بقلم : دكتور يوسف بطرس غالى نقلا من واشنطن بوست روزاليوسف نعهد نشر المقال الذى كتبه وزير المالية للجريدة الامريكية على الرغم ان غالبية صحف السبت قد تعاملت معه بالنشر الجزئى لاننا نرى نصه الكامل يحمل دلالات مهمة أصبح (مستقبل مصر السياسي) موضوعا ساخنا في واشنطن، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما أن بعضا من واضعي السياسات في العاصمة الأمريكية يدعون أن مصر تعاني حالة ركود وأن حكومتها تقاوم التغيير. ولكن العاملين في الحكومة المصرية يعرفون أن مايهم غالبية عامة الشعب هو مستوي المعيشة، وفي ذلك الصدد، تجتاز مصر مرحلة غير عادية من التحول. خلال الخمس سنوات التي أعقبت إطلاق برنامج التنمية الاقتصادية، استطاعت مصر توفير 4 ملايين فرصة.فوفقا لمعدل نمو مؤشر التنمية البشرية، الذي تقيسه منظمة الأممالمتحدة علي أساس مستوي الصحة والتعليم والدخل، تعد مصر من بين أسرع عشر دول علي مستوي العالم وتقريبا ضعف المتوسط العالمي. وفي الفترة ما بين 2005 إلي 2008 نما الاقتصاد بمعدل 7.2% سنويا. وعلي الرغم من التباطؤ العالمي، من المتوقع أن يصعد معدل النمو ليصل إلي ما يزيد علي 6% خلال العام الحالي، كما أن البنك الدولي قال إن مصر من أسرع الدول التي تنمو اقتصاديا في الشرق الأوسط خلال الثلاث سنوات الأخيرة، تلك العلامات لا تدل إطلاقا علي حالة ركود. إن النمو الاقتصادي ساعد في أن يصبح المجتمع المدني المصري الأكثر ديناميكية في الشرق الأوسط، حيث يصل بث القنوات الفضائية المستقلة إلي 70% من الشعب، وهناك ما يزيد علي 500 دورية صحفية مستقلة و160 ألف مدون.وفي المقابل أيضا يرتفع عدد صحف المعارضة اليومية إلي ما يزيد علي ما تملكه أي دولة في الشرق الأوسط، هذا فضلا عن حرية استخدام الإنترنت، إذ لا يجري تقييد نتائج بحث محرك جوجل. كما يشغل السيدات 23% من الوظائف العامة، بينما ستخصص لهن 12% علي الأقل من مقاعد مجلس الشعب في الدورة المقبلة. وبالتالي فإن مصر تعد بلدا مختلفا عما كان عليه قبل خمس سنوات مضت في الكثير من المجالات. للأسف، لا تعكس الرواية التي يتداولها مجتمع صنع السياسات في واشنطن ما ورد في مقالي حتي الآن، فالمراقبون الغربيون يشيرون بشكل مستمر إلي عيوب ونواقص النظام السياسي، المعترف بها والمناقشة علنيا لدينا، إن عقد مناقشات مفتوحة حول الانتخابات المقبلة والأداء الحكومي والفقر وحتي عن الرئيس يعد دليلا حقيقيا علي صحة الفضاء السياسي. علاوة علي ذلك، فإن جميع الشكوك حول انتقال القيادة ليست صحيحة، حيث إن الدستور المصري يعين إطارا محددا بشأن الانتخابات الرئاسية المتاحة أمام أي حزب سياسي يمتلك مقعدا علي الأقل في البرلمان، كما أن مصر لم تواجه مطلقا في تاريخها الحديث أزمة في انتقال السلطة. أنا أدرك تماما أن مصر لا يزال أمامها طريق طويل سوف تمضي فيه، حيث يعيش الكثير من الشعب في فقر ويتلقي عدد محدود تعليماً مناسباً، ولكن لا شك أن مصر تقف علي نقطة تحول لمزيد من الرخاء الأوسع. إن التحدي الحقيقي هو توسيع الإصلاحات الاقتصادية، في وقت الانفتاح السياسي، ومن هنا تظهر أهمية الانتخابات البرلمانية الشهر الحالي والرئاسية في السنة القادمة. كما أن الحزب الوطني الديمقراطي الذي انتمي إليه سوف يسعي إلي تفويض جديد للتغيير عبر تلك الانتخابات، خاصة ان الحزب الحاكم هو الحزب الوحيد، الذي يمتلك رؤية وسجلا حافلا لجلب رخاء ونمو مستمر لمصر. إن البديل الرئيسي لرؤية الحزب الحاكم يوفرها أولئك الذين قد يقودون البلد بعيدا عن الليبرالية الاقتصادية والتسامح الديني والتقدم الاجتماعي وتجاه مزيد من الأصولية، في نهاية المطاف، يخلقون دولة دينية في بلد احتضن دوما التنوع. تخيل ولو للحظة أن يمتلك الملالي الأصوليين زمام الأمور لدينا ويثيروا القلائل ويتحالفوا مع الأنظمة المارقة. اعلم جيدا مخاطر التعصب الديني باعتباري عضوا في الطائفة المسيحية المصرية - الأكبر في الشرق الأوسط - وأدرك بصفتي وزير مالية حتمية التغيير في وجه المصالح الراسخة، كما انني بصفتي عضوا منتخبا في البرلمان اعلم أن التغيير دون دعم سياسي نابع من الداخل لن يتمكن من الاستمرار. أن الرؤية المستقبلية لمصر تأمل في أن تصبح دولة مدنية حديثة تبني علي المساواة والتسامح الديني واقتصاد السوق الحرة، وأن يساهم الرخاء والتعليم الأفضل في تحريك التغيير السياسي السلمي من أجل إحياء نظام التعددية الحزبية، الذي اندثر في السنوات الأخيرة لسوء الحظ.كما ينبغي ألا ينحصر الاختيار بين الحزب الحاكم والأصوليين فحسب لكن يجب ان يكون هناك متسع لبدائل علمانية اخري. لقد لعبت المساعدات الأمريكية إلي مصر علي مدار الثلاثين عاما الماضية دورا حيويا في بناء اقتصاد السوق الحرة، فقد حول النمو الاقتصادي العلاقة مع الولاياتالمتحدة من علاقة تبني علي المساعدات الاقتصادية - الآن أقل من 200 مليون دولار سنويا - إلي أخري تبني علي التجارة والاستثمار. إن مصر كثيرًا ما كانت رائدة التغيير في المنطقة، حيث إنها البلد الأكبر في العالم العربي، وإن تغيير اقتصاد مصر سوف يولد الرخاء والاستقرار في المنطقة بأكملها ويعمل كحائط صد ضد التطرف، وإن نمو مصر الاقتصادي واستقرارها السياسي سوف يحسن ويضمن أمن الولاياتالمتحدة ويساعد في خلق أسس الرخاء والاستقرار في الشرق الأوسط.