اثنان وعشرون عاماً مضت منذ انطلق مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي لأول مرة في عام 1988. اثنان وعشرون عاماً والآراء والأقاويل والتنظيرات المختلفة حول المهرجان تنشط، عندما يقترب.. وفي أثناء فعالياته وعقب انتهائه، يحدث هذا بشكل سنوي فترتفع الأصوات وتنطلق الأقلام إما مدافعة عن هذا الحدث الثقافي المهم، أو مهاجمة له تترصد له وتتصيد أي ملاحظة هنا أو هناك من شأنها أن تشفي غليل أولئك الذين يفترون علي هذا المهرجان بشكل واضح وجلي، ولما كان المهرجان يتسم بقدرة تنظيمية فائقة بدءاً من استقبال الفرق المسرحية الأجنبية المشاركة مروراً بترتيب تدريباتها وتوفير احتياجاتها التقنية وتسكين عروضها علي مسارح القاهرة المختلفة وصولاً إلي تمكين لجنة التحكيم الدولية من أداء عملها الشاق في مشاهدة وتقييم عدد كبير من العروض المسرحية في زمن قياسي بسلاسة مدهشة.. ولما كانت المسارح تشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً لمتابعة العروض المسرحية، بشكل جعل إدارة المواقع تطلب من الفنانين المشاركين تقديم العرض مرتين في ليلة واحدة حتي يهدأ الجمهور المتكدس ويتمكن من مشاهدة العرض عند إعادته حدث هذا في مسرح الغد مثلاً مرتين مع العرض الإسباني «متر مكعب» ومع العرض المصري «دعاء الكروان». ولما كان مهرجان هذا العام قد شهد عدداً من العروض المتميزة التي شهد لها كل متابع لفعاليات المهرجان ومنها علي سبيل المثال العرض الإسباني الذي خالف التقليد المسرحي الراسخ وهو البحث عن اتساع الفراغ المسرحي حتي يمكن تشكيله لصالح العرض المسرحي، ولكن العرض الإسباني يأتي ليختزل هذا الفراغ ويقتصره علي مساحة متر مكعب تدور داخله الأحداث محققاً رؤية سينوغرافية وتقنية مدهشة.. وكذلك العرض البولندي الذي فاجأنا بأنه رغم ثبات المشهد إلا أنه خلق حالة من التنوع البصري باستخدام تقنيات غاية في البساطة والعمق.. وجاء العرض التونسي حقائب، والذي حصد جائزتين هما: أفضل عرض وأفضل ممثلة للممثلات الثلاث المشاركات فيه.. جاء غاية في الاتقان والانضباط وخلق حالة فنية ووجدانية عالية تعتمد بشكل أساسي علي تقنية الممثل الذي ظهر في هذا العرض كممثل معاصر متعدد المهارات.. هذا بالإضافة لعروض: العراق - الدانمرك.. ومولدوفا والعرض المصري دعاء الكروان.. وبالمناسبة أنا هنا أتحدث عن عروض متميزة التقطتها من مشاهدة جزئية لعروض المهرجان وليس من خلال متابعة شاملة ربما لو تمت لارتفع معها عدد العروض الجيدة. لما كانت الصورة العامة لهذه الدورة بهذا النجاح والانضباط التنظيمي والفني والجماهيري، قفزت نبرة أن مصر خرجت من هذا المحفل الفني والثقافي الدولي، من المولد بلا حمص، مصر بلا جوائز؟! كيف تنظم مهرجاناً دولياً وتخرج منه صفر اليدين من الجوائز؟ تبدو هذه التساؤلات عجيبة ومدهشة.. وكأن الهدف من تنظيم هذا المهرجان هو الحصول علي جائزة أو أكثر، وإذا لم يتحقق لنا هذا يكون هناك نوع من القصور والفشل! أنا أدرك تماما أن الجوائز تأتي ومعها قدر كبير من الفرح والبهجة ولكنها ليست هدف المهرجان بل إن هذه الجوائز يمكن إلغاؤها دون أن يقلل ذلك من قيمة المهرجان التي تتمثل في هدف رئيسي هو الاحتكاك والتواصل والحوار بين خبرات متعددة ومتنوعة عبر العالم بهدف دفع المسرح وتطويره وتحريض المسرحيين المصريين علي الإبداع وطرق أفق جديدة في التجريب المسرحي.. أما الجوائز فهي قضية لها معايير وحسابات مختلفة تختلف وفقا لاختلاف لجان التحكيم وبتنوع ذائقاتهم وثقافاتهم.. وليس معني عدم حصول أحد العروض علي جائزة أنه عرض سييء فمن الجائز أن يكون عرضا متقنا وجيدا ولكن هناك عرضاً آخر أكثر منه إتقانا وجودة، بمعني أن عدم الحصول علي جوائز لا يعني الفشل ولا يستوجب جلد الذات والإحساس بالفشل، وقد سبق للمسرح المصري وأن حصد جوائز عديدة مهمة من المهرجان التجريبي وغيره من المهرجانات العربية والدولية.. وبدلاً من التباكي علي الخروج دون جوائز في إحدي الدورات علينا أن ننظر إلي الأثر الكبير الذي أحدثه المهرجان التجريبي علي الصعيدين المصري والعربي بدفع شباب المسرحيين نحو المغامرة والاختلاف والانفتاح علي تجارب المسرح الصارمة، والمختلفة بالعالم.. ويكفي أن المسرح القومي السوداني أنشأ قسما خاصًا للتجريب في عام 2008 هدفه إجراء الأبحاث والدراسات التطبيقية والتدريبات لإقامة عروض للمشاركة في مهرجان القاهرة التجريبي.. وأن المسرحيين العرب يعملون بدأب علي مدار العام بدافع الرغبة في المجئ للقاهرة للمشاركة بالمهرجان ويتمني رجل مسرح سعودي أن يكون للسعودية مهرجان تجريبي كبير علي غرار مهرجان القاهرة حيث يتم تبادل الخبرات والوقوف علي كل ما هو جديد في عالم المسرح، وتؤكد مخرجة أردنية أنه لو توقف مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي سينظم المسرحيون وقفات احتجاجية في عمان.. وللتجريبي آثار واضحة علي المسرح في المنطقة العربية بأسرها.. فهل يحتاج المهرجان التجريبي بعد كل هذا لمن يدافع عنه