ما الذي يدفع أكثر من ثلاثة ملايين شخص هذا العام، وكل عام، إلي الذهاب لحج بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج علي الرغم من كثرة الأعباء المادية وارتفاع تكاليف هذه الرحلة؟ وما الذي يدفع الناس إلي تحمل المخاطرة التي تصل إلي حد المقامرة بالروح والأموال حين يلقون بأنفسهم في وسط هذه الكتل البشرية من كل حدب وصوب؟ إنه بلا شك ذلك النبع الإيماني والنداء الروحاني الذي بثه الله في قلوب المؤمنين من ناحية، وتلك التجارة الرائجة التي لا تبور رغم الأزمات الاقتصادية الطاحنة، ولا تتعرض للكساد رغم انهيارات البورصة المتتالية، ولا يصيبها تحور أو إعادة هيكلة أو تدخلات حكومية بهدف الإنقاذ والإنعاش من ناحية أخري!! إنها التجارة مع الله والاستثمار معه.. فوق جبل عرفات تنحني الجباة إجلالاً للخالق، وتخشع القلوب رهبةً من المولي ورغبةً في عطائه، وتهفو الأفئدة إلي زمن مضي وإلي وعد آت، وترق الطباع رغم قسوة الحياة، وتتهذب السلوكيات رغم ضراوة الظروف المحيطة، وتجود الأنفس رغم كثرة الأزمات المالية الراهنة، وتشرق الأماني رغم قتامة الأوضاع الدولية والمحلية.. كل الأشياء تتبدل إلي الأفضل، وكل الأمور تتحول إلي ما هو أمثل.. لا شك أن طبيعة التجارة المرغوبة مع الله، وطبيعة الاستثمار الروحي مع الخالق تغير طبيعة الأشياء، وتجعل الإحساس بها مختلفاً. في التجارة مع الله، وفي استثمار نفسك وأموالك في بورصة تعاملاته، ربح مؤكد، وتراكم حقيقي ومستمر لمدخراتك.. "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له". في التجارة مع الله وفي الاستثمار معه ضمان وثقة لا مثيل لها في دنيا الاقتصاد "قل هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم".. في التجارة مع الله عطاء لا حدود له ومكاسب لا مثيل لها" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف بالعباد"، في التجارة مع الله قواعد الشفافية مضمونة ومتحققة، والعلانية والوضوح موجودة وقائمة" وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه".. في التجارة مع الله إعلاء للنفس وتطهير لها من كل موبقات الحياة ومن كل أدناسها "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم".. اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، تقبل من الناس صالح أعمالهم، وأفض علينا وعلي مصرنا الحبيبة من فيضك الذي لا ينضب، ومن معين عطائك الذي لا حدود له، فنحن في أشد الحاجة إليك.. يا الله!!