انتشرت منذ منتصف السبعينيات المجتمعات العمرانية الجديدة وبدأت بمدينة العاشر من رمضان ثم مدينة السادس من أكتوبر ومدينة السادات ومدينة 15 مايو ومدينة العبور ثم مدينة القاهرةالجديدة وكان الغرض من هذه المدن هو تشجيع المواطنين علي الخروج من الحزام الخانق بالقاهرة الكبري وكانت مدينة العاشر من رمضان عند إنشائها نموذجا يحتذي في المجتمعات العمرانية إلا أن الاهتمام بها قد تلاشي بعد ظهور المجتمعات العمرانية الأخري التي بدأ الإهمال يزحف عليها واحدة تلو الأخري وبدأت أصابع و كيانات الفساد العمراني المنتشرة في محليات القاهرة والجيزة تسعي إلي فرض ذوقها الفاسد علي هذه المجتمعات وتم تقسيم المجتمعات العمرانية الجديدة إلي مجتمعات مغلقة (كومباوند) تتمتع بجميع الامتيازات ومجتمعات مفتوحة تعتمد في مرافقها وخدماتها علي إمكانيات متواضعة تقدم من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وقد لاحظنا عدة ظواهر مقلقة في هذه المجتمعات نوجزها في الآتي: الأمن المجتمعي: تتمتع المجتمعات المغلقة بأطقم أمنية خاصة تتقاضي رواتب تفوق بكثير رواتب ضباط الأمن في اجهزة الشرطة وذلك علي خلاف المجتمعات المفتوحة فيتولي حمايتها وأمنها رجال الشرطة التابعون إلي وزارة الداخلية ولا تتناسب أعدادهم مع الكتل السكانية التي يقومون بالإشراف عليها وحمايتها وكما أن الإمكانيات المتاحة إلي أفراد الشرطة العاديين أقل بكثير من الامكانيات المتاحة إلي أطقم الحراسة الخاصة التي تتولي أمن المجتمعات العمرانية المغلقة فالرقابة علي منافذ الولوج والخروج الي تلك الأماكن وكاميرات المراقبة المنتشرة والكثافة العددية وتخطيط تلك الأماكن والدوريات المستمرة تتضاءل معها فرص وقوع الجرائم في تلك المجتمعات علي خلاف المجتمعات العمرانية المفتوحة والتي توجد صعوبة في السيطرة عليها نظرا لوجود عدد كبير من العمالة الوافدة إليها وكلها لا تخضع إلي المسح الأمني بالإضافة إلي أن المجتمعات العمرانية الجديدة يحيط بها حزام كامل من العشوائيات ويدخل القاطنون فيها تلك المجتمعات العمرانية وبأعداد كبيرة يوميا. الأمن البيئي: المجتمعات المغلقة تستعين بشركات خاصة للإشراف علي نظافة هذه المجتمعات وعلي حسن تشجيرها أما في المجتمعات المفتوحة فلا تهتم أجهزتها إلا بالشوارع الرئيسية وخاصة الشوارع الطالة علي المجتمعات المغلقة خشية نفوذ من يقطنون بها أما الشوارع الداخلية فلا يوجد أدني اهتمام بالأمن البيئي لإحيائها وتتسم أجزاء كبيرة من تلك المدن بالتخطيط العشوائي والإدارة المحلية ترفض تشجير الحدائق العمومية بها بحجة عدم وجود مياه علي الرغم من أن المياه يتم ضخها في حدائق الشوارع الرئيسية أمام المجتمعات المغلقة بشكل مستمر وتجبر سكان المجتمعات المفتوحة علي تحمل تكلفة تشجير هذه الحدائق رغم أنها من المرافق العامة المدفوع ثمنها مقدما. أمن الخدمات والنقل: خدمات النقل المباشر إلي الميادين الرئيسية بالنسبة لسكان المجتمعات المفتوحة تكاد تكون معدومة ويعتبر الوصول المباشر إلي الميادين الرئيسية في القاهرة والجيزة شبه معدوم تقريبا حيث يستغرق التوجه إلي ميدان التحرير من غير أصحاب السيارات الخاصة مشقة قد تستغرق ساعتين علي الأقل بينما هناك بعض المجتمعات المغلقة الخاصة خصصت لقاطنيها سيارات خاصة لنقلهم مباشرة إلي اقرب محطات مترو الأنفاق أو الميادين الرئيسية علي خلاف وسائل الانتقال التي يستخدمها القاطنون في المجتمعات العمرانية المفتوحة والتي تتسم أحيانا بالخطر وعدم الأمان خاصة مع وجود القصور الأمني في هذه المناطق مما يعرض أمن المواطن للخطر المستمر في الكثير من هذه المناطق. الأمن الصحي والغذائي: يفتقر عدد من المجتمعات المفتوحة إلي الأمن الصحي فلا يتوافر فيها سوي مستشفي واحد غير مجهز بالكامل وعدد محدود من مراكز الخدمات الصحية الخيرية أو الخاصة والتي تقدم خدمات بواسطة أطباء غير مؤهلين تأهيلا كاملا ولا تخضع إلي أي رقابة من مديريات الشئون الصحية أما الرقابة علي السلع المتداولة في أسواق هذه المجتمعات فأصبحت سوقتا لترويج كثير من الأغذية المغشوشة التي تباع في المحلات والمولات دون أي رقابة علي مدي توافرالاشتراطات الصحية بها. مافيا الأراضي وعرقلة تنفيذ الأحكام: هناك ظاهرة تنشر الآن في مصر هي مكاتب محاماة يقوم بافتتاحها بعض ضباط الشرطة المتقاعدين ومهمة هذه المكاتب هي استغلال هؤلاء الضباط السابقين لنفوذهم لعرقلة تنفيذ الأحكام أو شراء الأحكام لتنفيذها بمعرفة هذه المكاتب مقابل نسب عالية من قيمة النزاع سواء كان أرضا أو مبالغ مالية محكوما بها ولا نخجل أن نقول إنهم يستغلون ظاهرة ما يعرف بالدراسات الأمنية لإيقاف تنفيذ الأحكام أو عرقلتها خدمة لمافيا الأراضي أو أصحاب النفوذ وإن كانت هذه العلاقات قد تبدو خفية إلا أنها أصبحت معلومة للجميع لكل من يعمل بالحقل القانوني وأيضا لكثير من المواطنين فبعد أن كان هناك مافيا للتعويضات أصبح هناك مافيا لتنفيذ الأحكام إننا ندعو إلي الاهتمام بزيادة الموارد البشرية والإمكانيات لدي أجهزة الشرطة في هذه المجتمعات وأيضا زيادة رواتب جميع الموارد البشرية التي تعمل لحماية الأمن المجتمعي لتكون مرتبات لائقة بدلا لأن تكون شركات الحراسة الخاصة هي الجاذبة لهذه العناصر هروبا من ضعف الدخل رغم ضخامة المسئوليات الملقاة علي عاتق رجال الشرطة وأيضا علي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أن تخفف من سياسة الفصل العنصري بين سكان المجتمعات المغلقة والمجتمعات المفتوحة وتهتم بالأمن البيئي لسكان المجتمعات المفتوحة وأمن التنقل وعلي نقابة المحامين أيضا أن تتدخل لحسم قضية مافيا تنفيذ الأحكام وهذه المقالة هي رسالة إلي أطراف عديدة.