أمس الأول الجمعة كتبت معلقا علي قرار اتحاد النقابات الفنية بشأن مقاطعة مهرجان أبوظبي السينمائي، غير أني أخطأت عندما كتبت العنوان «قطر واتحاد النقابات الفنية» هي زلة قلم حدثت سهوا وأعتذر عنها. أنت صاحب فضل عندما تبني مشروعا، أي مشروع، أما عندما تؤسس للدولة وتبنيها فأنت صاحب الفضل الأعظم والخير الأسمي، وأنت من سيضمن للناس كل الناس أن يعيشوا في طمأنينة وحرية مشمولين برعاية القانون وحمايته وهو ما يذكرك بتلك الجملة الشهيرة في نهاية الحواديت القديمة، وعاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات حتي جاءهم هادم الملذات ومفرق الجماعات، يا لعبقرية الحكاء القديم الذي أوجز في كلمات قليلة معني الخير الأسمي بأفضل مما فعل الفلاسفة القدامي، عندما كنت طفلا كان تفسيري لكلمة نبات، أنهم كانوا يأكلون نوعاً من الحلوي يشبه سكر النبات الذي تطلب الأمر أن أتخطي السبعين لكي أعرف المقصود «بكلمة» «تبات» إنها نفسها كلمة «ثبات» منطوقة بالعامية المصرية، أما كلمة «نبات» فليس لها صلة بسكر النبات، بل هي تعني الثمار، كل أنواع الثمار.. إذا انتقلنا إلي قاموس السياسة، فلابد أن نستخدم كلمة أخري بديلا عن كلمة «ثبات» وهي كلمة «الاستقرار» الحبيب والحبيبة في الحكايات القديمة والمعاصرة وإلي الأبد لابد لهما من الاستقرار اللازم للانجاب والاثمار، مؤسس الدولة يحلم بتحقيق هذا الحلم لأبناء أمته أو جماعته وهو الاستقرار، من أجل ذلك هو يؤسس الدولة، يوجدها، يقيم دعائمها، لكي يتولي رجال الدولة فيما بعد علي مر السنين والأجيال الحفاظ عليها وعلي ثباتها واستقرارها من أجل أن ينعم الناس بأن ينجبوا «صبيان وبنات» يتولون إثراء هذه الدولة. نأتي الآن للشق الثاني من جملة النهاية وهي «حتي جاءهم مفرق الجماعات وهادم اللذات» كنت طفلا عندما تساءلت، من هو ذلك الشخص المتوحش الذي يفرق الجماعات ويهدم اللذات؟ وكانت الإجابة: هو ليس شخصا.. إنه الموت. ولماذا لم يلجأ الحكاء القديم إلي الاختصار فيقول: حتي جاءهم الموت أو إلي أن حانت منيتهم أو إلي أن توفاهم الله؟ لابد أن يهدف لشيء آخر علي أن أفهمه هل من المحتم أن تتوقف قلوب الناس عن النبض لكي نعتبرهم أمواتا؟ أم أنه يقصد أن الفرقة في حد ذاتها بين البشر تماثل وتمثل الموت؟ إذا وافقتني علي أن وظيفة رجل الدولة هي الحفاظ علي الإطار الذي يتمكن فيه الناس من الحياة في أعلي درجات الاستقرار والاستثمار، مستمتعة بالوحدة الطبيعية للمجتمعات بغير فرقة تهددهم بالفناء فلابد أن تشاركني الفهم في أن الجماعات التي تشيع الفرقة بين الناس وتقسمهم إلي شيع وأحزاب معادية لبعضها البعض، من المستحيل أن يقيموا الدولة بالمعني الذي يقصده الحكاء القديم. جماعات المقاومة في التاريخ وعرضه، تستند في ممارساتها لفكرة شديدة الوضوح والبساطة، تحرير الأرض والبشر من أجل أن يعيش الناس أحرارا في بلادهم، وليس من أجل حبسهم داخل أيديولوجيات ثورية أو أفكار طوباوية والمقاوم عندما يموت في المعركة، فليس لأنه يريد الموت ولكن لأنه يريد أن يحيا حياة حرة من صنعه هو من خلال مؤسساته الدستورية.. من خلال دولته وبالتالي هذا «المقاوم الثوري» الذي يقول نحن نحب الموت بأكثر مما نحب الحياة فطبقا لمنطقه هو لن يحرص علي حياة الناس، وأنا أصدقه، أصدق أنه يحب الموت، ولكن ليس لنفسه وإلا ما عاش إلي الوقت الذي يعلن فيه حبه له هو فعلا يريد الموت للآخرين وليس لنفسه.