لا أعرف سر العلاقة بين دار الجمهورية والثقافة الجماهيرية ، ولكني أعرف ومصر كلها تعرف أن مسئولي صفحات وأقسام الثقافة والأدب في كل مطبوعات دار الجمهورية تقريبا يعملون في الثقافة الجماهيرية، وهم يعملون، أي يداومون علي أعمالهم يوميا بانتظام أكثر من الجمهورية نفسها : يسري حسان المحرر الثقافي بجريدة المساء والمشرف علي القسم الثقافي بمجلة " حريتي " يعمل رئيسا لتحرير مجلة " مسرحنا " ويسري السيد محرر " نادي أدباء الأقاليم " يعمل رئيسا لتحرير مجلة " مصر المحروسة " الإلكترونية وعمرو رضا المشرف علي الصفحة الثقافية بجريدة الجمهورية يعمل رئيسا لتحرير مجلة " الثقافة الجديدة " . وهم في الأصل كانوا ومازالوا مندوبين للجمهورية في الثقافة الجماهيرية، ولا يعلم إلا الله كيف يؤدون عملهم الصحفي بالموضوعية والنزاهة المفترضة في ظل هذا الوضع، كما أنهم للأسف ورثوا مواقع صحفية كانت تشغلها أقلام كبيرة عفت عن العمل بالثقافة الجماهيرية وكانت تقف بالمرصاد لأي خلل في عملها أو قصور في رسالتها الأساسية في التثقيف والتوعية وهم الشاعر الراحل محسن الخياط مؤسس نادي أدباء الأقاليم والروائي الراحل عبد الفتاح الجمل محرر الملحق الثقافي بجريدة المساء في عز مجده والناقد والمفكر الراحل د. فتحي عبد الفتاح المشرف علي الصفحة الأدبية بجريدة الجمهورية . وكما تري كلهم رؤساء، ورئاساتهم اخترعت خصيصا لهم ولم تشهدها الثقافة الجماهيرية من قبل، مجلة مسرحنا أسسها د. أحمد نوار رئيس هيئة قصور الثقافة السابق خصيصا ليسري حسان، ومجلة " مصر المحروسة " أساسها د . أحمد مجاهد رئيس الهيئة الحالي خصيصا ليسري السيد رغم أن الهيئة لها موقع الكتروني قديم يقوم بنفس المهام، أما عمرو رضا فقد اخُترع له منصب لم تعرفه الثقافة الجماهيرية قبله. والأنكي من اختراع هذه «الرئاسات» أنها لا تضيف جديدا للثقافة الجماهيرية، بل إنها باستثناء مجلة «الثقافة الجديدة» تكرر حرفيا مطبوعات وإصدارات قديمة مازالت مستمرة حتي اليوم، فمجلة «مسرحنا» تعيد تجربة وربما نصوصاً وكتّاب مجلة «آفاق المسرح» وسلسلة «نصوص مسرحية» التي تصدرها الهيئة شهريا ، ومجلة «مصر المحروسة» قوم بنفس الدور الذي يقوم به «موقع هيئة قصور الثقافة» الإلكتروني الذي يشرف عليه الناقد د. مصطفي الضبع، كما أن هذه المجلات المخترعة تفتقر لأي تأثير او رواج يذكر اللهم إلا سخط غالبية الأدباء والمسرحيين، والأهم أنها ترهق ميزانية الثقافة الجماهيرية المحدودة أصلا والمخصصة أساسا للأقاليم المحرومة من الفنون والثقافة عموما، يكفي أن المكافأة الشهرية لأي واحد من هؤلاء ( الرؤساء) تبلغ أضعاف ما تخصصه الهيئة لنادي أدب أي محافظة طوال عام كامل بما فيها «نادي أدب» العاصمة نفسه!! وهذا بالطبع يعرقل عمل الثقافة الجماهيرية ورسالتها الأساسية في ترسيخ قيم الفنون والثقافة والاستنارة في الأقاليم علي أهميتها بل ضرورتها خصوصا هذه الايام، فالثقافة الجماهيرية بإمكانياتها الضخمة (مديرية ثقافة في كل محافظة وقصر ثقافة في كل مركز وأكثر من عشرين الف موظف واربعمائة مكتبة وعشرات الفرق المسرحية والشعبية ونوادي الأدب والمسرح والفنون التشكيلية المنتشرة من الإسكندرية حتي حلايب وشلاتين) قادرة وجدير بقيادة ثورة ثقافية شاملة ومواجهة حاسمة للتيارات الظلامية المتخلفة التي تزداد استفحالا وقمعا لقيم الحرية الاستنارة يوما بعد يوم، لكنها للأسف معطلة، وستظل معطلة ما بقي الاهتمام بهذه «الاختراعات» العجيبة.