وقع أسيراً لسيرة بني هلال وسخر حياته من أجل جمعها وتدوينها حتي يؤرخها للأجيال المقبلة وظل متمسكاً بالمثل الشعبي القائل «طول البال يبلغ الأمل» ولم يكن ينتظر مقابل ما بذله من جهد ولكن قاده إخلاصه إلي جائزة صقلية للتراث الثقافي والانثربولوجيا التي منحتها له جامعة بالرمو الإيطالية. قضي الباحث محمد حسن عبد حافظ 15 عاماً متجولاً في صعيد مصر وتحديداً بمحافظة أسيوط باحثاً عن من هم مازالوا يحتفظون في ذاكرتهم بأهم ملحمة في التراث المصري العربي «السيرة الهلالية» ولم يتوقع مدي صعوبة هذا الأمر الذي تطلب منه تفرغاً وسنوات كثيرة لجمع تفاصيلها وكان إيمانه الشديد بها المحرك الذي يدفعه إلي الاستمرار. الظلم والاهمال اللذان أحاطا بهذه الملحمة الكبري وتعامل البعض معها علي كونها خرافة دائما ما شجعه ذلك علي التعمق بشكل أكبر في رموز سيرة بني هلال أسطورة الشعب المصري التي تربي عليها في الصغر عبر أثير الإذاعة وعلي أنعام الربابة ومن الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي الذي ترك في نفسه أكبر الأثر وجعله شغوفاً بها. علي عكس الشباب اختار أن يتخصص في الأدب العربي تحديداً الأدب الشعبي ونال فيه درجة الماجستير بدرجة امتياز وواصل ما بدأه من خلال رسالة الدكتوراه التي قام فيها ببحث ميداني عن سيرة بني هلال بمحافظة سوهاج. ورغم صعوبة الأبحاث الميدانية وكونها مجالاً شاقاً وعسيراً فإنه لم يستسلم للأصوات التي تعتبر الدراسات النظرية الوسيلة الأفضل والأسرع وأصر علي وجهة نظره فأخذ يجوب القري من أجل الوصول إلي الروايات الشعبية التي مازالت تسرد علي لسان بعض الأفراد في أقصي الصعيد المصري. رافق د.محمد الكثير من التحديات طوال سنوات البحث بدءاً من قلة الأفراد الحاملين لهذه الأسطورة وتحدثهم باللهجة الصعيدية القديمة حتي أنه اضطر إلي دراسة هذه اللهجة حتي يتمكن من فهم مصطلحاتهم ليحصل علي ما يريد كما تطلب منه الأمر قدرة علي استيعاب هذا العالم الذي يطلق عليه «الشفاهية». إيمانه بأن الثقافة الشعبية تمثل الهوية الوطنية وأملاً في أن تجد الملاحم المصرية اهتماماً كما يحدث في دول أوروبا سعي كثيراً حتي أصدر مجلده الأول عام 2006 وبعد عامين أطلق مجلده الثاني اللذين تناولا بعمق شديد سيرة بني هلال ليصبحا عملاً عملياً للأجيال المقبلة يستهلمون منه الكثير من معاني الثقافة الشعبية المصرية الأصيلة التي تحمل قيماً وصفات إيجابية. توج مجهود محمد بجائزة صقلية لتراث الثقافي والانثربولوجيا التي تسلمها منذ أيام قليلة من روما مرتديا جلباباً صممه ونفذه له والده اعتزازاً منه بالثقافة الشعبية المصرية التي أراد أن يتعرف عليها الآخر.