لا يمكن النظر إلي الحوارين اللذين أدلي بهما جمال مبارك أمين سياسات الحزب الوطني الأمين العام المساعد، تليفزيونيا، في نهاية الأسبوع الماضي، علي أنهما يندرجان تحت بند (الحوارات الشخصية)، حتي لو طرح الزميلان مجريا الحوار في قناة العربية وبرنامج (مصر النهارده) أسئلة ذات طابع شخصي.. أو تقترب من ذلك.. أو تحوم حوله. توقيت الحوارين، المختار بعناية، وطبيعة المنُصتين المنتقين بدقة، والظروف المحيطة، ومضمون الرسائل العميقة التي جاءت في المقابلتين، يشيران إلي أهداف حزبية وموضوعية. كلها تصب في مجري ممتد اسمه (الحزب والمؤسسية). مع كامل الاحترام لطبيعة الحوارين التليفزيونيين، ورغبة كل محاور في أن يحقق أهدافاً من مثل تلك اللقاءات المهمة، إلا أن الأهم في هذه الحالة هو الرسائل التي يرغب في أن يوصلها ضيف الحوار، خلال اللحظة، خصوصاً أنها مرتبطة بانتخابات جارية ومنافسات ساخنة.. لا سيما أن اللقاءين تما بعد إعلان الحزب الوطني عن برنامجه الطموح للسنوات الخمس المقبلة. جمال مبارك، دخل الحوارين بصفته قيادة حزبية كبيرة، ممثلاً لمؤسسة، ومؤكداً معاني وخصائص الكيان الحزبي المهول الذي ينتمي إليه، والساعي إلي تطويره، والمؤكد علي انتمائه لفريق إصلاح، وقد كان ولم يزل مضمون عمله في حزبه هو تعزيز معني أنه لا يقوم بعمل فردي، وأنه لا يؤدي مهمة شخصية، وأنه ليس وحده، بل يعبر عن فيض من الراغبين في التجديد.. نجحوا في جزء كبير من عملهم.. ومازالوا يثابرون عليه.. ويؤكدون علي مؤسسيته. منذ بدأ التطوير في الحزب الوطني، قبل ثماني سنوات، جرت محاولات عديدة وكثيفة، لتحويل هذا الجهد إلي عمل فردي، أو مقصد شخصي، ولا شك أن هدف العملية التي تمت وتتم في الحزب منذ اللحظة الأولي كان هو التأكيد علي (المؤسسية) باعتبارها مساراً وشرعية ومقصداً واستناداً وآلية وتتابعاً.. وإلا لكان التطوير قد تم بقرار دون عناء.. ولكان الإصلاح قد جري بجره قلم دون جهد.. ولصدرت القرارات الحزبية بموجب الرغبة الشخصية دون أي متاعب أو مواجهة للمعوقات التي صادفت عملية التطوير. خطاب رئيس الحزب، وكلمة أمينه العام، وحوارا أمين السياسات، فضلاً عن عرضه للبرنامج يوم الأربعاء، كلها أكدت هذه المعاني.. ما يعني أنه مضمون متفق عليه (مؤسسيا) ورسالة ليست ذاتية.. ومعني يتعزز يوماً تلو آخر.. تقوية للمؤسسة.. وترسيخاً لقيمها.. وإلا لكان جمال مبارك قد انفرد بعرض البرنامج وحده دون مشاركة قيادات حزبية مثل يوسف بطرس غالي وأحمد المغربي ومحمد كمال.. ناهيك عن أن البرنامج نفسه تم تجهيزه بعد مشاورات وحوارات حزبية وحكومية ممتدة خلال أشهر.. من القاعدة إلي القيادة وبالعكس. الرسالة الأعرض هي (المؤسسية)، ومن تحتها تندرج مجموعة من الرسائل الفرعية، التي لا تقل أهمية عن الرسالة الرئيسية.. ومنها ما يلي: • إن الحزب الوطني يطرح نفسه سنداً أساسياً ودعامة أصيلة للدولة المدنية، ومظلة عريضة للطبقة الوسطي، قوام المجتمع الرئيسي، ومن ثم هو: (حزب الوسطية والاعتدال) ضمانة الاستقرار.. الذي يتبني سياسات تضمن لمصر ألا تنزلق في غياهب خطرة.. يعاني منها بعض الدول من حولنا.. والمعني الذي يفهم من هذا هو أن هناك بدائل يمكن أن تقود مصر إلي الويلات.. وأن علي الناخب أن يقيم.. في ضوء حرص المواطن علي أمن بلده ومستقبله.. وهذه بالتأكيد رسالة مؤسسية. • إن الحزب صاحب إنجاز، لا يقول كلاماً في الهواء الطلق، علمي، ومنظم، يعد ويفي، وحين يعلن تعهداً فإنه يقول كيف سوف يطبقه، وما الطريقة التي سوف يحقق بها ذلك، وأنه لا يجهز برنامجه بعيداً عن الحكومة وإنما بالتشاور والحوار معها.. فالحكومة هي أداة التنفيذ.. وكونها تنتمي للحزب لا يعني أن تخضع لإملائه وإنما أن يتفاوض معها.. كي يكون التزامه أمام الناخب مقرونا بالقدرة علي التطبيق ومن قلب الواقع وإليه.. وهذه بدورها رسالة مؤسسية. • إن عملية تطوير الحزب قصدت من البداية تجاوز الفردانية، وتطبيق المعايير، واختبار المقاييس الموضوعية، بدليل أن طريقة اختيار المرشحين قد خضعت إلي مواصفات معقدة.. لم تركن إلي محسوبيات أو وساطات أو اعتبارات ذاتية.. بل إلي خصائص موضوعية وآليات تقييم شديدة التنظيم.. ومن ثم فإن تلك بدورها رسالة مؤسسية. • إن الحزب كمؤسسة، يمارس دوره ككيان في إطار مؤسسي، أي في سياق الدولة ووفق قانونها، ورضوخاً لقواعدها، وتنطبق علي كل أعضائه مختلف الضوابط العامة.. فالديمقراطية ساحة الكيانات لا الأفراد.. وميدان التنافس بين الاتجاهات لا الأشخاص. وهذه أيضا رسالة مؤسسية. • إن الحزب صادق مع الناخبين، يقول إنه أنجز أغلب تعهداته.. ومعظمها.. ولا يجائر بأنه نفذ كل شيء.. ويعترف بالمصاعب.. ويؤكد توافر الطاقة الموجودة لديه لمواجهة مزيد من التحديات.. وأنه في إطار صدقه يتعهد بمحاسبة كل مخطئ.. ما يعني أن المؤسسة لا تتراخي من أجل فرد ولا تتراجع من أجل وساطة ولا تتنازل من أجل مكانة.. ولهذا فإنها توفر لنفسها مقومات الاستمرار في المستقبل.. وتلك كذلك رسالة مؤسسية. • إن الحزب لم يستنفد كل ما لديه، ولم تزل لديه طاقات كامنة، وفي جعبته الكثير مما يمكنه أن يتصدي له، والأهم أن لديه رؤية عريضة للمستقبل، لا ينظر تحت أقدامه.. وهذه هي طبيعة المؤسسات حين تكون مخلصة لمواصفاتها.. إذ لا توجد مؤسسة تنظر تحت أقدامها.. أو تختصر ذاتها وأهدافها في الأيام القريبة.. كما أنه لا توجد مؤسسة بلا طاقات غير مكشوفة.. لأنها لو كانت كذلك لانتهت.. وتلاشت.. في حين أن من أهداف الإصلاح المؤسسي في الحزب الوطني التأكيد علي تتابع الأجيال وتوافر الكوادر وثراء المضمون السياسي للحزب. لقد فرضت مواعيد الطباعة علي «روزاليوسف» أن تنشر حواراً واحداً من الحوارين اللذين أجراهما أمين السياسات، وقد انتبهت كما انتبه كثيرون إلي طبيعة العناوين التي صدرت في بعض صحف الأمس واختصرت المضامين الكبيرة في الحوارين في عبارات ضيقة. www.abkamal.net [email protected]