدستور منذ عودتها للصدور سنة 2005، كما يتولى تحرير صفحة تراث وتاريخ بجريدة الشروق.