يقع التعليم في بؤرة اهتمام الأسرة المصرية تنفق في سبيله مليارات الجنيهات خاصة علي الدروس الخصوصية، كما أنه في جدول اهتمامات الحكومة، حيث تبذل جهداً في زيادة المخصصات المالية للتعليم في الموازنة العامة للدولة سنوياً إلي جانب جهود أخري كثيرة نسمع بها ونلاحظها هذه الأيام. والحقيقة أن أوضاع التعليم في مصر تستحق منا جميعاً حكومة ومجتمعاً مدنياً وقطاعاً خاصاً ومواطنين جهداً أكبر بكثير بفكر ثاقب وتخطيط مركز وبشراكة فاعلة ليكون مركز وجوهر اهتماماتنا جميعا كي نرتقي فعلا بالعملية التعليمية والتربوية. فالتعليم هو قاطرة التحول في المجتمعات التي تنشد التقدم وهناك العديد من التجارب العالمية الفريدة التي كان التعليم فيها أهم دعائم التقديم والتحول. مثلا في جنوب أفريقيا كان التعليم في قلب عمليات التحول والتحديث، وقد شمل التغير فلسفة ومنهجية وتوجهات العملية التعليمية، عاون ذلك علي التحول من نظام العنصري إلي النظام الديمقراطي. وعندما ندرس الخبرة التي سبق أن تبنتها اليابان وألمانيا فحولتهما من سقوط تام بعد الحرب العالمية الثانية إلي مصاف الدول المتقدمة في خلال 30 عاماً كان التعليم هو جوهر عمليات التحول والبناء في هذه المجتمعات. يرتبط التعليم ارتباطاًَ بمستقبل المجتمع، ليس فقط لأنه عملية معرفية يتلقي من خلالها الطالب معارف منظمة ومهارات وتقنيات مطلوبة ولكن أيضا لدوره المتزايد في إعداد أجيال قادرة علي المشاركة بفاعلية والتخطيط للمستقبل بشكل واع والتسلح بالقيم الناهضة والمهارات الحياتية والاتجاهات الصحيحة التي تفضي إلي تطوير نوعية الحياة، لا أحد يجادل في أهمية التعليم، ولاسيما بعد أن أصبح أحد جوانب تميز المجتمعات وتزايد قدرتها التنافسية. وعندما نبحث كيف وضعت دولة مثل اليابان التعليم كأولوية قصوي نكتشف أن نصيب الطالب لديها في ميزانية التعليم يصل إلي سبعة آلاف دولار سنوياً. كما أننا نجد دولة مثل السعودية يصل فيها نصيب الطالب في ميزانية التعليم نحو ألف دولار سنويا وفي تونس يصل إلي نحو ثلاثمائة دولار سنوياً بينما يصل نصيب الطالب في ميزانية التعليم في بلدنا نحو مائة وخمسين دولاراً سنوياًَ. هناك اتفاق عام في مصر بين المشرعين والتنفيذيين والمثقفين علي أهمية التعليم في تحديث مصر، وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية تطوير التعليم وعقد العديد من المؤتمرات في هذا الصدد كما تم إنشاء هيئة مستقلة لجودة التعليم ولايزال الحديث مستمراً عن ضرورة تطوير التعليم .. هناك عناصر متشابكة ومعقدة تحكم العملية التعليمية ويجب التعامل معها بنفس الدرجة من الاهتمام والوعي: المدرس والدارس والإدارة المدرسية ومجالس الآباء.. إلخ، ولكن البداية الصحيحة التي لا مفر منها طالما ننشد جودة التعليم هي زيادة نصيب التعليم في الموازنة العامة للدول في ضوء تزايد أعباء العملية التعليمية وتنامي أعداد الدارسين والحاجة المستمرة إلي التوسع في الأبنية التعليمية بالتوازي مع الزيادة السكانية، تبلغ ميزانية التعليم في الموازنة العامة للدولة نحو مليار جنيه ويبلغ عدد الدارسين في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي ما يزيد علي 15 مليون طالب وطالبة ينفقون المليارات سنويا علي الدروس الخصوصية. إن زيادة مخصصات التعليم في الموازنة العامة للدولة أمر حتمي لتطوير جودة التعليم، وعندما نتحدث عن دور الدولة في التعليم لا نغفل وجود دور للقطاعين الخاص والأهلي في تطوير التعليم ولكن سيظل الدور الأكبر ملقي علي عاتق الدولة، نظرا لأن المدارس الحكومة تضم الغالبية العظمي من الطلاب وبخاصة الفقراء ومعظم الطبقة الوسطي الذين يتعين تمكينهم اجتماعيا ومهاريا وإنسانيا حتي يكونوا طرفا أصيلا في عملية التنمية. إذا زاد الإنفاق الحكومي علي التعليم يمكن فقط الارتقاء بأحوال المعلم معيشيا وتمكينه مهاريا والحفاظ علي مكانته اجتماعيا وهو نفس الأمر الذي ينطبق علي الطالب الذي بات بحاجة إلي تطوير مهاراته لملاحقة التطور في متطلبات سوق العمل محليا وعالميا وهو أمر لم يكن يحدث من قبل بمثل هذه الوتيرة المتسارعة، وزيادة الإنفاق علي التعليم ضرورة حتمية للتوسع في الأبنية التعليمية وتطويرها والارتقاء بمستوي الخدمات التي تقدمها بحيث تصبح بحق مؤسسات للتنشئة.