هناك (افتقار) حقيقي في المكتبة المسيحية العربية للكتابات المتخصصة في (اللاهوت العربي).. المرتكز علي بيئتنا وثقافتنا. وهو ما تحقق من خلال إصدار المجلد المرجعي (نحو لاهوت عربي معاصر) الذي حرره الصديق القس د. أندريه زكي، الذي يضم 8 دراسات لمجموعة من أبرز اللاهوتيين والكتاب الذين يمثلون اتجاهات وتيارات فكرية عديدة من عدة دول عربية. وتضمن المجلد ثلاث دراسات مهمة وشائكة جداً في ثقافتنا العربية. أولاها دراسة (المرأة العربية) للدكتورة ماري ميخائيل (اللبنانية) حيث تعرضت لنظرة الأديان للمرأة ومكانتها في سياق الثقافة الدينية والعربية. أما ثانية هذه الدراسات، فهي للدكتور نجيب عوض (السوري) بعنوان (هل يخلص الله غير المسيحيين؟). وهو يناقش ما يردده البعض من المسيحيين المتشددين عن (حصرية) الخلاص - أي الدخول إلي الجنة حسب المفهوم الإسلامي - علي أتباع دين أو طائفة محددة. تنتهي الدراسة إلي نتيجة واضحة بأنه لا يوجد مخلصون وغير مخلصين بالمعني الطائفي والديني للكلمة لكي لا تعتبر بعض التيارات الأصولية المسيحية الغربية المعاصرة بعض الأحداث، مثل: الحرب علي العراق وكارثة تسونامي نوع من الفرص لتخليص الضالين من الديانات الأخري وإدخالهم جماعة المختارين المسيحية عن طريق مساعدتهم إنسانياً. ويؤكد بوضوح أنه ليس كل مسيحي دينياً.. صالحًا في الإنسانية، وليس كل صالح إنسانياً.. مسيحيا في الدين. ولذلك فإن تبرير المواقف بمنطق ديني هو أمر شديد الخطورة ولا يعكس سوي أصولية متطرفة. ونأتي إلي ثالثة هذه الدراسات للقس الدكتور أندريه زكي (نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر) وهي تحت عنوان: الثقافة والهوية، وهي دراسة حالة للمسيحيين العرب. ولقد رصد فيها ملاحظة مهمة، وهي أنه رغم إسهام المسيحيين العرب في تطوير الثقافة العربية، فإن معظم الدراسات اللاهوتية كانت مرتبطة بتطور الفكر اللاهوتي الغربي. وهو ما جعله يطالب بوجود حوار للاتفاق علي صياغة إطار فكري يمكن أن يسهم في صياغة الفكر اللاهوتي العربي.. للمسيحيين العرب بجذورهم التاريخية الممتدة في بلادهم. وتطرح الدراسة العديد من الأسئلة الجدلية علي غرار: هل العروبة هي الإسلام؟، أم إن العروبة أكبر من دين واحد؟. ورغم ذلك فالدراسة تقدم إجابات قاطعة هي أن العروبة تتشكل من الأديان والثقافات والتواريخ، كما أنها تتطور بفعل التفاعلات الداخلية من خلال التعامل النقدي مع التراث. ويترتب علي ما سبق، أن العروبة قد أصبحت نسقاً مفتوحاً متجدداً يسهم فيه المسيحيون العرب بحيث يشكل جزءاً مهمًا من مرجعيتهم الثقافية. وهو ما يمكن المسيحيين العرب من بناء الجسور مع العالم الغربي بعيداً عن نظرية المؤامرات وصراع الحضارات. أعتقد أن أهمية هذا المجلد الموسوعي والمرجعي.. أنه يمثل بداية مشروع فكري لاهوتي يحتاج إلي نقاش واسع ومتخصص، كما يجب أن يستمر لأن من شأنه أن يعزز مرجعية التواجد المسيحي في الدول العربية، كما يساعد علي صياغة جديدة مشتركة للهوية العربية متعددة الأديان بخصوصية كل منها.